قلما يخطر ببال أحدنا اسمًا أنثويًا عند السؤال عن أشهر الفلاسفة، فعلى مر التاريخ، سيطر الرجال على هذا المجال، وكان تمثيل النساء فيه خجولًا إلى حد بعيد. مع ذلك، هناك العديد من النساء اللاتي شاركن في الخطاب الفلسفي منذ الحضارة اليونانية، ووضعنَ أفكاراً في الأخلاق والمجتمع والسياسة والحب، وقدمن مساهمات مهمة في الفلسفة أثر بعضها، بشكل أو بآخر، على حياتنا اليوم.

مؤخرًا، بدأ الوعي العام حول إسهامات فيلسوفات نساء بتاريخ الفلسفة بالتزايد، إلا أن الاهتمام الذي توليه مختلف المجتمعات لهنّ لا يزال بحدوده الدنيا، ولا يتم عادة إعطاء مساهماتهن في هذا المجال القدر الكافي من التقدير.

لم يكن من المسموح للنساء التخصص بالفلسفة في أي جامعة من جامعات العالم. مع بداية القرن التاسع عشر كسرت بعض الكليات والجامعات في الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة هذه القاعدة، وبدأت بقبول النساء في مقاعدها، لكنّ عدد النساء اللاتي اخترن اختصاص الفلسفة بقي محدودًا. يرجع بعض المختصين السبب في ابتعاد النساء بشكل عام عن الفلسفة إلى تعرضهم للتمييز وعدم امتلاكهن الفرصة للتعبير عن أنفسهن وعن أفكارهن إضافة إلى معاناتهن من الأفكار القبلية.

كسرت العديد من النساء قاعدة احتكار الذكور للفلسفة، وتمكّن من وضع تحدي ظروفهنّ وترك بصمتهنّ الخاصة في هذا المجال، وسنأتي في هذا المقال على التعريف بمجموعة من أشهر الفيلسوفات، من زمن أرسطو وأفلاطون وحتى يومنا هذا.

فيلسوفات الحضارة اليونانية

1 – ثيانو

عاشت ثيانو في القرن السادس قبل الميلاد، وتزوجت الفيلسوف وعالم الرياضيات الشهير، فيثاغورس، وكانت تنتمي لعائلة أرستقراطية يونانية، كما تعد من أتباع المدرسة الفيثاغورية في الفلسفة. لم تذكر كتب التاريخ الكثير عن ثيانو لأن الفلاسفةً اللاحقين، من أمثال أرسطو وأفلاطون، لم يقتبسوا منها. عُرف عن ثيانو اهتمامها بفلسفة الأخلاق وبالعلاقات بين الرجل والمرأة، وناقشت أفكار الوجود والخلود، ودرست أفكار فيثاغورس وعملت على تطويرها. آمنت ثيانو أن الخلود أصل من أصول الكون، فقالت:

«الأخلاق ترتبط بنظام الكون والوجود، وما لم تكن الروح خالدة، فإن الحياة سوف تصبح مجرد وليمة لمرتكبي الشر… ولأن الكون منظم، فإن الشر هو إفساد لنظام الكون، ولو أن الروح تفنى، فهذا يعني أن الأشرار يعيشون حياةً مجانية ولا يعاقبون على فظائعهم».

2 – أسبازيا

وصلت أسبازيا إلى أثينا عام 450 قبل الميلاد وافتتحت فيها مدرسة لتعليم البلاغة و الفلسفة وشجعت النساء على الخروج من بيوتهن والمشاركة في الحياة العملية، وكانت تلقي محاضرات في هذا المجال في صالونها الفكري، وكان سقراط وبركليز من رواد هذه المحاضرات. أعجب سقراط بفصاحتها ووصفها بأنها «معلمة ممتازة». ينسب البعض الخطبة الجنائزية التي ألقاها بركليز بعد الحرب البيلوبونيسية لها. ندد المحافظون في المجتمع الأثيني بأفكار أسبازيا ووصفوها بأنها غانية لخروجها على الدين، وقُدمت للمحكمة التي أصدرت حكمًا ببراءتها. خُلدت أسبازيا في الوثائق التاريخية، إذ ذكرها ول ديورانت في كتابه «قصة الحضارة»، وذكرتها ماري ألين ويت في كتابها «تاريخ النساء الفلاسفة في العصرين اليوناني والروماني». كما ظهرت في العديد من اللوحات الزيتية إلى جانب سقراط وفيدياس وآخرين.

تدعي بعض الأبحاث أن أفكار أسبازيا حول الحب والسمو الأخلاقي ألهمت سقراط لصياغة الجوانب الرئيسية من أفكاره التي نقلت عن أفلاطون، ووفقًا لهذه الفرضية، تكون أسبازيا واحدة من أهم واضعي أسس تقاليد الفلسفة الأوروبية.

لوحة زيتية لأسبازيا وسقراط بريشة الفنان نيكلاوس مينايسو في القرن التاسع عشر.
لوحة زيتية لأسبازيا وسقراط بريشة الفنان نيكلاوس مينايسو في القرن التاسع عشر.

فيلسوفات من الصين

أشادت النصوص الكونفوشية بفكر وحكمة جينغ جانيغ واقتبس كتاب خطابات الولايات مقولات من جانيغ من بينها «عندما يكدح الناس يفكرون، وعندما يفكرون، تولد عقولهم الجيدة». كانت جانيغ واحدة من أهم الأمثلة التي اعتاد كونفوشيوس على ذكرها لطلابه عند حديثه عن المرأة النموذجية التي يجب عليهم أن يسترشدوا بها.

ساهمت العالمة والفيلسوفة الصينية بان تشاو التي عاشت في القرنين الأول والثاني قبل الميلاد في تأليف كتاب هان الذي يصف تاريخ الصين والذي يعد أحد أبرز الدراسات حول تاريخ الصين، ويحتوي على مقالات مطولة حول الجغرافيا والأدب والمال. ألفت تشاو أيضًا كتاب «دروس للمرأة» الذي تطرقت فيه إلى الكلاسيكيات الفلسفية، وطالبت فيه بالمساواة بين الجنسين.

فيلسوفات من الهند

أطلقت الفيلسوفة الهندية مايتريا، في القرن الثامن قبل الميلاد، نقاشًا حول أهمية المعرفة للإنسان، فتساءلت: «هل من الممكن أن أصبح خالدة إذا ما امتلكت العالم كله بما فيه من ثروات؟ ما مغزى الحصول على شيء لن يجعلني خالدة؟»، وضعت بذلك حجر الأساس في التحقيق الفلسفي للعلاقة التي تربط المعرفة بالمادة.

واجهت الفيلسوفة الهندية، سولابها، أعظم الفلاسفة الهنود الذكور، جاناكا، في القرن الرابع قبل الميلاد، في ملحمة ماهباهارتا، وتمكنت من إثبات وجهة نظرها حول قدرات النساء الفكرية، فقالت له: «جسدي نختلف عن جسدك، إلا أن روحي وروحك متماثلتان».

ذكر شانكارا، أحد الفلاسفة الأكثر شهرة في الهند، في سيرته الذاتية الخاصة، خوضه لمناظرة فلسفية مطولة مع الفيلسوفة أوبهايا بهاراتي استمرت لسبعة عشر يومًا، تطرقا فيها لمواضيع مختلفة منها الحب والمذاهب الفلسفية والكاماسوترا الكتاب الهندوسي المقدس. تمكن شانكارا من الانتصار في المناظرة بعد أن طلب استراحة مدتها شهر لتقصي مجموعة من الحقائق. أقرت بهاراتي في نهاية المطاف بانتصار شانكارا وقالت:

«واجهت كل المتاعب لتذليل علم الجنس حتى يتوافق مع أنماط العالم. لا يعني تمكنك من هزيمتنا في المناظرة أن نشعر بالعار، فلا تسوء سمعة النجوم عندما يحجبها نور الشمس». ويقال بأن بهاراتي أسست مدرسة فكرية خاصة بها بعد المناظرة التي جمعتها بشانكارا.

نادت المفكرة أكا مهاديف التي عاشت في القرن الأول قبل الميلاد بمساواة الرجل بالمرأة، ورفضت جميع صور التمييز بين البشر، سواء كانت مرتبطة بالجنس أو اللغة أو الطبقة الاجتماعية. عاشت مهاديف حياتها مؤمنة بكونها امرأة مستقلة ومكتفية ذاتيًا، واختارت طريقها الخاص للتفاني للآلهة الهندية «شيفا» بدلًا من اتباع معايير المجتمع أو العائلة أو حتى الكتاب المقدس، واشتهرت بقولها: «كل الفيدا والكتاب المقدس والتقاليد المقدسة والشرائع والرموز ليست سوى قشور و حنطة وُضعت في طاحونة». في أولى سنوات شبابها، تزوجت مهاديف الملك كوشيكا بعد أن اشترطت عليه أن يخصص لها غرفة نوم تقضي بها لوحدها ما تشاء من الوقت. أخلف كوشيكا بوعده فما كان من مهاديف إلا أن تعرّت بالكامل وجالت الطرقات حتى وصلت إلى بناء أنباهافا مانتابا (مركز للنقاشات الفلسفية) وواجهت الشاعر والعلامة برابهو وانخرطت معه في نقاش روحي تمكنت من خلاله بإقناعه بقيمتها الروحية. بعد هذه الحادثة، عاشت أكا مهاديف حياتها كمفكرة روحية وشاعرة شهيرة.

مصر الرومانية

– هيباتيا

عاشت هيباتيا في مصر الرومانية في القرنين الرابع والخامس، واشتهرت في التاريخ بصفتها عالمة رياضيات لكنّ اسمها لمع أيضًا في تدريس الفلسفة وعلم الفلك. اتبعت هيباتيا المدرسة الأفلاطونية المحدثة للفلسفة القديمة واتبعت المنهج الرياضي لأكاديمية أفلاطون في أثينا وتأثرت بفكر أفلوطين الذي عاش في القرن الثالث الميلادي والذي فضل الدراسات المنطقية و الرياضياتية على المعرفة التجريبية. قُتلت هيباتيا على يد حشد من المسيحيين المتعصبين بعد اتهامها بممارسة السحر والإلحاد، وتسبب مقتلها باشتعال موجة من الاضطرابات الدينية.

رسم للحظة مقتل هيابتيا في الاسكندرية بريشة الفنان لويس فغويه (1866).
رسم للحظة مقتل هيابتيا في الاسكندرية بريشة الفنان لويس فغويه (1866).

فيلسوفات معاصرات

كتبت الفيلسوفة حنا أردندت الألمانية (1906-1975) عن الشمولية، وحللت في رائعتها «أسس التوتاليتارية» كيفية وصول الحكومات الشمولية إلى السلطة. كتبت أردندت أيضًا عن مواضيع سياسية أخرى كالثورة الأمريكية والفرنسية. وقدّمت نقدًا لفكرة حقوق الإنسان.

عملت الفيلسوفة الإنجليزية فيليبا فوت (1920 –2010) جامعة أوكسفورد، ويعود لها الفضل في إحياء الفكر الأرسطي، وهي أول من وضع مسألة العربة. عملت فوت مع العديد من الفلاسفة خلال حياتها، وأثرت بالعديد منهم. تعد مجموعة مقالات «Virtues and Vices» التي ألفتها فوت من أهم المقالات التي تطرقت لفلسفة أخلاق الفضيلة.

كانت جروترود إليزابيث مارغريت أنسكومب (1919 -2001) فيلسوفة بريطانية درّست في جامعة أوكسفورد، وتركزت إسهاماتها الفكرية على المنطق وفلسفة الأخلاق والعثل واللغة وجرائم الحرب. ألفت كتاب «Intention» الذي درس تأثير النوايا على المكانة الأخلاقية للبشر، وكانت أول من استخدم مصطلح عواقبية (Consequentialism) في كتابها  «Modern Moral Philosophy».

كانت آن دوفورمانتيل (1964-2017) فيلسوفة فرنسية متخصصة بالتحليل النفسي، و«المخاطرة». ألفت 30 كتابًا وألقت العديد من المحاضرات المؤثرة في الفلسفة.

كتبت كاثرين جينز (1978) عن فلسفة حنة أرندت وعن فلسفة الأفريكانا والنسوية السوداء والظواهرية.

كانت المرأة على مر التاريخ عرضة للتهميش والتعنيف والتمييز والاضطهاد ومحاولات الإبعاد عن المشاركة في بناء المجتمع، وحاربت من أجل حريتها وتحقيق المساواة مع الرجل وإثبات وجودها في المجتمع، ولا تزال النساء تعاني من قوانين ظالمة في القرن الحادي والعشرين حتى في أكثر دول العالم تحضرًا. منعت هذه الظروف النساء من تحقيق التفوق في عدة مجالات، أهمها الفلسفة. إلا أن العديد منهن تمكن من وضع نظريات وأفكار في الأخلاق والمجتمع والحب والسياسة، وغيرها من المواضيع الفلسفية، ظلت راسخة لقرون عديدة.

المصادر:

  • First women of philosophy, Aeon.
  • Socrates in love: how the ideas of this woman are at the root of Western philosophy.

نريد أن نعيد لمنطقتنا مجدها السابق.أتريد ذلك أيضاً؟

خلال العصر الذهبي، ساهمت منطقتنا ببعض أكبر الاختراعات والعجائب العلمية في العالم الحديث. نحن نعيد إيقاد روح المعرفة والمجد والأمل التي ألهمت المنطقة خلال هذه الفترة، ونحن بحاجة إليك.

انضم إلينا