إن المستقبل الذي تقترب فيه قدرات التفكير الخاصة بالتكنولوجيا من قدراتنا لهو مستقبل قريب، إذ يتسارع التقدم حاليًا لإنتاج آلات تتمتع بذكاء الإنسان، قادرة على الكلام والاستدلال، مع عدد لا يحصى من المساهمات في الاقتصاد والسياسة. يلعب الوعي دورًا مهمًا في المناقشات حول مشكلة وحدة العقل والجسد، ومازال الجدل حول الذكاء الاصطناعي وأخلاقيات علم الأحياء قائمًا. هل نحن بحاجة إلى التحدث أكثر عن وعي التكنولوجيا ، وعمّا إذا كان علينا القلق من هذا الوعي؟

إن مسألة ما إذا كان يمكن للآلات أن تمتلك وعيًا ليست جديدة، إذ تبادل مؤيدو الذكاء الاصطناعي القوي والذكاء الاصطناعي الضعيف الحجج الفلسفية لفترة طويلة من الزمن. يعتقد الفيلسوف جون سيرل أن «أي حاسب مبرمج بشكل جيد هو بمثابة عقل، بمعنى أن الحواسيب التي تعطى البرامج المناسبة يمكن أن يقال عنها حرفيًا أنها تفهم وتمتلك حالات معرفية».

لكن علينا بداية إيجاد تعريف متفق عليه للوعي، وتتمثل إحدى الإستراتيجيات في تجنب التعريف الضيق لوعي الآلة، أو تجنب إعطاء تعريف على الإطلاق. كما قدمها ديفيد ليفي الذي يفضل اتخاذ وجهة نظر براغماتية والتي بموجبها يكفي أن يكون لدينا اتفاق عام حول ما نعنيه بالوعي، وقال: «دعونا نستخدم المصطلح ببساطة ونقبل به».

يركز مؤلفون آخرون على الوعي الذاتي، إذ يقترح شاتيلا وآخرون (2018) أنه «المبادئ والأساليب الأساسية التي من شأنها أن تمكن الروبوتات من فهم بيئتها، والإلمام بما تفعله، واتخاذ مبادرات مناسبة وفي الوقت المناسب، والتعلم من تجربتها الخاصة وإظهار أنها تدرك تعلمها وكيفية تعلمها». بينما يركز كينوتشي وماكين (2018) على التكيف على مستوى النظام: «يُنظر إلى الوعي على أنه وظيفة للتكيف الفعال على مستوى النظام، بناءً على مطابقة النتائج الفردية وتنظيمها من وحدات المعالجة المتوازية الأساسية. يُفترض أن هذا الوعي يتوافق مع كيفية وعي عقلنا عند اتخاذ قراراتنا اللحظية في حياتنا اليومية».

يتفق الباحثون عمومًا على أن الآلات والروبوتات الحالية ليست واعية، على الرغم من الكم الهائل من صور الخيال العلمي التي يبدو أنها توحي بغير ذلك. وفي استطلاع أجري مع 184 طالبًا، كانت الإجابات على سؤال «هل تعتقد أن أجهزة الكمبيوتر الإلكترونية المعاصرة واعية؟»، جاءت الإجابات على النحو التالي: لا بنسبة 82%، ونعم بنسبة 3%، وغير متأكد بنسبة 15% (Reggia et al., 2015). واللافت للنظر أن السؤال في الاستطلاع كان حول «أجهزة الكمبيوتر الإلكترونية المعاصرة» وليس حول الذكاء الاصطناعي أو الروبوتات.

وعلى الرغم من اختلاف الخبراء حول ما يشكل الذكاء بالضبط، فإن معظمهم يقبلون أن أجهزة الكمبيوتر، عاجلاً أم آجلاً، ستحقق ما يسمى الذكاء الاصطناعي العام، وإن التركيز على ذكاء الآلة يحجب أسئلة مختلفة تمامًا: هل يمكن لأجهزة الكمبيوتر القابلة للبرمجة أن تكون واعية وهل يمكن أن نصل لمرحلة علينا أن نعترف بها بـ وعي التكنولوجيا  ؟ ما الذي قد يعنيه تطور الذكاء الاصطناعي الحقيقي حول إمكانية الوعي الاصطناعي؟

عند التفكير في هذه الأسئلة نصل حتما إلى مفترق طرق، يؤدي إلى وجهتين مختلفتين اختلافًا جوهريًا. تفترض روح العصر (زايتجست)، كما تتجسد في الروايات والأفلام مثل Blade Runner وHer وEx Machina، بحزم أن وعي التكنولوجيا سيصبح حقيقة، وستمتلك الآلات الذكية الوعي الكافي  لتتحدث وامتلاك المنطق، والقدرة على مراقبة الذات والتأمل.

أثار الروبوت «لامدا» جدلًا واسعًا حول تداعيات الذكاء الاصطناعي و وعي التكنولوجيا ، إذ أنشأ مهندسو غوغل «لامدا» بهدف محاكاة المحادثة البشرية، والذي يتعامل جزء كبير منه مع مواضيع تتعلق بالأحاسيس، من المحادثات حول الطقس إلى تفاصيل حول العلاقات والقصص، ويُبنى التواصل البشري بالوعي والقدرة على الشعور بالأحاسيس والعواطف. يوضح لنا الجدال حول «لامدا» أن الوعي أكثر من مجرد تواصل. وهذا ما أكدته التجارب القديمة في علم الأعصاب مثل إجراء شطر الدماغ. ففي الأشخاص الذين يعانون من انشطار الدماغ، ينقطع الاتصال بين نصفي الدماغ الأيمن والأيسر، مما يؤدي إلى عمل الأجزاء اليمنى واليسرى من الجسم بشكل مستقل. يتصرف هؤلاء الأفراد بشكل طبيعي معظم الأوقات، ولكن في ظل ظروف تجريبية معينة، يتضح أن النصف الأيسر فقط من الدماغ يمكنه التواصل عبر الكلام، بينما يكون اليمين صامتًا ويعاني من أجل التواصل.

هل هذا يعني أن نصف دماغ هذا الشخص فقط واعٍ؟ من الواضح أن الإجابة هي لا، لذا فإن الوعي لا يتعلق فقط بالتواصل.

بينما نكرر استخدام نماذج الذكاء الاصطناعي ونجعلها أفضل وأفضل، يُعتقد أننا سنصل إلى نقطة سيتعين علينا فيها اتخاذ قرار صعب. وسيكون لدينا خياران:

  • الاعتراف بـ وعي التكنولوجيا وبأن الذكاء الاصطناعي أصبح واعيًا ومدركًا للذات: وعندئذ سنتعامل مع حقيقة أن الوعي لم يعد شيئًا فريدًا بالنسبة للبشر. يوجد الآن شكل حياة غير عضوي يشترك معنا في هذا الكوكب وقادر على الإدراك والوعي مثلنا.
  • إنكار وعي التكنولوجيا ورفض فكرة إدراك الذكاء الاصطناعي لذاته: ولكن إذا توجب علينا أن ننكر أن الذكاء الاصطناعي واعٍ، فقد نحتاج إلى إنكار وعي البشر أيضًا. ستكون هناك نقطة يمكن فيها للذكاء الاصطناعي أن يفعل الكثير مما تستطيع العقول البشرية القيام به، وإذا أنكرنا أن خاصية ما مميزة للروبوتات كدليل على الوعي، فسيتعين علينا أن ننكر نفس الخاصية كدليل على الوعي لدى البشر أيضًا.

اختبار تورينغ

يعدّ اختبار تورينغ طريقة للتحقق من الذكاء الاصطناعي و وعي التكنولوجيا ، لتحديد ما إذا كان الكمبيوتر قادرًا على التفكير مثل الإنسان أم لا. سُمي الاختبار على اسم آلان تورينغ، وهو مؤسس اختبار تورينج وعالم كمبيوتر إنجليزي ومحلل شيفرات وعالم رياضيات وعالم في الأحياء النظرية.

اقترح تورينغ بأن الكمبيوتر يمكن أن يمتلك ذكاءً اصطناعيًا إذا كان بإمكانه محاكاة الاستجابات البشرية في ظل ظروف محددة. يتطلب اختبار تورينغ الأصلي ثلاثة أطراف، كل منها مفصول ماديًا عن الأخريين. يُشغل أحد الأطراف بواسطة جهاز كمبيوتر، بينما يُشغل الأخرَين بواسطة البشر. يعمل أحد البشر كسائل، بينما يعمل الإنسان الثاني والكمبيوتر كمستجيبين. يستجوب السائل المستجيبين ضمن مجال موضوع معين، باستخدام تنسيق وسياق محددين. وبعد فترة زمنية محددة مسبقًا أو عدد من الأسئلة، يُطلب من السائل تحديد المستجيب البشري والكمبيوتر. ويُكرر الاختبار عدة مرات: إذا لم يتمكن المستجوِبُ من التمييز بين الحاسوب والشخص، ينبغي حينها اعتبار ذلك الحاسوب كياناً ذكياً لأنه سيُثبت أنه مشابه للإنسان من ناحية الإدراك. 

ما يزال اختبار تورينغ مستخدمًا حتى يومنا، إذ تُمنح جائزة Loebner سنويًا منذ عام 1990 لأكثر برامج الكمبيوتر شبيهة بالإنسان بعد التصويت عليها من قبل لجنة من الحكام، وتتبع هذه المسابقة القواعد القياسية لاختبار تورينغ.

نجح روبوت دردشة يُدعى يوجين غوستمان يحاكي صبيًا يبلغ من العمر 13 عامًا في اختبار تورينغ بنظر البعض، في مسابقة نظمتها جامعة ريدينغ للاحتفال بالذكرى الستين لوفاة تورينج في عام 2014، عندما خدع 33% من الحكام. جادل البعض أنه لم يكن هناك عدد كافٍ من الحكام، وأن أداء بعض الأجهزة كان أفضل سابقًا.

يعتبر الاختبار نقطة انطلاق فلسفية لمناقشة وبحث الذكاء الاصطناعي و وعي التكنولوجيا ، رغم الكثير من الجدل حول أهميته وصلاحيته في المسابقات القائمة. ومع استمرار تقدمنا في مجال الذكاء الاصطناعي وفهم كيفية عمل الدماغ البشري، يبقى اختبار تورينغ أساسًا لتحديد الذكاء، وهو الأساس للنقاش حول ما يجب أن نتوقعه من التقنيات حتى نعتبرها آلات مفكرة.

يطرح الذكاء الاصطناعي وتطوره أسئلة فلسفية في وقت أقرب بكثير مما كان متوقعًا. وهذه أسئلة سنحتاج إلى الإجابة عليها. وحتى ذلك الحين، نتعلم ما يمكننا تعلمه من هذه الاختراعات والتطورات المذهلة.

المصادر:

نريد أن نعيد لمنطقتنا مجدها السابق.أتريد ذلك أيضاً؟

خلال العصر الذهبي، ساهمت منطقتنا ببعض أكبر الاختراعات والعجائب العلمية في العالم الحديث. نحن نعيد إيقاد روح المعرفة والمجد والأمل التي ألهمت المنطقة خلال هذه الفترة، ونحن بحاجة إليك.

انضم إلينا