عند سماع كلمة رحالة عربي، نادرًا ما يتبادر إلى أذهان الكثير منا اسماً غير اسم الرحالة المغربي أبو عبد الله محمد بن عبد ٱللٰه بن محمد اللواتي الطنجي أو المعروف باسم «ابن بطوطة»، إلا أن هناك العشرات من الرحالين العرب الآخرين الذين ساهمت رحلاتهم، في العصر الذهبي للإسلام، برسم خريطة العالم التي نعرفها اليوم.
قبل أن نبدأ بسرد أهم الرحالين العرب، دعونا أولًا نتعرف على دوافع الأشخاص والحكومات للسفر حول العالم واستكشاف مناطق جديدة.
لماذا يسافر الرحالون؟
تتنوع دوافع الرحالين وتختلف من شخص لآخر، فبعضها شخصية بحتة كالبحث عن عمل أو عن فرص أفضل للعيش أو الفرار من كوارث أو أخطار معينة محدقة بالإنسان، أو لاستكشاف الآخر المختلف، وبعضها الآخر لمصلحة الدولة أو الوطن، إذ يقدم الرحالون لرؤساء بلادهم أو للحكام إمبراطوريتهم سجلات مغامراتهم والكثير من الخبرات والدراسات، وأيضا يزودون أفراد أمتهم بالأبحاث الجغرافية والخرائط ووصف الأقاليم وتضاريسها وطبيعة حياة الشعوب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية، ويدونونها في كتب يستفاد منها قادة الدولة في حروب مستقبلية أو في محاولاتهم لتوسعة رقعة دولتهم، أو في سعيهم لتشكيل تحالفات استراتيجية لمجابهة الأعداء.
أهم الرحالين العرب
ابن بطوطة
مع أن ابن بطوطة هو أشهر الرحالين العرب وأكثرهم ذكرًا في مجال الترحال حتى على مستوى العالم، إلا أننا لا نعرف عن شخصيته إلا القليل، إذ لم يرِدنا عنها سوى بضعة سطور في كتاب ابن حجر العسقلاني «الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة»، وفي ولسان الدين بن الخطيب نقلًا عن أبي البركات البربري، حين اختصه بجملة: «هذا رجل له مشاركة يسيرة في الطلب»، وذلك في كتابه «الإحاطة في أخبار غرناطة».
ولد ابن بطوطة (أبو عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي) في 25 فبراير عام 1304، وهو رحالة ومؤرخ وقاضٍ وفقيه مغربي لقب بأمير الرحالين المسلمين، ويعتبر اشهر الرحالين العرب، ومن المعروف أنه جال خلال أسفاره العديد من الأراضي والبلدان في قارتي أوروبا وآسيا وأفريقيا والشرق الأوسط، ويعتبر ابن بطوطة أحد أعظم الرحالين في التاريخ، وزار مايقارب 44 دولة من الدول الحديثة. ألف ابن بطوطة كتاب تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار والمعروف أيضاً باسم رحلة ابن بطوطة، وصف فيه رحلاته وتحدث عن المدن التي زارها وأهلها وحكامها وعلمها وملابسها وأطعمتها وطرق صناعتها، وترجم كتابه هذا إلى العديد من اللغات أهمها الإنجليزية والفرنسية والألمانية والبرتغالية.
الإدريسي
ولد أبو عبد الله محمد بن محمد الإدريسي في عام 1100 ميلادية، ويعد أحد كبار الجغرافيين في التاريخ ومن مؤسسي علم الجغرافيا الحديثة وأحد أهم الرحالين العرب . إضافة إلى الجغرافية، كتب الإدريسي في الأدب والشعر والنبات ودرس الفلسفة والطب والنجوم في قرطبة. استخدمت مصوراته وخرائطه في سائر كشوف عصر النهضة الأوروبية، فقد لجأ إلى تحديد اتجاهات الأنهار والمرتفعات، ورسم الحدود بين الدول وكتب معلومات عن المدن الرئيسية فيها.
اختار الإدريسي الانتقال إلى صقلية بعد سقوط الدولة الإسلامية، لأن الملك النورماني في ذلك الوقت «روجر الثاني» كان محبًا للمعرفة. شرح الإدريسي لروجر موقع الأرض في الفضاء مستخدمًا في ذلك البيضة لتمثيل الأرض مشبهًا الارض بصفار البيضة التي يحيط به البياض الذي شبهه بالمجرات.
أمر الملك الصقلي روجر الثاني له بالمال لينقش خارطة العالم على دائرة من الفضة، استخدم الإدريسي خطوط العرض الأفقية على الخريطة وعلى الكرة الأرضية التي صنعها، كما استخدم خطوط الطول، إلا أنه أعاد تدقيقها لشرح اختلاف الفصول بين الدول. دُمرت تلك الكرة خلال اضطرابات مدنية في صقلية.
قال صلاح الدين الصفدي في ترجمة الشريف الإدريسي من كتابه «الوافي بالوفيات» عن الملك روجر الثاني: «هو الذي استقدم الشريف الإدريسي صاحب كتاب «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق» ليصنع له شيئاً في شكل صورة العالم».
حدد الإدريسي مصدر نهر النيل، ففي موقع معين وضع نقطة تقاطع نهر النيل تحت خط الإستواء، وهذا هو موقعه الصحيح. وألغى بذلك نظرية بطليموس أن مصدر نهر النيل هو تلة في القمر. اشتهر الشريف الإدريسي بولعه بالبحار وحركتها، وقد كان ميناء سبتة في عهده يعرف حركة تجارية كبيرة، وكانت تجتذبه السفن التجارية الراسية في ميناء سبتة، وكان يعتمل في داخله شوق كبير لاستكشاف الدُول التي كانت تُبحر منها وإليها هذه السفن، وسرعان ما تحوَلت رغبته إلى حقيقة عندما رحل لمتابعة تحصيله العلمي في قرطبة، فترسخ لديه ميوله إلى العلوم الطبيعية خصوصاً في الجغرافيا والنبات.
ويعتبر الشريف الإدريسي أحد كبار الجغرافيين في التاريخ الإنساني، كما كان له اهتمام بالتاريخ، والأدب، وعلم النبات، والطب، والفلك. أخذ العلم بسبتة وقرطبة، وزار الحجاز و تهامة ومصر، ووصل سواحل فرنسا وإنجلترا، وسافر إلى القسطنطينية وآسيا الصغرى. ثم عاش فترة في صقلية ونزل فيها ضيفًا على ملكها روجر الثاني، وقد عانى مدة طويلة من الغربة عن بلده سبتة. نستشف ذلك من شعر من نظمه يقول فيه:
ضــاع في الغربة عمـري …… ليـت شعــري أيـن قبـري
فـــي بـــر وبــــــــــــــحـر ……. لم أدع للعين ما تشتـــــاق
تخليدًا لذكراه، أطلقت وكالة ناسا الأمريكية على سلسلة الجبال الموجودة على سطح كوكب بلوتو في الحافة الجبلية لمنطقة سبوتنيك بلانوم (Sputnik Planum), بشكل غير رسمي اسم: جبال الإدريسي (Al-Idrisi mountains).
المقدسي
ولد أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد بن أبي بكر، الملقب بالمقدسي عام 883 ميلادي، ويُعد من أشهر الرحالين العرب، فقد سافر لمعظم أنحاء المملكة الإسلامية باستثناء الأندلس، والسند، وجنوب أفغانستان، كما زار صقلية، وساهم في تأليف كتاب أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم.
قسم المقدسي العالم الإسلامي إدارياً إلى أربعة عشر إقليماً ستة عربية هي: جزيرة العرب، وأقور، والعراق، والشام، ومصر، والمغرب. وثمانية أعجمية: إقليم المشرق، جانب خراسان، وهيطل وخوزستان، وفارس، وكرمان، والديلم، والجبال، والسند، وعرض لوحداته كعاصمته ومدنه، وقصباته، ونواحيه، وقراة ورساتيقه، مستخدماً بعض المصطلحات الإدارية للاستفادة منها في معرفة المسافة بين كل منطقة وأخرى، مثل المرحلة إذ استخدمها لقياس المسافات بين مدن جزيرة العرب، وكذلك الفراسخ والميل والذراع والأيام، وقد وردت هذه المسافات في ثنايا حديثه عن الأقاليم أو منفردة في آخر كل إقليم تحدث عنه. وتحدث عن العوامل التي ساعدت في نشوء المدن وازدهارها، وخصوصاً العامل الديني الذي لعب دوراً هاماً في نشوء المدن ذات الأهمية الدينية مثل: مكة المكرمة، ومنى، والمزدلفة، وعرفة، ويثرب في إقليم جزيرة العرب، وبيت المقدس، وأريحا، وبيت جبريل في إقليم الشام.
ابن جبير الأندلسي
يعد ابن جبير الأندلسي من أشهر الرحالين العرب والمسلمين الذين قاموا برحلات للمشرق العربي، وقد ولد عام 540 هجرية في الأندلس، ويُشتهر بالوثائق التي كتبها لامتيازها بحسن الملاحظة وصراحة العبارة، كما أتم العديد من الرحلات إلى العديد من البلدان، بما في ذلك مدينة سبتة، ومكة، والكوفة، وبغداد، والموصل، ودمشق، وحلب، ومن ثم توجه نحو غرناطة، والقاهرة، وبيت المقدس، والإسكندرية التي توفي فيها سنة 614 هجرية.
المسعودي
يعرفه محمد محمود محمدين في كتابه «المدخل إلى علم الجغرافيا والبيئة»، بأنه أبو الحسن علي بن الحسين المسعودي، رحالة مسلم وُلد في بغداد في بداية القرن العاشر الميلادي، وتُوفي في مصر عام 957. قام برحلات عديدة إلى بلاد فارس والهند والصين وساحل أفريقيا الشرقية وفلسطين وتركيا وجزيرة العرب، وله عشرات المؤلفات منها: «أخبار الزمان» ذي الثلاثين جزء، و«مروج الذهب ومعادن الجوهر».
أحمد بن ماجد
ارتبط اسم أحمد بن ماجد بن محمد السعدي النجدي، نسبة إلى منطقة رأس الخيمة من الجزيرة العربية، والمعروف بلقب أمير البحار المولود عام 906 هـ، باسم المستكشف البرتغالي فاسكو دا جاما، حين جمعتهما رحلة حول رأس الرجاء الصالح، واكتشفا خلالها الطريق الجديد الموصل للهند. برع ابن ماجد في مجال الملاحة، فوصفه البرتغاليون بأمير البحار، ونظم 34 قصيدة تتحدث عن تجوالاته، ووصل عدد أبياتها إلى 4602 بيت، وألف مقالات وكتب أخرى عدة أهمها: «تحفة الفحول في تمهيد الأصول»، و «الفوائد في أصول علم البحر والقواعد» و«المنهاج الفاخر في علم البحر الزاخر».
المراكشي
عاش علي الحسن بن علي بن عمر المراكشي، من علماء المغرب، في عصر دولة الموحدين في النصف الأول من القرن السابع الهجري، وتوفي سنة 660 هجرية. اشتهر المراكشي بعالِم الميقات وصناعة الساعات الشمسية. وصف المستشرق الفرنسي لوي بيير أوجين سديو في كتابه «خلاصة تاريخ العرب» المراكشي بأنه «مهندس فلكي له رسالة (جامع المبادئ والغايات في علم الميقات)، وأول من استعمل بها الخطوط الدالة على الساعات المتساوية»
يعرف المراكشي بأنه واضع الخريطة الجديدة للمغرب العربي، والمصحح لما ورد من أخطاء بعض الجغرافيين القدامى، لا سيما الخريطة التي رسمها بطلميوس.
الحسن الوزان
ولد الرحالة الحسن الوزان في الأندلس قبل سقوطها بأيدي إسبانيا في عام 1494 ميلادية، ثم انتقل ليعيش في المغرب في مدينة فاس واصبح سفيراً للسلطان وارتحل بين العديد من البلاد خصوصاً في القارة الأفريقية/ وزار كذلك مصر وإسطنبول والحجاز، إلا أنه سقط في الأسر وتم تقديمه هدية للبابا «ليون العاشر» الذي أجبره على اعتناق المسيحية والعيش في روما وتدريس اللغة العربية. خلال فترة أسره كتب الحسن الوزان مجموعة من الكتب ، في مجالات الأدب والجغرافيا، وكان أشهرها على الإطلاق كتاب «وصف افريقيا».
المصادر:
- ابن بطوطة، رحلة ابن بطوطة: تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، تحقيق محمد عبد المنعم العريان، دار إحياء العلوم، بيروت، الطبعة الأولى 1407هـ/ 1987م، ص 201.
- Ibn Battuta – Famous Scientists.org
- Buchan, James (21 December 2002). “Review: The Travels of Ibn Battutah edited by Tim Mackintosh-Smith”. The Guardian. ISSN 0261-3077. Archived from the original on 7 December 2017. Retrieved 6 December 2017.
- Education Nationalgeographic, Al-Idrisi.