إن اضطراب نقص الانتباه مع فرط الحركة (ADHD) لدى البالغين مرتبط بالصحة العقلية ويشمل مجموعة من المشكلات المستمرة كصعوبة الانتباه، وفرط الحركة، والسلوك الاندفاعي. مع هذه المشكلات التي يسببها الاضطراب.. لماذا احتفظت عملية الانتخاب الطبيعي بالجينات المسببة له ولم تتخلص منها،
وما هو التفسير التطوري لظهوره؟
وكيف ساعد هذا الاضطراب الإنسان البدائي على النجاة بحياته؟
قصور الانتباه وفرط الحركة والاندفاعية
يشير مفهوم قصور الانتباه إلى معاناة الفرد من الشرود (التشتت) وصعوبة التركيز، وعدم الثبات، واللا انتظام أثناء أداء الأعمال، بشرط ألا تكون هذه المشكلات نتيجة قصور في الفهم ، فيما يشير مصطلح فرط الحركة إلى تحرك الشخص بشكل مستمر حتى عندما لا تكون الحركة مناسبة أو ضرورية، إضافة إلى اتسامه بالتململ، والتنصت أو التكلم بإفراط، الأمر الذي قد يكون متعبًا للفرد نفسه أو للمحيطين به. أما الاندفاعية فتدل على قيام الأشخاص بأفعال طائشة بلا تفكير، وامتلاكهم رغبة في الإيذاء أو الحصول على المكافأة المباشرة أو عدم القدرة على تأجيل المُتع. قد يكون الشخص المندفع فضوليًا ومتطفلاً، وقد يقاطع الآخرين ليُدلي بقرارات متسرعة دون احتساب منه لعواقبها.
قد يُؤدِّي اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة لدى البالغين إلى علاقات غير مستقرةٍ، وضعف العمل أو الأداء المدرسي، وتراجع الثقة بالنفس، وغيرها من المشكلات. يعد اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة من أكثر الحالات النفسية شيوعًا في العالم، وتقترب نسبة المصابين به من 5% من سكان العالم، وتزداد النسبة في دول العالم الأول.
الأعراض
نقص الانتباه والنشاط المفرط والاندفاعية هي السمات الرئيسية لاضطراب ( ADHA ). يصعب تحديد أعراض هذا الاضطراب بصفة خاصة نظرًا لصعوبة تحديد خط فاصل بين المستويات العادية لنقص الانتباه والنشاط المفرط والاندفاعية والمستويات الأخرى التي تتطلب تدخلا طبيًا. لتحديد ما إذا كان الشخص مصابًا باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه ADHA من عدمه، يحب أن يلاحظ استمرار الأعراض عنده لمدة ستة أشهر أو أكثر في بيئتين مختلفتين، ويجب أن تفوق هذه الأعراض مثيلتها في الآخرين في المرحلة العمرية نفسها.
قد تشمل أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه ما يلي:
- تشتت الذهن بسهولة وعدم الانتباه للتفاصيل والنسيان والانتقال الدائم من نشاط إلى آخر.
- صعوبة التركيز في أمر واحد.
- الشعور بالملل من أداء نشاط واحد بعد بضع دقائق فقط، ما لم يكن هذا النشاط ممتعا.
- صعوبة تركيز الانتباه على تنظيم واستكمال عمل ما أو تعلم شيء جديد.
- صعوبة إتمام الواجبات أو أدائها، وفقدان الأغراض الضرورية لإنجاز المهام أو الأنشطة.
- صعوبة التركيز في الاستماع للأحاديث.
- الاستغراق في أحلام اليقظة والارتباك بسهولة والتحرك ببطء.
- صعوبة معالجة المعلومات بسرعة وبدقة كالآخرين.
- صعوبة اتباع التعليمات.
أما النوع الذي يغلب عليه النشاط الحركي الزائد والاندفاع فيشمل الأعراض التالية:
- القلق والتململ.
- التحدث بصورة مستمرة.
- التحرك المستمر في كل مكان، وملامسة أي شيء أو اللعب بكل شيء تقع عليه أيدي المريض.
- صعوبة البقاء بحالة سكون أثناء تناول الطعام وخلال وقت الاستعداد للنوم.
- الحركة الدائمة.
- صعوبة أداء المهام أو الأنشطة بهدوء.
وتشير الأعراض التالية أيضا إلى الاندفاع بصفة أساسية:
- عدم القدرة على الصبر.
- الإدلاء بتعليقات غير ملائمة وإبداء المشاعر دون ضبط النفس والتصرف دون اعتبار للعواقب.
- إظهار صعوبات في انتظار الحصول على الأشياء المبتغاة.
مسببات اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة
يعتقد الباحثون أن الغالبية العظمى من الحالات التي تعاني من نقص الانتباه وفرط الحركة ( ADHD ) تنشأ عن وجود مجموعة من الجينات المختلفة، والتي يؤثر عدد غير قليل منها في ناقلات هرمون الدوبامين. ومن أمثلة الجينات المسؤولة عن الإصابة بهذا الاضطراب مستقبلات الأدرينالين α2A، وناقلات الدوبامين، ومستقبلات الدوبامين D2/D3 وإنزيم الدوبامين بيتا هيدروكسيلاز وإنزيم المونوأمين أوكسيديز A وإنزيم الكاتيكولامين ميثيل ترانسيفيريز ومادة السيروتونين الناقلة المعززة (SLC6A4) والبروتين المستقبل 5-HT2A و البروتين المستقبل 5-HT1B والأليل المكرر العاشر للجين DAT1 والأليل المكرر السابع للجين DRD4، إضافة إلى جين دوبامين بيتا هيدروكسيلاز (DBH Taql).
بالمقابل، أشارت دراسات التوائم حتى الوقت الراهن إلى أن ما يتراوح بين 9% 20% من التباين في السلوك الذي يتميز بفرط النشاط والاندفاع ونقص الانتباه أو ما يعرف بأعراض نقص الانتباه وفرط الحركة ( ADHD )، يمكن إرجاعه لعوامل بيئية (غير وراثية) غير مشتركة. تتضمن هذه العوامل البيئية تعاطي الكحول والتعرض لدخان التبغ في أثناء الحمل واستنشاق الرصاص من البيئة في المراحل المبكرة من العمر. يمكن أن نعزو العلاقة بين التدخين واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه إلى النيكوتين الذي يؤدي إلى نقص الأكسجين الواصل إلى الجنين في الرحم. ومن المرجح أيضا أن تقبل السيدات اللاتي تعانين من اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه على التدخين، مما يعزز من احتمالية إصابة أطفالهن بالاضطراب نفسه نظرا للعوامل الوراثية القوية المرتبطة باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه. وقد تلعب المضاعفات التي تحدث في أثناء الحمل والولادة، بما في ذلك الولادة المبكرة، دورا أيضا في الإصابة بهذا الاضطراب. كما لوحظ أيضا ارتفاع معدل إصابات الرأس عن المتوسط بين المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه،[ إلا أن الأدلة المتوافرة حاليا لا تشير إلى أن إصابات الرأس هي السبب في حدوث اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه في الحالات موضع الملاحظة. علاوة على ذلك، تقترن الإصابة بأمراض معدية في أثناء الحمل، وعند الولادة وفي مرحلة الطفولة المبكرة، بارتفاع معدلات خطورة التعرض لاضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه. تشمل هذه الأمراض العديد من الفيروسات مثل (الحصبة والكوليرا والحصبة الألمانية والفيروس المعوي، بالإضافة إلى العدوى ببكتيريا المكورات العنقودية.
الأصل التطوري لاضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه
وضع الكاتب توم هارتمان نظرية الصياد والمزارع لتفسير ظهور اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه في مجتمعات الإنسان البدائي. وترجح هذه النظرية أن فرط الحركة ربما يكون سلوكًا تكيفيًا عند البشر في عصر ما قبل الحداثة، وأن سلوك الذين يعانون من اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه يحمل في طياته بعض الخصائص السلوكية القديمة للصيادين التي كانت تميز المجتمع البشري في العصر السابق لاكتشاف الزراعة. تشير هذه النظرية إلى أن المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه ADHA قد يكونون أكثر مهارة في جوانب البحث والسعي وأقل مهارة من ناحيتي البقاء في وضع ثابت وإدارة المهام المعقدة بمرور الوقت.
خلصت إحدى الدراسات التي أجراها الدكتور جوناثن ويليامز في عام 2006 إلى وجود دلائل إضافية تشير إلى وجود فوائد كثيرة لاضطراب فرط الحركة لأنماط معينة من المجتمعات القديمة، وكان المصابون بهذا الاضطراب يتسمون بكفاءة أكبر في إنجاز المهام التي تنطوي على مخاطرة أو منافسة (كالصيد وطقوس التزاوج).
في المجتمعات الحديثة، وجد (Glickman & Dodd, 1998) أن البالغين المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه سجلوا درجات أعلى من البالغين العاديين في قدرتهم الذاتية على التركيز المفرط على المهام العاجلة، كمشروعات اللحظة الأخيرة. كان البالغون في مجموعة ADHD قادرين بشكل فريد على تأجيل تناول الطعام والنوم والاحتياجات الشخصية الأخرى والبقاء منغمسين في “المهمة العاجلة” لفترة طويلة. ذكرت مقالة نشرت في مجلة نيو ساينتست لعام 2008 بقلم تيم كالاواي أن البحث عن اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه والسمات ذات الصلة في الثقافات المختلفة يقدم بعض الدعم لفرضية الصياد مقابل المزارع. وفقًا لعالم الأنثروبولوجيا التطورية بن كامبل من جامعة ويسكونسن-ميلووكي، فإن دراسات مجموعة أريال، وهي مجموعة بدوية معزولة في كينيا، تشير إلى أن فرط النشاط والاندفاع – السمات الرئيسية نقص الانتباه وفرط الحركة ( ADHD )- لهما مزايا واضحة للشعوب الرحل. بالإضافة إلى ذلك، تمتلك الأريال البدوية معدلات عالية من الطفرة الجينية المرتبطة باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه ، في حين أن مجموعات الأريال الأكثر استقرارًا لديها معدلات أقل لهذه الطفرة.
قال هنري هاربيندينج من جامعة يوتا أنه مع هذه الطفرة الجينية: «من المحتمل أنك ستعمل بشكل أفضل في سياق المنافسة الشديدة».
المصادر:
- The evolution of hyperactivity, impulsivity and cognitive diversity Jonathan Williams1,2,3,* and Eric Taylor3
- Attention deficit hyperactivity disorder (ADHD): Overview, ncbi.nlm.nih.gov
- How evolutionary thinking can help us to understand ADHD. Published online by Cambridge University Press: 02 January 2018 by Annie Swanepoel, Graham Music, John Launer and Michael J. Reiss.
- Arcos-Burgos M, Acosta MT (2007)، “Tuning major gene variants conditioning human behavior: the anachronism of ADHD”، Curr. Opin. Genet.
- ADHD and Evolution: Were Hyperactive Hunter-Gatherers Better Adapted Than Their Peers? HealthLine.com