ما هي النقلات النوعية التي شهدتها المملكة العربية السعودية خلال السنوات العشر الأخيرة في مجالات الحريات الفردية وتعزيز دور المرأة ودعم الفنون ؟
خلال العقد الماضي، مرت المملكة العربية السعودية بسلسلة من التغييرات الجذرية في القانون والمجتمع. بدءًا من السماح للمرأة بقيادة السيارات بعد عقود من المنع، مرورًا بافتتاح دور السينما، وحتى الاستثمار في البنية التحتية الجديدة. اتخذت الدولة خطوات مهمة نحو مزيد من التحرر ورفع القيود. لم يكن لهذه التغييرات تأثير عميق على الحياة اليومية للمواطنين فحسب، بل ساعدت أيضًا في إعادة تشكيل صورة البلاد على الساحة العالمية. فتح إدخال هذه التغييرات الباب لعصر جديد من الفرص والتقدم، لكنه جاء أيضًا بمجموعة من التحديات الخاصة به. في هذه المقالة، سوف نتعمق في التغييرات الليبرالية التي حدثت في القانون والمجتمع السعودي على مدار العقد الماضي، من تمكين المرأة إلى تحرير الاقتصاد، ونستكشف تأثيرها على البلاد وشعبها، وما يعنيه ذلك لمستقبل البلاد.
دور النساء في المجتمع
في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كان دور النساء محصور إلى حد كبير بالأدوار التقليدية، مثل العمل في المنازل وتقديم الرعاية. كما كنّ يخضعن لقواعد لباس صارمة ولم يكن يسمح لهنّ قيادة السيارات. لكن، وخلال السنوات العشر الماضية نفذت الحكومة عددًا من السياسات التي تهدف إلى تشجيع النساء على دخول سوق العمل، وزيادة نشاطهن في المجتمع، والحصول على مزيد من الحقوق، بما في ذلك رفع حظر قيادة النساء في 2018 ما أعطاها حرية أكبر في التنقل وسهل انخراطها في سوق العمل، والسماح للنساء بالسفر إلى الخارج دون إذن ولي الأمر، والحصول على تمثيل أكبر في القوى العاملة ومؤخرًا السماح للمرأة بتنفيذ شعائر الحج من دون محرم. لم يؤد هذا إلى تمكين المرأة في المملكة العربية السعودية فحسب، بل كان له أيضًا تأثير إيجابي على الاقتصاد إذ شاركت العديد من النساء في القوة العاملة وتمكنن من المساهمة في النمو الاقتصادي للبلاد.
علاوة على ذلك، شهدت قواعد اللباس للمرأة تغييرات كبيرة. في الماضي، كان يُطلب من النساء ارتداء العباءات والحجاب، ولم يُسمح لهن بارتداء الألوان الزاهية أو إظهار شعرهن. لكن، في السنوات الأخيرة، خففت الحكومة من هذه القواعد، والآن يُسمح للنساء بارتداء ملابس أكثر حرية، ومن الشائع رؤية النساء يرتدين عباءات ملونة وأكثر ملاءمة، أو حتى بدون الحجاب خصوصًا بعد الحد من صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي كانت تلاحق النساء في الشوارع لإجبارهن على ارتداء العباءات السوداء وتغطية الشعر. وقد أثر ذلك أيضًا على صناعة السياحة، حيث جعل البلاد أكثر جاذبية للسياح.
الفن والسينما
في مجال الفن والسينما، كانت الحكومة السعودية تفرض رقابة شديدة على أي شكل من أشكال الترفيه، لكن، في السنوات الأخيرة، اتخذت الحكومة خطوات لتعزيز قدر أكبر من الحرية الثقافية والفنية داخل البلاد، وشمل ذلك افتتاح متاحف جديدة، وإقامة مهرجانات وفعاليات تحتفي بالثقافة والتاريخ المحليين، وتشجيع الفنانين المحليين. بالإضافة إلى ذلك، رفعت المملكة العربية السعودية في عام 2018 حظر السينما الذي استمر لأكثر من 35 عامًا، وانتشرت الآن عشرات دور السينما التي تعرض أهم الأفلام العالمية في جميع أنحاء البلاد، وهو ما كان له أيضًا تأثير إيجابي على الاقتصاد حيث خلق فرص عمل وجذب المزيد من السياح. انتقلت السعودية خلال سنوات قليلة من بلد بلا سينما إلى بلد يستضيف أحد أهم المهرجانات السينمائية في المنطقة ألا وهو مهرجان البحر الأحمر السينمائي وشعاره «السينما كل شيء». وأصبحت المملكة إلى جانب الفعاليات السينمائية المحلية، ترسل بفنانيها للمشاركة في المهرجانات العربية والعالمية والفعاليات الثقافية ليقدموا لمحة عن الانفتاح الثقافي الذي هو في حقيقة الأمر بعض من تركيبة المجتمع الذي ظل طيلة سنوات منغلقا على ذاته، بعيدًا عن ممارسة أغلب الفنون.
وتفيد إحصائيات بأن قطاع السينما يشهد نموا متصاعدا، فالمملكة تسير في اتجاه دعم الحراك السينمائي وتطوير القطاع وبيئة الإنتاج المحلية. وتنظم الجمعيات السينمائية وشركات الإنتاج مدعومة من هيئة الأفلام (حكومية) ندوات متتالية تدرس فيها حاضر الإنتاج السينمائي ومستقبله، هدفها من ذلك تقديم السينما السعودية كهيئة رائدة وقادمة بقوة في مجال الإنتاج السينمائي، نظير ما تزخر به المملكة من مقومات بشرية وثقافية وفنية، وهو ما يجعلها مركزًا جديدًا وحاضنة لإنتاج الأفلام والسينما في المنطقة.
في المجال الرياضي
في السابق، كان الاستثمار السعودي بالبنية التحتية الرياضية محدودًا إلى حد بعيد، وكانت فرص المواطنين بالالتحاق بالرياضات المختلفة محدودة أيضًا، لكن وفي السنوات الأخيرة، استثمرت الحكومة بكثافة في مرافق رياضية جديدة، مثل الملاعب والصالات الرياضية، واتخذت أيضًا خطوات لتعزيز الرياضة والنشاط البدني بين السكان. كما استضافت الدولة عددًا من الأحداث الرياضية الدولية، مثل Formula E وكأس السوبر الإيطالي وضمت مؤخرًا أشهر لاعب كرة قدم حالي، كريستيانو رونالدو، إلى أحد نواديها في أضخم صفقة انتقال لاعب كرة قدم في التاريخ.
كانت المرأة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، مستعبعدة إلى حد كبير من أي أنشطة رياضية وكانت فرصهن قليلة جدًا للمشاركة. لكن وبعد العمل بخطة رؤية المملكة لعام 2030، اتخذت الحكومة خطوات لتعزيز قدر أكبر من المساواة بين الجنسين في الرياضة وشجعت المزيد من النساء على المشاركة. وشمل ذلك إنشاء برامج رياضية خاصة بالمرأة وتأسيسها.
في طليعة العام 2017 مُنحت المرأة السعودية الحق في تأسيس أندية نسائية وفق الضوابط والشروط المفروضة التي تنص على العناية التامة بكل متطلبات الصحة العامة داخل المركز الرياضي، وفي نوفمبر 2021 أعلن الاتحاد السعودي لكرة القدم عن إطلاق النسخة الأولى من الدوري السعودي لكرة القدم للسيدات، في خطوة تأتي ضمن الخطة الزمنية التي وضعها الاتحاد في إطار برنامج دعم كرة القدم النسائية منذ العام 2017، وأقيمت مبارياته في 3 مدن هي: (الرياض، وجدة، والدمام). كما احترف عدد من السعوديات سباقات السيارات، وتعد ريما الجفالي أول سعودية تنال رخصة قيادة لسباقات السيارات، وقد توّجت بالمركز الثاني في بطولة كأس تي آر دي 86 في أبو ظبي 2018، وذلك عن الفئة الفضية، وحصلت على المركز الرابع في الترتيب العام، إضافة إلى مشاركتها في سباق تحدي إم آر إف للسيارات في الهند، وبطولة الفورمولا 4 في إنجلترا.
مجالات أخرى
خضعت البنية التحتية والهندسة المعمارية أيضًا لتغييرات كبيرة في السنوات الأخيرة. استثمرت الحكومة بكثافة في مشاريع البنية التحتية الجديدة، مثل بناء المطارات الجديدة والطرق السريعة والقطارات عالية السرعة. كما أعلنت الحكومة عن بناء مدينة جديدة (نيوم)، التي ستكون مركزًا للأعمال والتكنولوجيا والابتكار الأمر الذي جذب أيضًا المزيد من السياح والشركات العالمية المتعطشة للاستثمار بالمشاريع المميزة.
في الختام، شهدت المملكة العربية السعودية تغييرات كبيرة في المجتمع والقانون والاقتصاد والبنية التحتية، وكانت هذه التغييرات تهدف إلى تعزيز المزيد من الحرية والتحرر داخل البلاد. تأثرت حقوق المرأة وقواعد اللباس والفن والسينما والبنية التحتية والعمارة والاقتصاد والسياحة وحتى الدور السياسي بشكل إيجابي من هذه التغييرات. أظهر أغلب السعوديين ارتياحًا تجاه هذه التغييرات بعد أربعة عقود من الحكم المتشدد، إلا أن بعض العناصر المتطرفة أظهرت رفضًا لهذه المحاولات الساعية لخلق مجتمع أكثر انفتاحًا خصوصًا مع تعزيزها لتشمل مساواة أكبر للمرأة بالرجل وتخفيف القيود المفروضة على الفعاليات الترفيهية والثقافية وتشجيع المزيد من التسامح الاجتماعي والديني معتبرة إياها تهديدًا للقيم والعادات التقليدية، إلأ أن السياسة السعودية الجديدة ماضية في مشوارها رغم هذه المنغصات، وصولًا إلى تحقيق كافة أهداف رؤية 2030.
المصادر والمراجع:
• “Saudi Arabia’s Vision 2030: Opportunities and Challenges” The Heritage Foundation, 2016.
• A Closer Look at Saudi Arabia’s Vision 2030″ by the Council on Foreign Relations: https://www.cfr.org/backgrounder/closer-look-saudi-arabias-vision-2030
• “The Challenges and Opportunities of Vision 2030” by the Harvard Business Review: https://hbr.org/2016/11/the-challenges-and-opportunities-of-vision-2030
• “Saudi Arabia’s Vision 2030: A Roadmap for the Future” by The Economist: https://www.economist.com/middle-east-and-africa/2016/04/28/saudi-arabias-vision-2030-a-roadmap-for-the-future
• “The Changing Status of Women in Saudi Arabia” by the Gulf Cooperation Council: https://www.gcc-sg.org/the-changing-status-of-women-in-saudi-arabia/
• “Women in Saudi Arabia: breaking down barriers” by the World Economic Forum: https://www.weforum.org/agenda/2019/06/women-in-saudi-arabia-breaking-down-barriers/