عادة ما تحدث  ظاهرة الفقاعات الاقتصادية، عندما تتفاقم المضاربات العشوائية على أسعار سلعة ما، الأمر الذي يؤدي إلى صعود صاروخي، وغير منطقي في أسعارها، بحيث تصبح هناك فجوة كبيرة بين سعرها الواقعي التي تستحقه، وبين أسعارها الخيالية الجديدة والمتغيرة لحظيًا. لكن عاجلًا كان أو آجلًا، سرعان ما تصل الفجوة لمرحلة الانفجار السعري، ويحدث ما لا يُحمد عُقباه؛ تهاوٍ في القمية السوقية للسلعة، وانهيار كل ما يرتبط فيها من استثمارات بشكل مباشرة أو غير مباشر!

كثيرًا ما تسبب الفقاعات الاقتصادية بإلحاق الضرر في مدخرات البسطاء الفقراء، الباحثين عن الربح السريع، وقد يكون معظمهم جديدًا على هذه المجالات، والتي تصبح في كثير من الأحيان بمثابة صرعة استثمارية كالأسهم، والعقارات والذهب.

تحدّث خبراء في هذا المجال عن وجود مراحل عامة، عادة ما تمرّ بها أغلب الفقاعات الاقتصادية أو المالية وهي:

  • مرحلة التحوّل: يُفتن الناس خلال هذه المرحلة عادةً بنموذج استثماريّ، كالأسهم ،أو العقارات، أو المشاريع، أو حتى تجارة بعينها.
  • مرحلة الطفرة: تجتذب تلك السلع الاستثمارية خلال هذه المرحلة الأضواء الإعلامية، ويؤدي خشية الناس من ضياع فرصة العمر؛ إلى زيادة المضاربات في هذه السلع.
  • مرحلة النشوة: نجد فيها مرحلة قفز أسعار السلعة بشكل جنوني، وتصل لمستويات خيالية نتيجة تفاقم المضاربات العشوائية على سعرها.
  • مرحلة جني الأرباح: عادة ما يَعمد المستثمرون الأذكياء في هذه المرحلة، إلى بيع ما يملكونه من تلك السِلع، وجني أرباح طائلة منها، فهناك المزيد والمزيد من البسطاء المُقبلين على شرائها. وقد يدفعهم بذلك جشع بالاعتقاد أن شخصًا ما سيدفع مقابل شيء ما أكثر مما دفعوه لأنفسهم، مصحوبًا بمشاعر قوية بين القلق، والنشوة «نجاح باهر، سيكون هذا الاستثمار مربحًا للغاية، دعنا نشتري المزيد».
  • مرحلة الذعر والانهيار: يكتشف الجميع في هذه المرحلة بأن الأسعار وصلت لمستويات مبالغ فيها، فيبدأون في البيع بشكل مذعور، ويدخل المشترون في حالة إنكار عندما تبدأ الأسعار في الانخفاض «هذا مجرد انعكاس مؤقت، استثماري طويل الأجل»، لكن سرعان ما يؤثر على سعرها سلبًا وتبدأ قيمتها في التداعي والسقوط المدوّي كأحجار الدومينو، مما يؤدي في النهاية إلى حدوث إنهيار.

تسبب الفقاعات الاقتصادية في اندلاع أزمات مالية عالمية كبيرة، ولربما قد سمعتم بأشهرها كأزمة الكساد الكبيرة التي أطاحت بالاقتصاد العالمي خلال العشرينيات والثلاثينيات من القرن المنصرم، فضلًا عن الأزمة المالية العالمية التي هزّت العالم عام 2008، جرّاء فقاعة القروض العقارية في الولايات المتحدة.

لكن بالعودة إلى القرون الماضية، نجد لتلك الفقاعات تاريخًا حافلًا، سنذكر منها:

جنون التوليب في القرن السابع عشر (1634-1638) – Tulip mania

كثيرون قد يُبهرهم جمال زهرة التوليب، لكن ربما لا يعرف معظمهم أن تلك الزهرة على وجه الخصوص قد تسببت يومًا في واحدة من أكبر وأشهر الفقاعات الاقتصادية والمالية في التاريخ العالمي، بل وبشكل أفضى لإفلاس آلاف الاشخاص في أوروبا خلال الثلث الأول من القرن السابع عشر.

شهدت تلك المرحلة في هولندا ازدهارًا اقتصاديًا، سجّلت فيه البلاد أعلى مستوى دخل عالمي للفرد، الأمر الذي ساعد العديد من الناس على تحقيق الثروة والازدهار، والذي أفضى بدوره ليدفع سوق السِلع الكمالية للازدهار بنفس المستوى.

أصبح شراء وبيع تلك الزهرة خلال تلك الحقبة الزمنية بمثابة صرعة استثمارية كبيرة، تهافت الناس فيها لشراء أكبر كميات من أبصال تلك النبتة، وتخزينها، فأدى العرض المحدود لها والرغبة في شرائها إلى قفز سعرها بشكل جنوني، لتبلغ مستويات خيالية، وصل الأمر آنذاك إلى إمكانية أن يُقايض الناس ممتلكاتهم من أراضٍ وبيوت مقابل تلك الزهرة. لكن سرعان ما صحى المضاربون على أسعار زهرة التوليب، وإلى المستويات المبالغ فيها التي وصلت إليه، ليشرع الجميع للتخلص منها، مما أدى لانهيار أسعارها، وبالتالي خسارة كثيرين لأموال طائلة.

باختصار كانت واحدة واحدة من أخطر الظواهر التي تُفضي لأزمات اقتصادية كبرى، سواء على مستوى دولة بعينها، أو على مستوى العالم.

فقاعة الميسيسبي (1719-1720) – The Mississippi bubble

نشأت فقاعة المسيسيبي من الوضع الاقتصادي المتردّي في فرنسا أوائل القرن الثامن عشر. بحلول وفاة لويس الرابع عشر عام 1715، كانت خزانة البلاد في حالة يُرثى لها، فضلًا عن التقلّبات الكبيرة في قيمة العملة المعدنية، فلجأ الوصي على العرش الفرنسي في العام التالي إلى طلب المساعدة من مقامر اسكتلندي أُجبر على الهجرة إلى فرنسا يدعى جون لو John Law، الذي اقترح أن يأخذ البنك الملكي الودائع، ويُصدر الأوراق النقدية المستحقة الدفع بقيمة العملة المعدنية في وقت إصدار الأوراق النقدية. ساعدت استراتيجية جون لو الفرنسيين على التحول من العملة المعدنية إلى العملة الورقية، وأسفرت عن فترة من الاستقرار المالي، فضلًا عن زيادة شهرته وقوته.

 أسس Law في أغسطس 1717، شركة Companie des Indes (والمعروفة باسم شركة الميسيسبي)، حيث منحها الوصي العرش الفرنسي حق احتكار حقوق التجارة مع المستعمرات الفرنسية، بما في ذلك ما كان يُعرف آنذاك باسم (لويزيانا الفرنسية). ابتكر Law مخططًا، أدرجت فيه شركة الميسيسبي الدين الوطني الفرنسي وضمّته بأكمله، وأطلقت خطة يتم بموجبها استبدال أجزاء من الدين بأسهم في الشركة. واستنادًا إلى الثروات المتوقّعة من الاحتكار التجاري، وعد جون لو بتحقيق أرباح للمساهمين تصل نسبتها إلى (120%)، وكان هناك ما لا يقل عن 300.000 متقدّم للحصول على 50.000 سهم معروض.

مع تهافت الناس على طلب الأسهم لشرائها، واصل البنك الملكي –الذي كان مملوكًا للحكومة الفرنسية، والمسيطر عليه جون لو فعليًا- في طباعة الأوراق النقدية الورقية، الأمر الذي تسبب في حدوث التضخّم.

 مع حلول عام 1920، انفجرت الفقاعة عندما أدى التهافت على البنك الملكي لاعتراف الحكومة بأن كمية العملة المعدنية في البلاد، لم يكن يساوي تمامًا نصف المبلغ الإجمالي للعملة الورقية المتداولة، لتُصدر بعدها الحكومة مرسومًا من شأنه أن يقلل قيمة أسهم شركة ميسيسبي تدريجيًا، بحيث تصبح تقييمها مع نهاية العام بنصف قيمتها الإسمية. أدى ذلك لحدوث احتجاج شعبيّ كبير، الأمر الذي دفع الحكومة بعد أسبوع واحد فقط لإصدار مرسوم آخر تُعيد فيه الأسهم إلى قيمتها الأصلية. ومع ذلك، توقف البنك الملكي عن الدفع بالعملة النقدية، وعندما أعاد فتح أبوابه واستمر العمل فيه، أصبحت أسهم شركة ميسيسبي عديمة القيمة في نوفمبر من العام نفسه، وجُرّدت الشركة من أصولها المتبقيّة، واضطّر لو إلى الفرار خارج البلاد.

فقاعة بحر الجنوب 1720 – The South Sea bubble

خلال نفس الفترة التي كان فيها المضاربون الفرنسيون يدفعون سعر الأسهم في شركة ميسيسيبي إلى الارتفاع، كان المضاربون الإنجليز يشترون أسهمًا في شركة بحر الجنوب. تأسست شركة بحر الجنوب في عام 1711 من قبل روبرت هارلي Robert Harley، وتم إنشاؤها لتحويل 10 ملايين جنيه إسترليني من ديون الحرب الحكومية -التي تكبدتها خلال حرب الخلافة الإسبانية- إلى أسهمها الخاصة. في المقابل، ستتلقى الشركة مدفوعات فائدة سنوية من الحكومة واحتكار التجارة مع البحار الجنوبية وأمريكا الجنوبية. كانت البورصة ناجحة وعلى الرغم من أن الثروات التجارية المتوقعة لم تتحقق أبدًا، إلا أن الشركة استمرت في العديد من تحويلات الديون الأخرى.

في عام 1720، واقتداءً بمثال جون لو في فرنسا، اقترحت الشركة تولّي كامل الدين الوطني البريطاني. وبمجرد إعلان الخطة على البرلمان، بدأت أسعار أسهم الشركة في الارتفاع، حيث راهن المضاربون على خطة التحويل.

وافق مجلس اللوردات على الخطة في 7 أبريل 1720، بعد رشوة المسؤولين الحكوميين بتخصيصات سرية للأسهم. من أجل جعل الصفقة أكثر جاذبية، قامت الشركة بتضخيم قيمة أسهمها. في 14 أبريل، تم عرض 2 مليون جنيه إسترليني من أسهم شركة South Sea Company للجمهور بسعر 300 جنيه إسترليني للسهم وتم بيع الاكتتاب في غضون ساعة.

قدمت الشركة المزيد من عروض الأسهم، والتي بيعت جميعها، مع المشاركين الذين يمثلون جميع الطبقات الاجتماعية.

أقنعت شركة بحر الجنوب الحكومة بإقرار قانون الفقاعة في يونيو 1720. إذ منع القانون إنشاء شركات جديدة دون إذن حكومي، وسمح للشركات القائمة فقط بتنفيذ تلك الأنشطة المنصوص عليها في مواثيقهم. بلغ سعر مخزون بحر الجنوب ذروته عند 1050 جنيهًا إسترلينيًا في أواخر يونيو من عام 1720، قبل أن يبدأ المخطط في الانهيار. حدث أول انخفاض كبير في السوق في أغسطس، حيث بدأ الأجانب والمستثمرون الآخرون في الإنسحاب من السوق. امتد الائتمان المحلي البريطاني إلى أقصى حدوده وانهارت الخطة أخيرًا في بداية سبتمبر، حيث انخفض السهم بنسبة 75 في المائة في أربعة أسابيع.

اقتصاد الفقاعة الياباني (1984-1989) – The Japanese bubble Economy

كان لدى اليابان واحدة من أعلى معدلات النمو الاقتصادي في العالم منذ الستينيات وحتى الثمانينيات، ففي 1970s، بدأت الحكومة في تحرير الأسواق المالية، مما سمح للبنوك بالبحث بنشاط عن عملاء جدد. خلال منتصف الثمانينيات، اتخذت اليابان نهجًا فضفاضًا للسياسة النقدية، مما تسبب في زيادة المعروض النقدي وانخفاض أسعار الفائدة.

كان الجمع بين هذين الإجراءين مهمًا لخلق فقاعة مضاربة: فمع انخفاض أسعار الفائدة وسهولة الحصول على الائتمان، دخلت جهات فاعلة جديدة الأسواق المالية.

كانت فقاعة سوق الأوراق المالية تُغذى باختراع شركة يابانية، يُعرف باسم zaitech أو (الهندسة المالية)، حيث أصبحت المضاربة جزءًا لا يتجزأ من بيانات أرباح الشركات. بعد الحصول على قروض منخفضة الفائدة، تمكنت الشركات بسهولة من جمع الأموال في الأسواق. بينما كانت هذه الأموال تغذي الاستثمار الرأسمالي في بعض الأحيان، فقد تم إعادة تدويرها في كثير من الأوقات مرة أخرى في أنشطة سوق المضاربة.

مع استمرار ارتفاع مؤشر نيكاي أكثر فأكثر، تمكنت الشركات من الإبلاغ عن أرباح المضاربة كأرباح أعلى. عندئذ يندفع المستثمرون لشراء أسهمهم، مما يؤدي إلى ارتفاع الأرباح وتوفير المزيد من الأموال لعمليات المضاربة التي تقوم بها الشركة.

في نهاية العقد، سيطرت المضاربة على أنشطة بعض الشركات، حيث تشير التقديرات إلى أنه ربما تم الحصول على 50٪ من إجمالي الأرباح المعلن عنها من أكبر الشركات اليابانية من zaitech

كانت المضاربة على الأراضي جزءًا مهمًا آخر من اقتصاد الفقاعة. كانت أسعار الأراضي اليابانية مرتفعة تقليديًا، ويرجع ذلك جزئيًا إلى صغر مساحة الأراضي المتاحة. بسبب قيمتها العالية، تقبل البنوك في كثير من الأحيان الممتلكات كضمان للقروض، وكانت الأرض بمثابة محرك الائتمان للاقتصاد بأكمله. 

بحلول عام 1989، كان المسؤولون اليابانيون قلقين بشأن الارتفاع الصاروخي في قيم مؤشر نيكاي وتقييمات الأراضي. في مايو 1989، شددت السياسة النقدية من خلال رفع أسعار الفائدة، وأمرت برفع آخر في 25 ديسمبر. وبينما وصل مؤشر نيكاي إلى أعلى مستوى له على الإطلاق في 31 ديسمبر، بدأت أسعار الأسهم في الانخفاض في يناير. 

رفعت الحكومة أسعار الفائدة خمس مرات أخرى قبل أغسطس 1990، في محاولة لوقف الارتفاع المستمر في أسعار العقارات. ولكن مع استمرار انخفاض مؤشر نيكاي، اضطر إلى التدخل في محاولة عقيمة لمحاولة إحياء السوق وتجنب الركود. خلال التسعينيات ، شهدت اليابان نموًا أبطأ من أي دولة صناعية كبرى أخرى.

كما رأينا فالأمثلة عن الفقاعات الاقتصادية كثيرة، والتاريخ القديم حافل بها كزهرة التوليب، أما عن حاضرنا، فنرى تهافت الناس إلى سوق العملات الرقمية والمشفرة، رغبة منهم بتحقيق ربح سريع، وشهدنا في الفترات الأخير كيف وصلت أسعار بعضها إلى ذروات عدة، ما لبث حتى هبطت وانتهت معها استثمارات كثير من روّادها. قد يكون هذا السوق يشكّل مستقبلنا فعلًا، لكنه لا يخلو أيضًا من المخاطرة لأنه يعتمد على عشرات العوامل التي يمكن لأي منها أن يتسبب بانهياره بين ليلة وضحاها.

 خلاصة القول

إن أفضل طريقة لمنع حدوث فقاعة اقتصادية تتلخص في الاستثمار الإستراتيجي المنطقي. لسوء الحظ، لا يتصرف البشر دائمًا بشكل معقول. ومع أخذ ذلك في الاعتبار، فمن المحتمل أن تستمر الفقاعات الاقتصادية في الحدوث في المستقبل.

لكن علّنا نُسهم في التنوير، لنا أن نتخيّل كيف خسرت أسواق الأسهم العالمية في العالم خلال شهر واحد فقط إبان أزمة عام 2008، نحو تسعة تريليونات دولار (9,000,000,000,000$)، خلال ذروة مرحلة الهلع التي شكّلت النهاية الدرامية لفقاعة القروض العقارية الأمريكية.

علاء شاهين

——————————–

المصادر

نريد أن نعيد لمنطقتنا مجدها السابق.أتريد ذلك أيضاً؟

خلال العصر الذهبي، ساهمت منطقتنا ببعض أكبر الاختراعات والعجائب العلمية في العالم الحديث. نحن نعيد إيقاد روح المعرفة والمجد والأمل التي ألهمت المنطقة خلال هذه الفترة، ونحن بحاجة إليك.

انضم إلينا