حتى اليوم، يرفض العديد من الأشخاص تلقي اللقاح المضاد لفايروس كوفيد – 19 بغض النظر عن منشئه، بحجة تأثيره الضار على الصحة البشرية، أو لاحتوائه على شرائح نانوية لزراعتها في جسم الإنسان بهدف تعقبه أو لما له من تأثير ضار على الخصوبة. حتى أن البعض رفض الاقتناع بوجود الفايروس من أساسه، وأرجع السبب الحقيقي للإغلاق وفرض القيود المجتمعية إلى منع الهجرة ووضع نظام مراقبة جماعية على نطاق واسع.

إن رفض اللقاحات وربطها بنظريات المؤامرة ليس بالأمر الجديد، إذ ساهم الإيمان بهذا النوع من النظريات بتفشي عدة أوبئة على مر التاريخ البشري، من بينها الجدري وداء الكلب والحصبة، وتعرض الباحثون والأطباء من مطوري اللقاحات لمضايقات واتهامات واسعة النطاق بالسعي لنشر الأوبئة أو بالمشاركة في إبادة مجموعة بشرية معينة، أو حتى البشرية بأكملها! فما الذي يسهل من انتشار هذا النوع من الافتراضات بين مختلف المجتمعات حول العالم دون تقديم أي نوع من الأدلة عليها؟ ولماذا تبدو مغرية جدًا للكثير من الناس؟

ما هي نظرية المؤامرة ؟ 

يشير مصطلح نظرية المؤامرة إلى تفسير حدث ما غير مألوف أو غير مسبوق بالاستناد إلى مؤامرة لا دليل على وجودها، وبشكل عام تشتمل المؤامرات إما على أفعال غير قانونية، أو مؤذية تقوم بها حكومات الدول لأغراض سياسية أو اقتصادية. لم تنشأ نظريات المؤامرة في القرن العشرين أو في القرن الحادي والعشرين، بل لازمت البشر على مر العصور. مع ذلك، لم يظهر مصطلح «نظرية المؤامرة» بشكله الصريح الحالي إلا في عام 1909 في أحد مقالات صحيفة «أميركان هيستوري ريفيو»، واعتمد بعدها تدريجيًا في عدة معاجم وقواميس.

تقوم نظرية المؤامرة، وفقًا للعالم السياسي مايكل باركون، على ثلاثة مبادئ أساسية هي:

 1- لا شيء يحدث بالصدفة.

2- لا شيء كما يبدو عليه.

3-  كل شيء مرتبط ببعضه.

انتشار الإيمان بنظريات المؤامرة

يقول جو أوسينسكي، مؤلف كتاب نظريات المؤامرة الأمريكية:

«كل شخص منا يؤمن بنظرية واحدة على الأقل أو ربما ببضع نظريات والسبب بسيط، فهناك عدد غير محدود من نظريات المؤامرة، وإذا كنا سنطلع عليها جميعها، فكل واحد منا سيرى نفسه مؤمناً بإحداها».

أظهرت إحصائية أجرتها جامعة كامبريدج إلى أن نصف البريطانيين يؤمنون بنظرية مؤامرة واحدة على الأقل في قائمة تضم خمس نظريات مؤامرة من بينها الإيمان بوجود مجموعة سرية تتحكم بالأحداث العالمية، والإيمان بوجود كائنات فضائية تزور الأرض بشكل متكرر.

أظهرت دراسة أجراها مركز الاتصالات المتعلقة بالتغير المناخي في جامعة جورج ميسون في عام 2019 أن نسبة الأمريكيين المقتنعين بالتغير المناخي لا تتجاوز 69%، فيما يؤمن بقيتهم بأنه مجرد خدعة. 

نظريات المؤامرة المرافقة لانتشار الأوبئة

تخلق الأزمات والكوارث بشكل عام ظروفًا استثنائية على المجتمعات، وغالبًا ما تترافق بانتشار الأفكار الخرافية ونظريات المؤامرة التي يلجأ لها الإنسان للتخلص من القلق والوصول إلى إجابات مريحة للأسئلة الكبرى، وهناك العديد من الأمثلة على ظهور نظريات المؤامرة خلال فترات انتشار الأوبئة على مر التاريخ، منها: 

 1 – في القرن الرابع عشر، الموت الأسود: 

انتشرت الشائعات حول سبب انتشار مرض الطاعون في القرن الرابع عشر في أوروبا كالنار في الهشيم، ووجه العديد أصابع الاتهام لليهود بالتعامل مع الشياطين لتسميم الآبار والسيطرة على العالم. 

2 – في بدايات القرن العشرين، السم الألماني: 

تسببت الإنفلونزا الإسبانية بوفاة ما يقرب من 50 مليون شخصًا في القارة الأوروبية في بداية القرن العشرين. و مع انتشار المرض وزيادة حدته، تبنى الكثيرون نظرية مفادها أن الجيش الألماني طور هذه الفايروس للقضاء على أعدائه.

3 – في منتصف القرن العشرين، خنافس البطاطس:

في عام 1950، كادت خنافس البطاطس أن تقضي على محصول البطاطس في البلاد، فما كان من الماكينة الإعلامية في البلاد إلا أن أعلنته سلاحًا أمريكيًا لتدمير الشرق في محاولة منها لتبرير الإخفاقات الداخلية وصرف الانتباه عنها. 

4 – في نهاية القرن العشرين، فايروس نقص المناعة البشرية المكتسب:

في عام 1983، عمل جهاز المخابرات السوفيتي السابق على نشر شائعة تطوير الولايات المتحدة الأمريكية لفايروس نقص المناعة المكتسب (الإيدز) لاستعماله كسلاح بيولوجي ضد أعدائها بعد تجريبه على السجناء وأبناء الأقليات. اليوم، ومع عدم وجود أي دليل على صحة هذه الفرضية، ورفضها من قبل علماء البيولوجيا والأطباء في مختلف أنحاء العالم، لا تزال هذه  الفرضية شائعة إلى حد بعيد.

5- في نهاية القرن العشرين، فايروس إيبولا:

انهار الاتحاد السوفياتي منتصف التسعينات القرن العشرين، وزادت قدرات السلطات الصحية في البلاد على السيطرة على فايروس نقص المناعة المكتسب، وانتشر في القارة الأفريقية مرض إيبولا بصورة انفجارية، فما كان من رواد نظريات المؤامرة إلا أن ألقوا اللوم مرة أخرى على المختبرات الأمريكية في تصنيع الفايروس. 

6 – في بداية القرن الواحد والعشرين، فايروس كوفيد 19:

مع انتشار فيروس كورونا، وكما حدث مع انتشار جميع الأوبئة في التاريخ، بدأت الأخبار الزائفة والشائعات تنتشر في مختلف الدول، و كان لشبكة الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي هذه المرة دور كبير في تسهيل انتشار هذه الشائعات. مع تطور حدّة الوباء، وما صاحب ذلك من اعتماد تدابير صارمة على مستوى فرض الحجر الصحي وتقييد حركة التنقل، تصاعدت نظريات المؤامرة، وتنوعت بين رفض التصديق بوجود فايروس كوفيد 19 من الأساس أو الإيمان بتصنيعه داخل المختبرات ونشره لاستهداف مجتمع بذاته. بينما زعمت بعض الجماعات ك «كيو أنون» الأمريكية، أن الهدف من الترويج لمخاطر فيروس كورونا هو «التغطي على الاتجار بالجنس مع الأطفال»، وادعت أن هناك «دولة عميقة» داخل الولايات المتحدة تتحكم في مسار العالم، وتسعى إلى توظيف تكنولوجيا الجيل الخامس للإنترنت في هذا الصدد. 

لماذا يسهل علينا تصديق نظريات المؤامرة؟ 

يعتقد أستاذ الفيزياء النظرية في جامعة مدينة نيويورك، ميشيو كاكو، أنّ الإنسان يملك «جينًا» يرتبط بالإيمان بنظريّات المؤامرة أو بالتفكير السحري بشكل عام، وساعده هذا الجين على النجاة عندما كان لا يزال يعيش في الغابات، كانت الخرافات مخطئة في 90% من الحالات، لكنها لعبت دورًا أساسيًا في إنقاذه الإنسان في 10% منها.
بدوره يميّز الأستاذ باسكال فاغنر إيغر المتخصص بدراسة ظاهرة الإيمان بنظريات المؤامرة أربعة عوامل رئيسية لتفسيرها:

  • العامل الاجتماعي:

 للتفاوت الاجتماعي دور مهم بانتشار ظاهرة الإيمان بنظريات المؤامرة، إذ أظهرت العديد من الدراسات تأثير زيادة حجم الفجوة بين الطبقتين الأكثر غنى والأكثر فقرًا في مجتمع ما، على قابلية الفئات المحرومة للإيمان بنظريات المؤامرة التي غالبًا ما تكون وليدة لأحاديثِ نقمةِ هذه الفئات على الفئات الغنية. 

  • السلوك غير العلمي:

ربط الأستاذ إيغر ميل البشر بشكل عام لتصديق الشائعات ونظريات المؤامرة بالسلوك الساذج وغير العلمي الذي عادة ما يتبعونه في حياتهم، خصوصًا عند تعرضهم لهجوم إرهابي أو جائحة صحية تهدد حياتهم.

  • الإنترنت:

سهل الإنترنت من إمكانية بحث أي شخص عن أي شائعة أو نظرية مؤامرة على الشبكة العنكبوتية، وساهمت في تعريفه على نظريات وشائعات مماثلة انتشرت في الماضي وكان من الصعب جدًا إعادة إحيائها لولا شبكة الانترنت. 

  • انعدام الثقة بوسائل الإعلام:

يزداد إيمان الناس بنظرية المؤامرة مع تراجع ثقتهم بوسائل الإعلام التقليدية والرسمية، فيصبحون مضطرين لاختراع تبريراتهم بأنفسهم.

  • العامل السياسي المتمثل بميل المعارضين لنشر الشائعات المغلوطة ونظريات المؤامرة لتشويه سمعة الحكومة. 

من الممكن أيضًا للانغلاق وتوهم أهمية الذات أن يكون لها دور محوري في تصديق وتبني الشائعات بشكل عام ونظريات المؤامرة بشكل خاص، إذ تخلق المجتمعات التي تتبنى ثقافات تقليدية حواجز بينها وبين المجتمعات الأخرى، فتخلق حولها عالمًا مخيفًا، وتتوهم أن جميع المجتمعات الأخرى تكن لها العداء، ما يجعلها أكثر قابلية للإيمان بحياكة الآخرين للمؤامرات التي تستهدفهم.

تحاول المجتمعات الضعيفة بشكل عام الهروب من شعور الضعف والهامشية الذي يسيطر عليها وتحاول إيجاد وسائل لزيادة شعورها بأهميتها من خلال إيمانها بأن العدو تنبأ بقدراتها وقوتها الخاصة فأصابه الرعب منها لدرجة أنه بدأ بالتآمر عليها. كما تعطي نظريات المؤامرة من يرددها الشعور بالذكاء والتفوق على الآخرين ويصبح جذابًا وملفتًا للنظر بالنسبة للعامة، لاطلاعه على ما لم يتمكن غيره من الاطلاع عليه، وهذا ما دفع العديد من الإعلاميين والمشاهير (بوعي منهم أو بدون وعي) لتبني أوهام نظريات المؤامرة والتأكيد عليها. 

المصادر: 

نريد أن نعيد لمنطقتنا مجدها السابق.أتريد ذلك أيضاً؟

خلال العصر الذهبي، ساهمت منطقتنا ببعض أكبر الاختراعات والعجائب العلمية في العالم الحديث. نحن نعيد إيقاد روح المعرفة والمجد والأمل التي ألهمت المنطقة خلال هذه الفترة، ونحن بحاجة إليك.

انضم إلينا