تاريخ البشر حافل بحوادث القتل المتنوعة، مع ذلك، قد يظن البعض أن قصص القتلة والسفاحين حكر على التلفاز ولا تعدو كونها مادة للتسلية والإثارة، إلّا أن الحقيقة أكثر سوداوية من هذا، فقسم كبير من هذه العروض والأفلام التي تصلنا مستمد من قصص حقيقية، أو على أقل تقدير أحداث من الممكن لها أن تحدث على أرض الواقع، فتاريخ البشر مرتبط ارتباطًا وثيقًا بتاريخ الشر، والقتلة المتسلسلون أقرب إلى الواقع مما نظن.
اهتم العلماء والمحللون النفسيون كثيرًا بمعرفة ومحاولة فهم الأسباب والدوافع التي تجعل شخصًا يقتل شخصًا آخر، أو يقتل أشخاصًا عدة لفهم الأنماط التي قد تؤدي لتوليد سلوكيات إجرامية وتجنبها لخلق مجتمع أفضل.
ومن أكثر القتلة المتسلسلين الذين حظوا باهتمام وتحليل مكثف، وتناولتها وسائل الإعلام من خلال أفلام ووثائقيات وتقارير، محاولين فكّ غموض ورعب جرائمهم، القاتل الشاب جيفري دامر.
من هو جيفري دامر:
قاتل متسلسل أميركي ولد عام 1960، كان يقتل الذكور الشباب اليافعين وخاصّة الذين ينتمون لأقليات جنسية أو عرقيّة. تفرّد بأسلوبه الوحشي إذ كان يخدر ضحاياه ويقوم بخنقهم أو تقطيعهم وحتّى أكل أجزاء منهم، كما كان يحتفظ بأجزاء منهم في ثلاجته للذكرى. كانت هواية دامر في طفولته طفل تشريح الحيوانات الميتة نتيجة حوادث على الطرقات وفتح أجسادهم لتتعرف على أشكالهم من الداخل. كانت طفولة دامر مضطربة، إذ كانت علاقته بوالده مضطربة وكان مدمنًا على الكحول ثم أجبر على الالتحاق بالجيش ولم يلبث أن طُرد لإدمانه. توفي جيفري في 28 نوفمبر 1994 في سجن كولومبيا الإصلاحي بعد أن ضربه زميله في الزنزانة، كريستوفر سكارفر، بقضيب من الحديد حتى الموت.
جرائم دامر:
ما عُرف عن دامر أنه قتل سبعة عشر شخصًا، فأول ضحاياه كان شابًّا في الثامنة عشرة من عمره، انجذب له دامر وحاول إغواءه لممارسة الجنس، فاقتاده لمنزله وقتله، ثم فصل أعضاء الجثة وهرس عظامها ونثرها في حديقة منزل طفولته. كان دامر يستهدف المثليين وذوي البشرة السوداء ويقوم بإغوائهم ودعوهم للشرب في منزله، أو يتصيد ضحاياه في النواد الليلية ويغريهم بالمال ليرافقوه إلى منزل جدته حيث قتل العديد منهم في قبو منزلها.
كان دامر يغتصب أجساد ضحاياه الذين ينجذب إليهم سواء كانوا أحياء أو أموات وقد مارس دامر أكل لحوم البشر لأول مرة على ضحيته الثامنة أرنيست ماركيز، كما مارس دامر العديد من طرق القتل المبتكرة والسادية كثقب جمجمة أحد ضحاياه وحقنها بالهيدروكلوريك المذيب.
وقد كانت جريمته الثالثة عشر من أكثر جرائمه شناعة وإثارة للجدل، بسبب ردة فعل الشرطة وعجزها عن التدخل، وإهمالها الشديد، فجريمته هذه طالت طفلًا مهاجرًا يبلغ من العمر 14عامًا إذ اختطفه وحقن رأسه بالهيدروكلوريك. المفاجأة كانت في يقظة الطفل ومغادرته لشقة جيفري بعد خروجه منها، ليسقط أمام المبنى غير واع لتجده ثلاثة نساء حاولن إنقاذه واتصلن بالشرطة. عاد دامر بعدها ووجد النسوة ومعهن الشرطة والطفل الغائب عن الوعي، ادعي دامر أن الطفل ليس بقاصر وأنه يبلغ من العمر 18 عامًا وأنه حبيبه الذي يعيش معه وتحت ذهول النسوة سمحت الشرطة لدامر بأخذ الطفل والعودة به لشقته ليقوم بتقطيعه لاحقا.
دوافع القتلة المتسلسلين:
القاتل المتسلسل تعريفًا هو من يقتل أكثر من ثلاثة أشخاص وسطيًّا، كما يختلف لقب القاتل المتسلسل عن مفهوم القاتل الجماعي mass murderer، أو السفّاح أو القاتل المرحلي على الرغم من أنه قد يكون هناك تداخل مفاهيمي بين القتلة المتسلسلين والقتلة المرحليين.
كما تختلف دوافع القتلة المتسلسلين وتصنف عادة في أربع خانات هي: دوافع نابعة من تهيؤات، دوافع مستمدة من غاية أو هدف، دوافع مرتبطة باللذة، والدوافع المرتبطة بالقوة.
الدوافع النابعة من التهيؤات
غالبًا ما يعاني القاتل المتسلسل من عرض نفسي يجعله ينفصل عن الواقع، فيشعر أحيانًا أنه إنسان آخر، أو أنه مرغم على القتل من قبل كيان أعلى كإله أو شيطان، وهما أشهر كينونتان قد يُهيأ للأشخاص أنهما يأمرانه بالقتل. كما قد يتخيل القاتل أنه يقدم قرابين لكيانات خفية لتحمي العالم من مصائب أكبر وبهذا فقد يكون القاتل المتسلسل بنظر نفسه بطلًا.
دوافع مستمدة من غاية أكبر
يستمد القتلة دوافعهم في هذه الحالة من اعتقادهم أنهم ينقذون العالم أو يخلصون العالم من شرور معيّنة، كأشخاص غير مرغوب فيهم كالمشردين أو المثليين أو المهاجرين، أو مدمني المخدرات والأقليّات، ويرون أنفسهم كمحدثي تغيير في المجتمع، ومحسنين له، بالرغم من كونهم غير مرضى نفسيين أو ذهانيين.
دوافع مرتبطة باللذة:
هذا النوع من القتلة المتسلسلين يطمح لتحقيق الإثارة وشعور طاغٍ بالمتعة، وهناك ثلاث أنواع من مشاعر اللذة مرتبطة بالقتلة المتسلسلين هي:
- الشهوة: حيث أن الجنس أحد الدوافع الأساسية للقتلة المتسلسلين، سواء كان ضحاياهم أحياء أم أموات، فالتخيلات والممارسات التي تتضمن السيطرة التامة والإيلام وفي النهاية الموت جزء مهم من هذا الدافع.
- الإثارة: حيث يهدف القاتل لأن يحرّض الخوف والرعب في ضحاياه الأمر الذي يولد لديه شعورًا بالإثارة، فقاتلوا الإثارة يقتلون من أجل القتل وحسب، كما قد يسعون جاهدين لخلق جريمة مثاليّة مما يعزز شعور الإثارة لديهم.
- الرخاء والراحة: حيث يسعى هذا النوع لتحقيق نفع مادي وراحة مستقبلية من خلال القتل، وعادة ما يقتلون بطرق رحيمة أو لا تثير الشبهات.
الدوافع المرتبطة بالقوة
يهدف هذا النوع من القتلة لأن يشعروا بالقوة والتحكم والسيطرة، وغالبًا ما يكونوا أشخاصًا تعرّضوا للأذى والاضطهاد في طفولتهم، فتولدت عندهم نزعة عنيفة وشعور بالحاجة للتعويض عن الضعف الذي عانوه، ومن أشهر الأمثلة على هذا النوع القاتل الشهير تيد باندي.
الدوافع وراء جرائم دامر
جيفري دامر من أكثر القتلة الذين خضعوا لأبحاث وتحقيقات، لذلك فالكثير من المعلومات عُرفت عنه، ومع ذلك، فلم يعرف إن كان يعاني من مرض نفسيّ ما أم لا. لكن ما كان معروفًا أن علاقة والدي دامر كانت مشحونة، فقد شهد دامر الصغير الكثير من الخلافات والمشاحنات والتهديدات لوالدته، ومنذ عمر صغير كان دامر ينجذب للحم والجلد والدم، انجذاب سرعان ما تطوّر إلى هوس في الكِبر. كما من الجدير بالذكر أن والدته كانت تتعاطى مخدراتٍ خلال فترة حملها، وبعد طلاقها من والده، أهملت ابنها تمامًا واهتمت بابنها الآخر، الأمر الذي صدم جيفري الصغير وآذاه نفسيًّا.
التحليلات النفسية لدامر بيّنت أن شخصيته مركبة ومعقدة وتشتمل على مزيج من النزوات والرغبات الجامحة، ومما زاد حيرة المتحرين وتعقيد القضية هو تعاون دامر واعترافه بكل التفاصيل أثناء التحقيق، كما كانت تعليقات دامر التي عبّر فيها أنه احتفظ ببقايا من ضحاياه لأنه أراد منهم أن يبقوا بجانبه ومعه دائمًا، وتناول أجزاءًا من أجسامهم ليصبحوا جزءًا منه من أكثر الأمور إثارة للاهتمام في قضيته، والتي قد تعبر عن نزعات عاطفية مضطربة ومشاكلَ تعّلقٍ مرضيّة.
المصادر: