من منّا لم يشاهد مسلسل الجريمة الإسباني «لاكاسا دي بابل» أو لم يسمع به على الأقل! ولربما تعرّف من شاهده على إحدى المتلازمات المتعلقة بالخطف والجريمة والاعتقال، المتلازمة التي تجعل من الجلّاد بطلًا أو شخصيةً مثيرةً للإعجاب، إنها متلازمة ستوكهولم .
متلازمة ستوكهولم هي استجابة نفسية للتعامل مع وضع الأسير أو المساء إليه، إذ يتطور لدى المصاب بها مشاعر إيجابية تجاه آسريه أو المعتدين عليه بمرور الوقت. تتضمن متلازمة ستوكهولم أنواعًا أخرى من الصدمات التي يوجد فيها رابط بين المعتدي والشخص الذي يتعرض للإيذاء.
يعتقد العديد من الأطباء أن المشاعر الإيجابية التي تكنها الضحية تجاه المعتدي هي استجابة نفسية- آلية تأقلم- تستخدمها للنجاة أيام أو أسابيع أو حتى سنوات من الصدمة أو سوء المعاملة.
تشمل الحالات النفسية الأخرى المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالمتلازمة: الترابط المؤلم، والعجز المتعلم، ومتلازمة الشخص المعنّف.
يمكن أن تظهر متلازمة ستوكهولم في هذه المواقف:
العلاقات المؤذية: أظهرت الأبحاث أن الأفراد الذين يتعرضون لسوء المعاملة قد يطورون ارتباطات عاطفية مع المعتدي. يمكن أن يستمر الاعتداء الجنسي والجسدي والعاطفي، وكذلك سفاح القربى، لسنوات. وقد يتطور خلال ذلك مشاعر إيجابية أو تعاطف مع الشخص الذي يسيء المعاملة.
إساءة معاملة الأطفال: قد يحاول الضحايا تجنب إغضاب المعتدي من خلال الامتثال. وقد يظهر المعتدون أيضًا لطفًا يمكن اعتباره شعورًا حقيقيًا. قد يزيد ذلك من إرباك الطفل ويؤدي إلى عدم فهم الطبيعة السلبية لهذه العلاقة.
الاتجار بالجنس: يعتمد الأفراد الذين يجري الاتجار بهم على من يسيئون إليهم في الحصول على الضروريات، مثل الطعام والماء. قد تبدأ الضحية- عندما يقدم المعتدون ذلك- في تطوير مشاعر إيجابية تجاه المعتدي. قد يقاومون أيضًا التعاون مع الشرطة خوفًا من الانتقام أو التفكير في أنه يتعين عليهم حماية المعتدين عليهم لحماية أنفسهم.
التدريب الرياضي: تعد المشاركة في الرياضة طريقة رائعة للأشخاص لبناء المهارات والعلاقات. ولكن لسوء الحظ، قد تكون بعض هذه العلاقات سلبية في نهاية المطاف. إذ يمكن أن تصبح أساليب التدريب القاسية مسيئة. وقد يخبر الرياضي نفسه أن سلوك مدربه هو من أجل مصلحته، ويمكن أن يصبح في النهاية شكلاً من أشكال متلازمة ستوكهولم وفقًا لدراسة أجريت عام 2018.
من أين جاءت تسمية هذه المتلازمة؟
حصلت هذه الحالة على اسمها من حادثة سطو بنك عام 1973 وقعت في ستوكهولم في السويد. وقد أصبح العديد من موظفي البنك المأسورين خلال المواجهة التي استمرت ستة أيام مع الشرطة، متعاطفين مع لصوص البنوك. وبعد إطلاق سراحهم، رفض بعض موظفي البنك الإدلاء بشهادتهم ضد لصوص البنوك في المحكمة، بل وقاموا بجمع الأموال للدفاع عنهم. ذكرت إحدى الرهائن، خلال مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء السويدي أولوف بالمه، أنها تثق تمامًا بخاطفيها لكنها تخشى أن تموت في هجوم للشرطة على المبنى.
طور عالم الجريمة والطبيب النفسي الذي حقق في الحادث مصطلح «متلازمة ستوكهولم» لوصف التقارب الذي أظهره بعض موظفي البنك تجاه لصوص البنوك.
قد يكون المثال الأكثر شهرة على متلازمة ستوكهولم هو ذلك الذي ينطوي على حادثة اختطاف باتي هيرست. ففي عام 1974، وبعد حوالي 10 أسابيع من احتجازها كرهينة من قبل جيش التحرير التكافلي، ساعدت هيرست خاطفيها في سرقة بنك في كاليفورنيا.
حادثة أخرى تذكرنا بالمتلازمة هي أزمة الرهائن في إيران (1979-1981)، وكذلك عملية اختطاف طائرة تي دبليو أي الرحلة 847، التي تبنتها مجموعة أطلقت على نفسها «منظمة المضطهدين في الأرض»، فعلى الرغم من خضوع الركاب لمحنة رهائن استمرت أكثر من أسبوعين، كان البعض متعاطفًا بشكل علني مع مطالب خاطفيهم عند إطلاق سراحهم.
ومن الحوادث الشهيرة أيضًا حادثة ناتاشا كامبوش (1998)، عندما اختطفت ناتاشا البالغة من العمر 10 سنوات ووضعت تحت الأرض في غرفة مظلمة ومعزولة، وقد احتجزها خاطفها وولفغانغ بيكلوبيل لأكثر من 8 سنوات. أظهر لها اللطف خلال تلك الفترة، لكنه ضربها أيضًا وهددها بالقتل. تمكنت ناتاشا من الفرار، وانتحر بويكلوبيل فيما بعد، وقد ذكرت حسابات الأخبار في ذلك الوقت أن ناتاشا «بكت بشدة» بعد وفاته.
يعتقد علماء النفس الذين درسوا المتلازمة أن الرابطة تنشأ في البداية عندما يهدد الآسر حياة الأسير، ويتعمد ذلك، ثم يختار عدم قتل الأسير. يتحول ارتياح الأسير عند زوال التهديد بالقتل إلى مشاعر الامتنان تجاه الآسر لمنحه حياته/ حياتها. كما أثبتت حادثة السطو على بنك ستوكهولم ، فإن الأمر لا يستغرق سوى بضعة أيام حتى يترسخ هذا الفرض، مما يثبت أن رغبة الضحايا في البقاء على قيد الحياة تفوقت على الرغبة في كره الشخص الذي خلق الموقف.
تمثل غريزة البقاء جوهر متلازمة ستوكهولم. يعيش الضحايا في تبعية قسرية ويفسرون أفعال اللطف النادرة أو الصغيرة في خضم الظروف الرهيبة على أنها معاملة جيدة. وغالبًا ما يصبحون متيقظين للغاية لاحتياجات ومطالب آسريهم، مما يخلق روابط نفسية بين سعادة الخاطفين وسعادتهم الخاصة. كما أن المتلازمة لا تتميز بعلاقة إيجابية بين الأسير والآسر فحسب، بل تتميز أيضًا بموقف سلبي من جانب الأسير تجاه السلطات التي تهدد العلاقة بين الأسير والآسر. يكون الموقف السلبي قوياً بشكل خاص عندما لا يكون الرهينة مفيداً للخاطفين إلا كوسيلة ضغط ضد طرف ثالث، كما كان الحال في كثير من الأحيان مع الرهائن السياسيين.
وسع علماء النفس بحلول القرن الحادي والعشرين، فهمهم لمتلازمة ستوكهولم من الرهائن إلى مجموعات أخرى، بما في ذلك ضحايا العنف المنزلي، وأسرى الحرب، والبغايا، والأطفال الذين تعرضوا للإيذاء. لا تُدرج الجمعية الأمريكية للطب النفسي متلازمة ستوكهولم في دليلها التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية.
ما هي أعراض متلازمة ستوكهولم؟
يعاني الأشخاص المصابون بمتلازمة ستوكهولم من:
- مشاعر إيجابية تجاه الخاطفين أو المعتدين.
- التعاطف مع معتقدات آسريهم وسلوكياتهم.
- مشاعر سلبية تجاه الشرطة أو الشخصيات الأخرى في السلطة.
تتشابه الأعراض الأخرى مع اضطراب الكرب ما بعد الصدمة (PTSD) وتشمل:
- لمحات من الماضي.
- الشعور بعدم الثقة أو الغضب أو التوتر أو القلق.
- صعوبة الاسترخاء أو الاستمتاع بالأشياء التي اعتيد الاستمتاع بها سابقًا.
- صعوبة في التركيز.
لا يعرف الباحثون سبب إصابة بعض الأسرى بمتلازمة ستوكهولم وعدم إصابة البعض الآخر. تتكهن بعض النظريات بإمكانية انتقال هذه التقنية من أسلافنا. ففي بدايات الحضارة الإنسانية، كان هناك خطر دائم من الوقوع في الأسر أو خطر القتل من قبل جماعة اجتماعية أخرى، فزادت الصلات مع الخاطفين من فرص البقاء. يعتقد بعض الأطباء النفسيين التطوريين أن تقنية الأجداد هذه هي سمة بشرية طبيعية.
تفيد نظرية أخرى بأن وضع الأسر أو سوء المعاملة مشحون عاطفيًا للغاية. إذ يضبط الناس عندئذ مشاعرهم ويبدأون في التعاطف مع من أساء إليهم عندما يُظهرون بعض اللطف بمرور الوقت. كما يمكن للضحايا من خلال التعاون مع المعتدي وليس محاربته، تأمين سلامتهم. وعندما لا تتأذى الضحية من قبل المعتدي، قد تشعر بالامتنان وحتى تنظر إلى المعتدي على أنه إنساني.
كيف نعالج متلازمة ستوكهولم؟
لا يوجد علاج قياسي للمتلازمة، لعدم اعتبارها اضطراب نفسي حقيقي. ولكن عادة ما يتضمن علاج متلازمة ستوكهولم- على غرار علاج اضطراب الكرب ما بعد الصدمة- الاستشارة النفسية والطبية النفسية (العلاج بالكلام) و/أو الأدوية.
قد يساعد العلاج الضحية على فهم تجربتها، وفهم السلوك الوجداني تجاه الخاطفين على أنها مهارة للبقاء على قيد الحياة. يمكن لعلماء النفس والمعالجين النفسيين تعليم آليات التأقلم الصحية وأدوات الاستجابة للمساعدة على فهم ما حدث، ولماذا حدث، وكيف يمكن المضي قدمًا. يمكن أن تساعد إعادة تحديد المشاعر الإيجابية على فهم أن ما حدث لم يكن خطأ الضحية.
لا تقلقوا! لا يُصاب معظم الأشخاص الذين يتعرضون للإيذاء أو الصدمات أو المواقف الأسيرة بمتلازمة ستوكهولم. متلازمة ستوكهولم هي رد فعل نفسي نادر لموقف أسر أو إساءة. يمكن أن يساعدك العلاج النفسي أنت أو أحد أفراد أسرتك على التعافي والمضي قدمًا في حياتك إذ ما تعرضتم لذلك.