لطالما غيرت الاختراعات مجرى حياة الإنسان، إذ سعى الإنسان دائمًا خلال مسيرة تطوره إلى تطويع البيئة المحيطة به لخدمته وتسهيل أعماله، وعلى مر الزمن أخذ يتفكر بمحيطه ويستمد الأفكار لصناعة أدوات تخفف عنه عبء الجهد العضلي وتقوده إلى الرخاء والمزيد من إحكام السيطرة على الطبيعة. منذ اختراع الكتابة أثبت الإنسان قدرته على استخدام دماغه للخروج بأفكار عبقرية وأخرى شريرة، فأنجز اختراعات مثل العجلة والبارود والسيف والترس والقوس والسهم والعربة والمحرك البخاري والقطار وصولًا إلى الترانزستور والتلفاز والإنترنت. في هذا المقال نحاول استعراض مراحل اختراع الترانزستور والتلفاز والإنترنت وكيف سهلت هذه الاختراعات حياة الإنسان وساهمت في الثورة المعلوماتية التي يشهدها عصرنا الحالي.

أول الاختراعات: الترانزستور

ما نشهده اليوم من تقدم تكنولوجي واختراعات مذهلة، تعود إلى أصل واحد وهو الترانزستور، لولا هذا العنصر الصغير لما استطعنا إنجاز اختراعات مثل التلفاز الحديث والحاسوب والتلفون والأجهزة الذكية والمعالجات وتطول القائمة كثيرًا.

في عام 1947 وفي مختبرات بيل في نيوجيرسي في الولايات المتحدة اكتشف جون باردن ووالتر براتين الترانزسيتور. وكعادة التطور البشري لا يظهر شيء من العدم إنما يعتمد على عمل آخرين مهدوا الطريق ليصبح ممكنًا اكتشاف شيء بهذه الأهمية.

في عام 1925 سجل الفيزيائي النمساوي-الهنغاري يوليوس إدغار ليلينفيلد براءة اختراع للترانزستور في كندا. لكن يوليوس لم ينشر أبحاثًا علمية تدعم اختراعه وعليه تجاهل الجميع اختراعه. وبعده في عام 1934 سجل الفيزيائي الألماني أوسكار هايل براءة اختراع أخرى للترانزستور ذو الأثر الحقلي. مع توالي الاختراعات والاكتشافات في المجال، وصل البحث بالثلاثي جون باردين ووالتر براتين وويليام شوكلي إلى تطبيق مفهوم بسيط لكنه عبقري، إذ لاحظوا أن اتصال نقطتين من الذهب مع بلورة جرمانيوم تنتج إشارة يكون خرجها أكبر من دخلها وهنا ولدت فكرة أشباه الموصلات. بعد جهد جيد ودراسة معمقة خرج للنور الترانزيستور ذو الأثر الحقلي وكوفئ الثلاثي بحصولهم على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1956.

في عام 1950، عمل المهندس المصري محمد عطاالله في مختبرات بيل على خصائص السطح لأشباه الموصلات المصنوعة من السيليكون، إذ اقترح طريقة جديدة لتصنيع أجهزة من أشباه الموصلات من خلال تغطية رقاقة السيليكون بطبقة من أكسيد السيليكون ما يتيح للتيار الكهربائي الوصول إلى طبقة السيليكون، ويتغلب على طبقة السطح التي تمنع التيار الكهربائي من الوصول إلى طبقة أشباه الموصلات. عُرفت تلك الطريقة باسم تخميل السطح (surface passivation)، الطريقة التي أصبحت أساسية في صناعة أشباه الموصلات وأتاحت تصنيع الدارات المتكاملة المكونة من السيليكون. ونتيجة هذه الأبحاث والاختراعات قدّم المهندس محمد عطاالله إلى العالم أو ترنزيستور حقلي مصنوع من أكسيد المعدن أو ما عرف حينها بالـ MOSFET.

أول ترانزستور على الإطلاق
أول ترانزستور على الإطلاق

ثاني الاختراعات: التلفزيون

نتج مفهوم التلفزيون من عمل واختراعات العديد من الأفراد في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، إذ بدأت جذوره في البداية حتى في القرن الثامن عشر. استخدمت عمليات النقل العملية الأولى للصور المتحركة، عبر نظام راديو، أقراصًا مثقبة دوارة ميكانيكية لمسح مشهد إلى إشارة متغيرة بمرور الوقت يمكن إعادة بنائها في جهاز استقبال إلى صورة تقريبية للصورة الأصلية. توقف تطوير التلفزيون بسبب الحرب العالمية الثانية. بعد انتهاء الحرب، أصبحت جميع الأساليب الإلكترونية لمسح الصور وعرضها قياسية. طُورت العديد من المعايير المختلفة لإضافة اللون إلى الصور المرسلة مع مناطق مختلفة باستخدام معايير إشارة غير متوافقة تقنيًا. توسع البث التلفزيوني بسرعة بعد الحرب العالمية الثانية، وأصبح وسيلةً جماهيرية مهمة للإعلان والدعاية والترفيه.

 أول تلفزيون ملون
أول تلفزيون ملون

تكهن كل من بيل وتوماس إديسون بإمكانية وجود أجهزة شبيهة بالهاتف يمكنها نقل الصور وكذلك الصوت. لكن باحثًا ألمانيًا هو الذي اتخذ الخطوة المهمة التالية نحو تطوير التكنولوجيا التي جعلت التلفزيون ممكنًا. في عام 1884، ابتكر بول نيبكوف نظامًا لإرسال الصور عبر الأسلاك عبر أقراص دوارة. أطلق عليه التلسكوب الكهربائي، لكنه كان في الأساس شكلًا مبكرًا من أشكال التلفاز الميكانيكي.

ومع توالي الاختراعات والاكتشافات في مجال الإلكترونيات كان لا بد من نقل التلفاز إلى نظام إلكتروني يتيح نقلًا أفضل للصورة والصوت، وهذا ما عمل عليه الفيزيائي الروسي بوريس روسينغ والمهندس الإسكتلندي آلان أرشيبالد من خلال استبدال الأقراص الميكانيكية بأنابيب الأشعة المهبطية. كان نظام أرشيبالد يرتكز على وضع أنبوب الأشهة المهبطية في الجهاز المرسل وأيضًا في المُستقبل ما عُدَّ أول نظام تلفاز إلكتروني بالكامل.

في عام 1927 وأمام خمسين عالمًا في لندن قدَّم المهندس الإسكتلندي جون بايرد أول جهاز تلفاز حقيقي وتمكن عام 1928 من أول نقل تلفزيوني عبر المحيط الأطلسي بين لندن ونيويورك وأول نقل إلى سفينة في منتصف المحيط الأطلسي.

بحلول خمسينيات القرن العشرين، دخل التلفزيون حقًا في الاتجاه السائد، إذ امتلك أكثر من نصف المنازل الأمريكية أجهزة تلفزيون بحلول عام 1955. ومع توسع عدد المستهلكين، أنشِئت محطات جديدة وبُثت المزيد من البرامج، وبحلول نهاية ذلك العقد كان التلفزيون قد أصبح حل محل الراديو باعتباره المصدر الرئيسي للترفيه المنزلي في الولايات المتحدة.

ومع توالي الاختراعات قُدّشم للعالم التلفاز الملون ومن بعده التلفاز الرقمي. ارتبطت جذور التلفزيون الرقمي ارتباطًا وثيقًا بتوافر أجهزة كمبيوتر غير مكلفة وعالية الأداء. وحتى تسعينيات القرن العشرين أصبح التلفزيون الرقمي احتمالًا حقيقيًا.

ثالث الاختراعات: الإنترنت

بتوافر الجهود وتوالي الاختراعات ظهر الإنترنت، وهو النظام التي أحدثت ثورة في الاتصالات وأساليب التجارة من خلال السماح لشبكات الكمبيوتر المختلفة حول العالم بالترابط. يشار إلى الإنترنت أحيانًا باسم شبكة الشبكات، وقد ظهر في الولايات المتحدة في سبعينيات القرن الماضي ولكنه لم يصبح متاحًا لعامة الناس حتى أوائل التسعينيات. بحلول عام 2020، يقدر أن ما يقرب من 4.5 مليار شخص، أو أكثر من نصف سكان العالم، لديهم إمكانية الوصول إلى الإنترنت.

يوفر الإنترنت قدرة قوية وعامة بحيث يمكن استخدامها تقريبًا لأي غرض يعتمد على المعلومات، ويمكن الوصول إليها من قبل كل فرد يتصل بإحدى الشبكات المكونة لها. وهو يدعم الاتصال البشري عبر وسائل التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني وغرف الدردشة ومجموعات الأخبار ونقل الصوت والفيديو ويسمح للأشخاص بالعمل بشكل تعاوني في العديد من المواقع المختلفة. يدعم الوصول إلى المعلومات الرقمية من خلال العديد من التطبيقات، بما في ذلك شبكة الويب العالمية. لقد أثبت الإنترنت أنه أرض خصبة لعدد كبير ومتزايد من الشركات الإلكترونية التي تنفذ معظم مبيعاتها وخدماتها عبر الإنترنت.

نتج الإنترنت عن الجهود المبذولة لربط شبكات البحث المختلفة في الولايات المتحدة وأوروبا. أولاً، أنشأت وكالة مشاريع البحوث المتطورة الدفاعية برنامجًا للتحقيق في الترابط بين الشبكات غير المتجانسة. استند هذا البرنامج، المسمى Internetting، إلى المفهوم الذي قُدم حديثًا للشبكات المعمارية المفتوحة، إذ تُربط الشبكات ذات الواجهات المعيارية المحددة بواسطة بوابات. جرى التخطيط لعرض عملي لهذا المفهوم. ولكي ينجح المفهوم، يجب تصميم بروتوكول جديد وتطويره؛ في الواقع ، كانت بنية النظام مطلوبة أيضًا.

في ثمانينيات القرن الماضي، قادت الأبحاث التي أشرف عليها السير تيم بيرنرز لي في المنظمة الأوروبيّة للأبحاث النوويّة (CERN) إلى تطوير شبكة الويب، ونتج عن ذلك ربط مُستندات النص التشعبي بنظام معلومات يُمكن النفاذ إليه من أي موقع على الشبكة. منذ مُنتصف التسعينيّات كان لشبكة الإنترنت تأثيرٌ ثوريّ على الثقافة والتجارة والتكنولوجيا وشمل ذلك ظهور التراسل الفوري وتطوّر البريد الإلكترونيّ والمُكالمات الهاتفيّة عبر شبكة الإنترنت (VoIP) ومكالمات الفيديو وشبكة الويب التي تضمنت مُنتديات النقاش والمدوّنات وشبكات التواصل الاجتماعيّ ومواقع التسوّق عبر الإنترنت. وتواصل مُجتمعات البحث والتعليم تطوير واستخدام الشبكات المُتقدمة مثل خدمات الشبكة الرئيسية عالية السرعة (vBNS) الخاصّة بمؤسسة العلوم القوميّة والجيل الثاني من شبكة الإنترنت.

السير تيم بيرنيرز لي مع أول نموذج لشبكة الويب العالمية
السير تيم بيرنيرز لي مع أول نموذج لشبكة الويب العالمية

بشكلٍ مضطرد، تزداد كمية البيانات التي تنتقل عبر شبكة الإنترنت بسرعات من مرتبة الغيغابت في الثانية اعتماداً على شبكات الألياف البصريّة. وقد شكّل استحواذ شبكة الإنترنت على المشهد العالميّ للاتصالات ظاهرة تستحق المُلاحظة، فقد كان حجم المُعطيات المنقولة على شبكة الإنترنت يشكل 1% من إجمالي حجم المُعطيات المنقول عالميّاً في العام 1993، ثم ارتفعت النسبة لتصل إلى 51% في العام 2000، لتتجاوز 97% في العام 2007. تواصل شبكة الإنترنت النمو مدفوعةً بكميات أكبر من المعلومات الناتجة عن التجارة والترفيه وشبكات التواصل الاجتماعيّ.

المصادر

https://www.britannica.com/technology/Internet

كتاب تاريخ أشباه الموصلات

https://www.researchgate.net/publication/2977642_A_history_of_the_invention_of_the_transistor_and_where_it_will_lead_us

https://www.history.com/news/who-invented-television

نريد أن نعيد لمنطقتنا مجدها السابق.أتريد ذلك أيضاً؟

خلال العصر الذهبي، ساهمت منطقتنا ببعض أكبر الاختراعات والعجائب العلمية في العالم الحديث. نحن نعيد إيقاد روح المعرفة والمجد والأمل التي ألهمت المنطقة خلال هذه الفترة، ونحن بحاجة إليك.

انضم إلينا