مالانجا فاتسيايانا، فيلسوف هندي لمع اسمه في الهند في القرون الأولى بعد الميلاد، إذ آمن بفكرة أنه حتى تعيش العائلة حياة مستقرة وتبلغ الروحانية؛ لا بُدّ وأن تنعَمَ بحياة جنسية ممتعة، وانطلق بدءًا من هذه الفكرة في تأليف كتابه الـ « كاماسوترا Kamasastra» الذي يجمع الممارسات الجنسية لدى الإنسان. اعتُبرت فصول الكتاب أولى المستندات البشرية للسلوك الجنسي، التي توجز مفهوم إذا ما كان الإنسان متمتعًا بحياته الجنسية، سينعكس ذلك على حياته بشكل عام، وبالتالي ستكون مستقرّة وسعيدة.

كاماسوترا (فن الحب عند الهندوس)

يتألف اسم الكتاب ( كاماسوترا) من مقطعين من اللغة السنسكريتية وهما «كما» و «سوترا»، وبرغم تعدد المعاني تبعًا للتقاليد التي تستخدمهما، إلا أنهما يحملان المعنى العام ذاته.

فكلمة «كما» تبعًا للتقاليد الهندوسية، هي واحدة من المفاهيم الأربعة التي تتحد سويًا لتُشكّل سعي الإنسان أو Puruṣārtha، وتمثّل مفهوم الشهوة. تلك المفاهيم ما هي إلا الأهداف الرئيسية لحياة الإنسان، والتي تنصّ على أن لكل إنسان أربعة من الأهداف المناسبة والضرورية والكافية لحياة سعيدة ومرضية، وتتمثل هذه الأهداف بِ:

  • دارما Dharma: وهي مفهوم العيش الفاضل، المناسب، والأخلاقي.
  • آرثا Artha: وهي مفهوم الرخاء المادي، وتأمين الدخل، وسبل العيش.
  • كما Kama: وهي مفهوم المتعة، والشهوانية، والإنجاز العاطفي.
  • موكشا Moksha: وهو مفهوم التحرر وتحقيق الذات، ويُعد المفهوم المركزي والهدف الأسمى للحياة البشرية ويشمل الأهداف الثلاث السابقة.

أما كلمة «سوترا» تعني السلسلة أو الخيط الذي يربط بين ما تحويه مختلف التقاليد، إذ تعتبرها التقاليد الهندوسية نوعًا مميّزًا من التكوين الأدبي الذي يربط بين مجموعة من العبارات المأثورة القصيرة لتشكّل دليلًا مكونًا من سلسلة متكاملة من الأفكار. وبالتالي يُشكّل اتحاد الكلمتين سويًا «الكاماسوترا». 

ينظر البعض إلى «كاماسوترا» على أنه كتاب فنيّ بحت، أو كتاب في فن الحب، كونه يدخل في بحث موضوع اللذة التي تُسببها الوضعيات الغرامية أثناء العملية الجنسية، وصُنِّف بأنه جمع قواعد العملية الجنسية، وأحصى التعابير الغرامية، على شكل دليل ليُلبي حاجة الإنسان في فن المعاشرة الجنسية، ويُشبع رغبته لأقصى حد. ليكون بذلك كتاب الكاماسوترا أول دليل للسلوك الجنسي الذي شهدته البشرية، بلغة وثقافة سنسكريتية.

لكن ما الذي يجعلنا نتقيّد بتعليمات هذا الكتاب؟ هل نحن بحاجة فعلية لدليل وقوانين تحكم علاقاتنا الجنسية؟

بالتأكيد لا، قد يحوي كتاب الكاماسوترا على العديد من الحقائق والأمور التي تفيد الحياة الجنسية السعيدة، إلا أن الأزواج أحرار بإشعال جذوة الحب، والاستمتاع بها كيفما شاؤوا، ولم يكن فاتسيايانا ليعمل على تقييدها بأي شكل من الأشكال، وإنما سعى إلى سَلسَلتِها ضمن دليل ليُساعد على إشباع الرغبة لدى الجميع، حتى القرّاء منهم.

هل كاماسوترا كتاب فنيّ في الحب، أم كتاب مقدّس جنسيّ بحت؟

يُعد النشاط الجنسي من العوامل الأساسية في حياة الإنسان، بل هو جوهر الإنجاب واستمرارية الحياة، ولهذا فهو أحد أركان النظام القائم في الكون، وإن لم يكن هذا النشاط كافيًا للوصول للمعرفة أو لبلوغ الروحانية، فهو ضروريّ للانسجام الشخصي والكونيّ.

لا يرى المذهب الهندي الجسد والروح كما تراه الفلسفات الغربية والأديان، وإنما يعتقد بوجود امتداد، وصلة وثيقة بين الجسد والروح والنظام الكونيّ، وإن الوسيلة للاشتراك بهذا النظام تكون بالأعمال الجنسية وبخاصة الزواج، وبذلك يتم الإسهام بما يسمّى الارتقاء للوصول إلى المعرفة وبلوغ الروحانية في نهاية المطاف.

يحوي الكتاب بعضًا من العبارات التي تمت صياغتها على شكل أقوال قصيرة مأثورة كهذه:

  • «عندما يسير الرجل بحجة من الحجج أمام المرأة أو إلى جانبها ويلامس جسمه جسمها، فإن ذلك يسمّى الضمّة باللمس».
  • «عندما تلتقي شفاه العاشقين مباشرة فإن ذلك يسمى القبلة المباشرة».

ويحوي أيضًا عناوينًا مثل الضمّة التي تشمل طرق التقبيل، والمضاجعة، وأنواع الجماع، فضلًا عن كيفية ابتداء الجِماع واختتامه، والكثير من الحالات الخاصة والدقيقة التي يمكن حصولها عن التقاء الرجل بالمرأة، كالمداعبة والمعانقة، وحتى الصِراع، والابتعاد عن بعضهما، كل ذلك يُضفي على الكتاب صفات قد تبدو بدون أدنى شك مُضلِلة لمن يجهل الكتاب، أو لمن قرأه بشكل سطحي، ويظن ظاهريًا بأنه كتاب مختص بالجنس فقط.

في الحقيقة يجب ألّا يُساء فهم كتاب الكاماسوترا، وألّا يُعتبر بحثًا مُفسدًا، لأن ما يعرضه هو طريقة انسجامية في المجتمع، والحياة والكون، طريقة تنبثق من الجسد، وتنتهي ما وراء الطبيعة، وإذا لم يصل القارئ لهذا الشعور، حينها يكون قد ضل الطريق ويفقد الكتاب جوهره الذي يريد المؤلف إيصاله.

يحوي الكاماسوترا بين طيّاته سبعًا من الفصول، وما يشكّل الجنس إلا فصلًا واحدًا فقط. لذا فهو كتاب موضوعه الحب، وللفن فيه هدف جنسيّ للوصول إلى اللذة الشخصية، التي تهتم بها الكاماسوترا فقط بالقدر الذي يؤثر على مجرى الحياة.

تتوزّع فصول كتاب الكاماسوترا الستة الباقية لتبحث مواضيع مختلفة ولتشرح العلوم والآداب التي تشكّل فنون الكاماسوترا، والواجب دراستها، كالغناء والرقص، والعزف، والرسم، والطبخ، وصناعة العطور، ونظم الشعر وغيرعا الكثير، جنبًا إلى جنب مع البحث في المفاهيم الدينية الهندوسية التي سبق وذكرناها (دارما، آرثا، كاما، وموكشا)، والتي يحض الهندوس على اكتسابها.

ويبحث أيضًا في الزواج، وبخاصة كيف تُخلق الثقة في نفس الفتيات المُقبِلن على الزواج، وفي طرق المغازلة، والأخطاء التي يقع فيها كلًا من الرجال والنساء، كل ذلك في فصل حمل عنوان «إحراز الزوجة». بالإضافة إلى الفصل الذي تفرّد بالحديث عن حياة الزوجة وسلوكياتها أثناء غياب الزوج، والمعنوَن «عن الزوجة» الذي شرح كيف يجب أن تكون معاملة الرجل في حال تعدد زوجاته.

توسّع كتاب الكاماسوترا في فصلَيه الأخيرين عن «زوجات الرجال الآخرين»، الذي عدد فيه ميّزات كل من الرجال والنساء المتزوجين، ويشرح كيفية إقامة علاقة، مع المرأة المتزوّجة، ويفسّر كيف يسعى ذوي السلطة إلى حبّ زوجات الآخرين، كما تحدّث عن بائعات الهوى، والذي أطلق عليهن اسم «النديمات»، وعرض الأسباب التي تدفع النديمة لتلجأ للرجال، وكيف بإمكانها العيش في منزل الرجل كزوجة، وكيف تحصل على المال منه.

أما في الفصل الأخير من الكتاب تحت عنوان «حول وسائل اجتذاب الآخرين»، لخّص فيه كيفية إخضاع القلوب، وكيفية تهييج الرغبة الجنسية عند المرأة، وما هي الخلطات الطبيّة والعقاقير التي من شأنها زيادة الرغبة الجنسية.

ختامًا

الجنس عند الهندوس، كما ذُكر في كتاب الكاماسوترا: «لا يعتبر فضيلة ولا رذيلة، فهو في بعض المناسبات يمكن أن يكون سبيًلا للسموّ الروحيّ، المؤدي لتجربة الإتحاد مع الإله، لكنه يمكن أن يكون مليئًا بالإثم واللعنة إذا ما أوشك أن يُصبح فكرة تسيطر على العقل، وهو آنذاك يستطيع أن يطمس العلاقة بيننا وبين الإله».

يرى من يقرأ الكاماسوترا أن الكتاب قدّم منذ وصوله للغرب وصدور طبعته الأولى، خلاصة فلسفة الحب عند الهندوس، في بنيان شامخ يقوم على أساس متين من الفلسفة الدينية الهندوسية، فقد استقبلته كبرى الصحف مثل (صاندي بكتوريال)، والملحق الأدبي لصحيفة التايمز استقبالًا حافلًا كونه خلاصة ما تعلّمه الشرق خلال القرون الأولى في أمور عدّة أهمها فن الحب. كان وضع العديد من الأزواج حول العالم أفضل حالًا لو أنهم تعلموا بعضًا من مفاهيم الكاماسوترا، فالجهل المسيطر على المواضيع المتعلقة بالجنس في الكثير من المجتمعات حول العالم أدى مع الأسف لتحطيم الكثير من العلاقات.

———————- 

المصادر:

نريد أن نعيد لمنطقتنا مجدها السابق.أتريد ذلك أيضاً؟

خلال العصر الذهبي، ساهمت منطقتنا ببعض أكبر الاختراعات والعجائب العلمية في العالم الحديث. نحن نعيد إيقاد روح المعرفة والمجد والأمل التي ألهمت المنطقة خلال هذه الفترة، ونحن بحاجة إليك.

انضم إلينا