لعل أول كلمة تخطر ببال أي منا عند سماع لفظ «جائزة» هي كلمة نوب، فقد جذبت هذه الجائزة منذ البدايات انتباه الجمهور، واحتلت مكانة لم تحظى بمثلها جائزة أخرى قط، سواء في المجال الفكريّ أو حتى الإنسانيّ فكيف ظهرت هذه الجائزة لأول مرة؟ ولماذا تمتلك هذه السمعة التي ليس لها أي مثيل؟ 

لكن قبل الخوض في ماهيّة تلك الجائزة، لا بدّ وأن نتطرّق إلى نبذة عن المخترع الذي ارتبط اسمه بها؛ «ألفريد نوبل»

ارتبط اسم جائزة نوبل بعالم الكيمياء، والمخترع والمهندس السويدي ألفريد نوبل، الذي وُلد لأسرة فقيرة في استوكهولم عام 1833، إذ كان والده الذي يعمل في صناعة المعدّات والمتفجّرات، يعاني من أزمات مالية مستمرّة، إلى أن تحسّنت أحواله وافتتح ورشة ميكانيكية في روسيا وفّرت المعدّات للجيش الروسي، فأأصبح الأب قادرًا على نقل عائلته إلى سان بطرسبرغ ليحظى الأولاد بتعليم من الدرجة الأولى وعلى يد أهم المدرّسين.

ورث ألفريد نوبل حب واهتمام والده للتكنولوجيا، حيث برع الابن في دراسته، وكرّس وقته في دراسة المتفجرات وبخاصة صناعتها والاستخدام الآمن لها. كان شغف نوبل واهتمامه واضحًا في عدد من المجالات الأخرى، لا سيما في الأدب والشعر، وتعلّم اللغات، وأتقن منها الروسية، والألمانية، والفرنسية، والإنجليزية وتحدثها بطلاقة، فضلًا عن مجال الكيمياء الذي درسه وتخصص به في الولايات المتحدة الأمريكية. حصل نوبل على أول براءة اختراع له عندما اخترع عدّادًا للغاز، وأتبعها بسلسلة من الاختراعات وصولًا إلى اختراعه الأبرز «مادة الديناميت»، التي أفادت البشرية من جهة، وزادت من مأساتها في الوقت ذاته.

لاقى اختراعه الرواج السريع والقبول الواسع لدى العديد من العملاء المهتمين، فتهافتت عليه الجهات العسكرية، وشركات البناء وإنشاء الطرق، وشركات أعمال التنقيب والمناجم. حقق نوبل نتيجة لذلك أرباحًا ضخمة، الأمر الذي مكّنه من بناء شبكة ضخمة من المصانع في مئة مكان مختلف في جميع أنحاء العالم، لتصنيع المتفجرات والذخائر.

نشأة جائزة نوبل

بدأ كل شيء عام 1888 أثناء زيارة نوبل إلى مدينة كان الفرنسية، كتبت صحيفة «لو فيغارو» الفرنسية عن طريق الخطأ، خبرًا تشهيريًا مفاده بأن مخترع الديناميت، ألفريد نوبل قد مات! بينما كان أخاه لودفيغ نوبل هو المتوفى. ولكن، بدلًا من تحقق الصحيفة من صحة خبرها الصحفيّ، قامت بالاحتفال بهذا الحدث عبر نعيٍ صاغته بِ: «الدكتور ألفريد نوبل، الذي أصبح ثريًا بإيجاد وسائلًا لقتل أكبر عدد من الناس بطريقة أسرع من أي وقت مضى، قد مات الأمس».

وبحسب بعض كتّاب السيرة، قرأ ألفريد نوبل نعيه بنفسه، وتفاجأ من رد الفعل العنيف على خبر الوفاة، وما تبعه من تنديد به، وباختراعه، الديناميت. شعر نوبل بخيبة أمل مما قرأه لكونه من أشد المناهضين للحرب ويعتبر نفسه من دعاة السلام. بعدها انتاب نوبل القلق، واستحضر حالة الموت، وبدأت تسيطر عليه تساؤلات بشأن ذكراه التي سترسخ عند الناس بعد موته، هل سيكون بمنزلة (تاجر الموت) بالنسبة لهم؟

سعى نوبل إلى محو سمعته السيئة، واستعادة مكانته وما يستحق من ذكرى بعد موته، فقام بتوقيع وصيّته الأخيرة لدى النادي السويسري النرويجي في باريس، إذ أراد أن يخلق بالجزء الأكبر من ثروته -التي تقدّر بنحو 31 مليون كرون سويديّ آنذاك- استثمارات تعود أرباحها على شكل جوائز سنويّة سمّيت ب «جائزة نوبل»، والتي تُمنح للناس رجالًا ونساءً ممن قدّموا مساهمات إيجابية للجنس البشري في مجالات مختلفة كالسلام، والكيمياء، والفيزياء، والأدب، والطب، وأخيرًا في الاقتصاد (الذي أُضيف في وقت لاحق)، دون أي اعتبار لجنسية الفائز.

لم يكن ألفريد نوبل مشهورًا باختراعه المدمّر فحسب، بل بعزلته أيضًا، إذ تم الإعلان عن وصيّته بعد عام من وفاته. أثار هذا الإعلان المفاجئ اهتمامًا كبيرًا من الناس منذ البدايات، وبحسب غوستاف كالستراند، كبير أمناء متحف نوبل الذي قال: «حقيقة أن مخترع الديناميت قد عهد بأمواله لخلق جائزة سلام، من بين أمور أخرى، قد جعل الكثير من الناس مهتمين بالجائزة بشكل كبير».

قيمة جائزة نوبل

كانت جائزة نوبل تحظى بالاهتمام الأكبر أيضًا بسبب جائزتها المالية الضخمة، إذ كان العلماء عبر التاريخ منذ أوائل عصر النهضة على الأقل، يحصلون على ألقاب مثل الفروسية (السير اسحق نيوتن مثالًا)، ومع التقدّم في السنوات، بدأوا يحصلون على ميداليات وجوائز نقديّة، لكن أيًا من تلك الجوائز لم تقترب من حقيبة نوبل المتخمة بالنقود. يقول كالستراند الذي كتب أطروحة حول كيف أصبح نوبل جسرًا بين العلم والمجتمع: «وفّرت أموال جائزة نوبل للناس طريقة ملموسة لفهم الاكتشافات العلمية التي كان فهمها ولا يزال محصورًا في فئة معيّنة من الأشخاص من أهل الاختصاص، ويجب أن يكون الفائزون بها مهمّين و يستحقون الاهتمام».

بدءًا من رواجها الأوليّ ووصولًا إلى بريق ميداليتها الذهبية؛ اكتسبت الجائزة سمعة حسنة بسبب اختيار الفائزين البارزين، وبفضل المنهجية التي وضعتها أولى أفرقة المُحكّمين في لجنة نوبل عام 1901. وبحسب كالستراند، فإن أعضاء الأكاديمية في ذلك الوقت كانوا متوتّرين من أن يكونوا محور الاهتمام الدولي، فقد تنبأت صحيفة نيويورك تايمز بعد إعلان وصية نوبل على الملأ عام 1897، بأن هذه الجائزة من شأنها أن تجلب متاعب للسويد تفوق ما حققته البلاد من أمجاد، كون أنها ستستسلم لسياسة انتقاء المفضّلين، ومن أجل حماية أنفسهم من سخرية اختيار الأشخاص الخطأ، قرر المُحكّمون طلب توصيات يرشحها المجتمع العلمي الدولي.

منذ ذلك العام، وبعد كل عام تبعه، يُطلب من العلماء، وأساتذة الجامعات، وأعضاء الأكاديميات، والحائزين السابقين على هذه الجائزة وأعضاء المجالس البرلمانية تقديم مرشحين لجوائز نوبل للعام التالي، وتعمل لجنة مكوّنة من 5 أعضاء لكل جائزة على تحقيق وصيّة ألفريد نوبل بمنح الجائزة لأولئك الذين قدّموا أكبر فائدة للبشرية، ويقومون بالتماس ومراجعة آلاف الترشيحات، وبعد انتقاء صارم، تسلّم اللجنة قائمة المرشحين إلى كل من الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم، المعنيّة باختيار الفائزين في مجال الكيمياء والفيزياء، وإلى معهد كارولينسكا المعنيّ باختيار الفائزين في مجال الطب، وأخيرًا إلى البرلمان النرويجي لاختيار الفائز بجائزة السلام العالمي. تقول هارييت زوكرمان، الأستاذة الفخرية لعلم الاجتماع في جامعة كولومبيا، ومؤلفة كتاب النخبة العلمية الذي يعتبر تاريخ جوائز نوبل: «من الواضح جدًا أن اللجنة تجري بحثًا دقيقًا، وأنهم يحصلون على قدر هائل من المعلومات من أولئك الذي تقدّموا بالترشيح».

يعطي هذا النظام اللجنة إحساسًا قويًا بما يفكّر فيه المجتمع العلميّ، جنبًا إلى جنب مع عامل آخر يتلخّص في السماح لأعضاء اللجنة أن يتحلّوا بالصدق المطلق الذي يجب أن يكونوا عليه، وذلك فيما يتعلّق بمعايير اختيار المرشحين. وبحسب آغنيت والين ليفيفيتز رئيسة تحرير الموقع الرسمي لجائزة نوبل Nobelprize.org: «إن تقييمات اللجنة سرّية للغاية وظلّت على هذا النحو منذ 50 عامًا، لذا بإمكان اللجنة أيضًا كتابة ما يعتقدونه حقًا دون أن يعلم به أحد».

نوبل عبر التاريخ

منذ بدايتها عام 1901، مرّت سنوات لم تُمنح فيها جوائز نوبل، وبلغ عددها الإجمالي 49 مرّة، ومعظمها خلال الحرب العالمية الأولى (1914-1918) والثانية (1939-1945). فأين تذهب أموال تلك الجوائز؟

 ينص النظام الأساسي لمؤسسة نوبة على أنه إذا لم يتبيّن أهميّة أيٍ من الأعمال التي يتم النظر فيها، تُحجز أموال الجائزة حتى العام التالي، وإن لم تُمنح الجائزة حتى ذلك الوقت، يُضاف مبلغ الجائزة إلى الأموال المقيّدة للمؤسسة.

فيما يلي السنوات التي لم تُمنح فيها جوائز نوبل:

  • الفيزياء: 1916، 1931، 1934، 1940، 1941، 1942.
  • الكيمياء: 1916، 1917، 1919، 1924، 1933، 1940، 1941، 1942.
  • الفيزيولوجيا أو الطب: 1915، 1916، 1917، 1918، 1921، 1925، 1940، 1941، 1942.
  • الأدب: 1914، 1918، 1935، 1940، 1941، 1942، 1943.
  • السلام: 1914، 1915، 1916، 1918، 1923، 1924، 1928، 1932، 1939، 1940، 1941، 1942، 1943، 1948، 1955، 1956، 1966، 1967، 1972.

أسماء لمعت في سماء نوبل

مُنحت جائزة نوبل 615 مرّة منذ تأسيسها عام 1901، وحتى 2022، وتوزّع على 989 شخصًا ومنظمة. وكانت حصّة النساء منها 60 جائزة.

  • عام 1901: حصل فيلهلم كونراد رونتغن على أول جائزة نوبل في الفيزياء لاكتشافه للأشعة السينية.
  • 1903: أصبحت ماري كوري أول امرأة حائزة على جائزة نوبل في الفيزياء عندما تم تعيينها الفائزة المشتركة في أبحاثها في النشاط الإشعاعي. وفي سنة 1911 حصلت أيضًا على جائزة في الكيمياء لعزل ودراسة العنصر الجديد الراديوم.
  • 1905: أصبحت البارونة النمساوية والمؤلفة بيرثا فون سوتنر أول امرأة تفوز بجائزة نوبل للسلام، اعترافًا بعملها مع الحركات السلمية في ألمانيا والنمسا. كما كان ينظر إليها على نطاق واسع باعتبارها ملهمة لألفريد نوبل، الذي تراءت معه، لإنشاء جائزة السلام.
  • 1914-1918: أدت الحرب العالمية الأولى إلى منح عدد أقل من جوائز نوبل. وخلال هذه الفترة، لم تمنح سوى جائزة سلام واحدة، إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر، “عن الجهود المبذولة لرعاية الجنود وأسرى الحرب الجرحى وأسرهم”، في عام 1917. كما منحت لجنة الصليب الأحمر الدولية جائزة نوبل للسلام في عامي 1944 و 1963، في المرة الثالثة بالاشتراك مع رابطة جمعيات الصليب الأحمر.
  • 1922: ألبرت آينشتاين يمنح جائزة نوبل في الفيزياء لعام 1921، لخدماته في الفيزياء النظرية، وخاصة لاكتشافه قانون الأثر الكهربي الضوئي.
  • 1939-1945: العديد من جوائز نوبل لا تمنح كالعادة خلال الحرب العالمية الثانية.
  • 1945: ألكسندر فلمنج واحد من ثلاثة فائزين في الفسيولوجيا أو الطب، تقديرًا لاكتشافهم البنسلين، الذي أنقذ ملايين الأرواح في النصف الثاني من القرن العشرين.
  • 1952: جائزة نوبل في الفسيولوجيا أو الطب تمنح لسلمان أبراهام واكسمان، لاكتشافه للستربتومايسين وهو أول مضاد حيوي فعال ضد السل.
  • 1968: جائزة ألفريد نوبل في العلوم الاقتصادية في ذكرى ألفريد نوبل تقدم كجائزة نوبل.
  • 1983: منحت الأمريكية باربرا مكلنتوك جائزة نوبل في الفسيولوجيا أو الطب لاكتشافها عناصر جينية متنقلة.
  • 2010: روبرت ج. إدواردز من المملكة المتحدة يمنح جائزة نوبل في الفسيولوجيا أو الطب لتطوير التخصيب في المختبر.
  • 2018: لم تمنح جائزة نوبل في الأدب. وذكرت الأكاديمية السويدية، في خضم الأزمة، أن تضاؤل عدد أعضائها النشطين وانخفاض ثقة الجمهور هما سببان لعدم منح جائزة في ذلك العام. وبدلًا من ذلك أعلنت الأكاديمية عن جائزة نوبل في الأدب لعام 2018 أولغا توكارتشوك.
  • 2019: منحت جائزة نوبل للسلام لرئيس الوزراء الأثيوبي آبي أحمد علي لجهوده في حل النزاعات الحدودية بين إثيوبيا وإريتريا البلد المجاور. وكان الهدف من الجائزة أيضا الاعتراف بجميع أصحاب المصلحة العاملين من أجل السلام والمصالحة في إثيوبيا وفي منطقتي شرق وشمال شرق أفريقيا.
    ومن بين الحاصلين على جائزة نوبل الأخرى مارتن لوثر كنج (1964)، والأم تيريزا (1979)، وباراك أوباما (2009).

المصادر:

نريد أن نعيد لمنطقتنا مجدها السابق.أتريد ذلك أيضاً؟

خلال العصر الذهبي، ساهمت منطقتنا ببعض أكبر الاختراعات والعجائب العلمية في العالم الحديث. نحن نعيد إيقاد روح المعرفة والمجد والأمل التي ألهمت المنطقة خلال هذه الفترة، ونحن بحاجة إليك.

انضم إلينا