سبق لنا جميعًا أن سمعنا أحدهم يستهزئ من الانفجار العظيم «لأنه مجرد نظرية »، ويرفض التطور لأنه « نظرية لم يتم إثباتها بعد»، ليس هذا وحسب، بل من المؤكد أنه قد سبق للكثير منا أن استعمل هذه التبريرات في لحظة ما من حياته ليريح باله عن دراسة هذه النظريات بشكل موضوعي. يعبر مصطلح « نظرية » في الاستعمال العام، عن مجموعة من المعلومات الغامضة المرتبطة ببعضها البعض والتي تضع تفسيرًا غير نهائي لظاهرة ما.. لا تتصف هذه المعلومات بأنها عرضة للتدقيق والتشكيك فقط، بل من الممكن أيضًا أن يتم استبعادها بشكل نهائي للعجز عن إثباتها. أما التفسير المستخدم في المنهج العلمي لوصف النظريات العلمية فهو مختلف تمامًا عن المعنى الشائع.
المنهج العلمي في تفسير الظواهر الكونية
يعتمد المنهج العلمي على مجموعة من المبادئ المبنية على أسس الملاحظة والمنطق والتي تهدف للتأكيد على دقة فهمنا للعالم من حولنا. يصف العلماء النتائج القابلة للتحقق والتكررا بأنها أساس المعرفة.
يبنى المنهج العلمي على الخطوات التالية:
أولًا، رصد وملاحظة ظاهرة معينة.
ثانيًأ، استنباط وصف مبدئي للظاهرة (فرضية).
ثالثًا، استعمال الفرضية لوضع تنبؤات.
رابعًا، اختبار هذه التنبؤات من خلال التجارب أو من خلال إجراء المزيد من عمليات الرصد والمراقبة.
خامسًا، التعديل على الفرضية بما يتوافق مع نتائج التجارب الجديدة.
سادسًا، تكرار عمليتي وضع التنبؤات وإجراء التجارب حتى تختفي التناقضات بين الافتراضات ونتائج التجارب.
سنعمل في هذا المقال على شرح الفروقات بين مصطلحي الفرضية والنظرية العلمية، مع التطرق إلى مجموعة من المصطلحات الأخرى المستخدمة في المنهج العلمي، والتي غالبًا ما تثير اللغط عند غير المختصين.
الحقيقة
مثال: «عندما تقع التفاحة على كوكب الأرض، فأنها تتجه نحو الأسفل».
تمثل العبارة السابقة ملاحظة تم تأكيدها مرارًا وتكرارًا مما سمح للعلماء بقبولها على أنها حقيقة صحيحة.
الفرضية
مثال: «تتجه التفاحة نحو الأسفل لوجود قوة تسحبها باتجاهها».
الفرضية هي تفسير مبدئي لملاحظة معينة يمكن اختبارها. وتعد الفرضية نقطة انطلاق نحو المزيد من التحقيق والتأكيد، وعادة ما تأتي الملاحظة مع مجموعة من الفرضيات.
وضع العلماء والفلاسفة على مر التاريخ العديد من الفرضيات لتفسير سقوط الأشياء نحو الأسفل عند تركها. في القدم، ساد اعتقاد بأن الأجسام المادية تميل للاتجاه نحو مركز الكون، وهو الرأي الذي تبناه الفيلسوف اليوناني، أرسطو. جاء نيوتن في القرن السابع عشر ميلادي لينفي النظرية السائدة، ويؤكد أن جميع الأجسام المرتبطة بالأرض يجب أن تنجذب نحو الأرض، وأن جميع الكواكب يجب أن تنجذب نحو بعضها البعض. وضع نيوتن فرضية «الجاذبية لتفسير هذه الحوادث».
النظرية العلمية
مثال النظرية العلمية: «تتسبب الكتلة والطاقة بانحناء الزمكان وتنتج الجاذبية عن هذا الانحناء».
النظرية العلمية هي الشكل الأكثر موثوقية، ودقة، وشمولاً للمعرفة العلمية وتُعد التفسير الأفضل للحقائق التي نشاهدها حولنا في الطبيعة، ولا يمكن الوصول إليها إلّا باستخدام الأساليب العلمية. تُختبر النظرية العلمية مراراً وتكراراً وتُؤكد باستخدام الملاحظة والتجربة.
تبدأ كل نظرية علمية كفرضية توصف بأنها فكرة لم تُثبت بعد، وإذا تم جمع ما يكفي من الأدلة لدعم الفرضية فإنها تتحول، وفقًا لأسس المنهج العلمي، إلى «نظرية علمية»، ويصبح بالإمكان استخدامها لتفسير ظاهرة معينة.
عندما يحصل العلماء، بعد إجرائهم لاختبارات معينة أو لمجموعة من المشاهدات وعمليات المراقبة، على نتائج لا يمكن تفسيرها اعتمادًا على النظريات الموجودة أصلًا، تقع على عاتقهم مسؤولية وضع نظريات جديدة يمكن من خلالها تفسير النتائج الجديدة جنبًا إلى جنب مع تفسير النتائج والتجارب القديمة التي سبق للنظرية القديمة أن فسرتها. لا يعني هذا الأمر أن النظرية القديمة خاطئة أو غير صحيحة، وإنما يعني أن لقدراتها التطبيقية حد معين، لا يمكّنها من تفسير البيانات الجديدة. أي أن النظريات الحالية قادرة على شرح كافة البيانات الناتجة عن التجارب والاختبارات الحالية، لكن هذا لا يعني أنها ستكون قادرة على تفسير وشرح نتائج جميع التجارب المستقبلية.
في كتابه، تاريخ موجز للزمن، وضع العالم الفيزيائي البريطاني، ستيفن هوكينغ شرطين اثنين للنظرية الجيدة: «أن تصف بدقة مجموعة هائلة من المشاهدات على أساس نموذج يتضمن أقل قدر ممكن من العناصر العشوائية، وأن تضع تنبؤات حاسمة حول نتائج المشاهدات المستقبلية».
يعتمد رفض النظرية أو قبولها على نتائج التجارب وعمليات الرصد والمراقبة بغض النظر عن قوة مؤيديها وشكلها وبهرجها والتأثير الإعلامي عليها، فالنتائج التي نحصل عليها من خلال المنهج العلمي قابلة للتكرار، ويمكن لأي شخص يمتلك الأدوات المناسبة أن يعيد التجربة أو عمليات الرصد والمراقبة للتأكد من نتائج النظرية. في واقع الأمر، تمت إعادة التجارب التي أفضت إلى الوصول إلى أشهر النظريات العلمية مرارًا وتكرارًا قبل اعتمادها، وتصنيفها على أنها «نظريات علمية».
النموذج العلمي
النماذج هي فرضيات محدودة الصلاحية. يعد نموذج الذرة المعروف «نموذج بور» أحد أشهر الأمثلة على النماذج العلمية. لا يمثل نموذج بور الشكل الذي تظهر فيه الذرة في الحقيقة، وإنما يمثّل بشكل دقيق مستويات الطاقة الكمومية للإلكترون في ذرّة الهدروجين دون أخذ العزم الزاوي بعين الاعتبار، لكنّه يشبه الأشياء الحقيقة بما يكفي ليكون البديل في معظم الأحيان.
القانون:
مثال: «أي جسيم من المادة في الكون ينجذب إلى آخر باستخدام قوة تتناسب طرديًا مع الكتلة، وتتناسب عكسيًا مع مربع المسافة بينهما».
القانون هو وصف مفصل للطريقة التي تعمل بها بعض جوانب العالم الطبيعي، وغالبا ما يكون مرتبطًا بالرياضيات. وضع نيوتون القانون التالي لوصف قوة الجاذبية بين كتلتين.
𝐹1=𝐹2=𝐺 ,𝑚1×𝑚2-,/𝑟-2..
الفرق بين النظرية والقانون.
هناك اعتقاد خاطئ وشائع أنه من الممكن للنظريات أن تتحول إلى قوانين، لكن، في واقع الأمر، لكل من النظرية والقانون دور خاص في المنهج العلمي. فالقانون هو وصف لظاهرة لوحظت في العالم الطبيعي وستبقى صائبة في كل مرة تُختبر فيه. لا يفسر القانون صحة شيء ما، بل يذكر بها فقط. أما النظرية، فتشرح المشاهدات التي يتم جمعها من خلال المنهج العلمي.
تعد مسألة «غريغور مندل» واحدة من أشهر الأمثلة التي تبين الفرق بين النظرية والقانون. ففي بحثه، اكتشف مندل أن صفتين وراثيّتين منفصلتين ستظهران بشكل مستقل عن بعضهما البعض في سلالة مختلفة. والمفارقة هنا أن مندل لم يكن يعرف أي شيء عن الحمض النووي والكروموسومات التي لم تكتشف إلا بعد وضع قوانينه بقرن كامل من الزمن (والتي تمثل التفسير الكيميائي الوحيد لقوانينه).
ملخص
الحقيقة العلمية هى الحدث الذي يمكن ملاحظته، والقانون هو الوصف الحسابي له، والنظرية العلمية هى تفسير سبب حدوثه، وهي النسخة النهائية الصحيحة لجميع البيانات العلمية الموضوعة. لا يتوافق المعنى الشائع لمصطلح « نظرية » بين غير المختصين مع المعنى العلمي له، وينطبق هذا الأمر أيضًا على العديد من المصطلحات العلمية أخرى، كالقانون والحقيقة والفرضية. يختلف استخدام أو تطبيق النظرية عن الفرضية، ففي الاستدلال العلمي توضع الفرضيات قبل إجراء أي بحث قابل للتطبيق، بينما تدعم النظرية بالأدلة والإثباتات ونتائج عمليات المراقبة والتجارب.
تختلف النظريات العلمية عن الحقائق بشكل جذري، فالحقائق، في المنهج العلمي، هي تلك الملاحظات التي تم تأكيدها بشكل متكرر حتى قُبلت صحتها لأغراض علمية. أما النظرية فهي التأويلات التي يضعها العلماء لتفسير الحقائق.
يرى البعض أن حل مشكلة اللغط في تفسير بعض المصطلحات العلمية يكمن بالتخلص منها بشكل نهائي، واستبدالها بمصطلحات أخرى جديدة وواضحة. رد العالم الكيميائي في جامعة ستانفورد، مايكل فاير، على هذا الاقتراح، فقال: «كلمة نظرية هي مصطلح علمي اختصاصي، وفهمها بشكل خاطئ من قبل غير الاختصاصيين لا يوجب علينا التوقف عن استخدامها أو استبدالها بمصطلحات أخرى، ما علينا فعله في هذه الحالة هو السعي لتحقيق مستويات تعليم أفضل للعامة». لذلك، من غير المنطقي لنا أن نستخف بأي نظرية علمية لأنها «مجرد نظرية » فهي تمثل التفسير الحالي الأكمل والأشمل للظواهر الكونية، ولم يعتمدها العلماء إلا بعد إثباتها بالأدلة التجريبية.
علاء شاهين
المصادر:
- It’s Just a Theory, by David H. Jonassen.