لو قلت لك أن قردًا واحدًا قد تمكن من طبع كلمة واحدة ذات معنى على لوحة مفاتيح جهاز كومبيوتر خلال فترة تجريب استمرت لأسبوعٍ واحد، ستستبعد الأمر لكنك لن ترفضه بالمطلق ولن تعتبره مستحيلًا، وسيزيد استهجانك للموضوع كلما زاد عدد الكلمات والصفحات والكتب التي يمكن للقرد على كتابتها خلال أسبوع. لكن، كيف سيزيد هذا الاحتمال إذا أعطينا القرد وقتًا إضافيًا، شهرًا، أو سنة، أو عقدًا، أو قرنًا، أو زمنًا لانهائيًا؟ وقدمنا له مساعدة عددٍ لا نهائي من القرود، هل سيصبح الأمر حينها منطقيًا بالنسبة لك وقابلًا للتصديق؟ دعونا نختبر ذلك معًا، بالأرقام والآلة الحاسبة. 

نظرية القرود اللانهائية 

تنص مبرهنة القردة اللانهائية على وجود احتمالية أن يتمكن عدد غير محدود من القردة من طباعة نص مفهوم ومعروف (كمسرحية هامليت للشاعر وليم شكسبير) عندما تُمنح وقتًا لا نهائيًا. تعود جذور فكرة نظرية القرود اللانهائية إلى كل من أرسطو وشيشرون مرورًا بباسكال وجواثان سويفت، وأعيد الحديث عنها عدة مرات في مختلف العصور، إلى أن وضعها مؤسسو العمليات الإحصائية تحت الاختبار. 

تفسير نظرية القرود اللانهائية إحصائيًا

في حال وقوع حدثين مستقلين إحصائيًا، فاحتمال حدوثهما معًا تساوي حاصل ضرب الاحتمالين، فعلى سبيل المثال، إذا كان احتمال مصادفتك لقطة ما في طريقك إلى العمل 0.8، واحتمال سقوطك في حفرة على الطريق 0.002، فإن احتمال مصادفتك لقطة وسقوطك في حفرة بنفس اليوم هو حاصل جداء الاحتمالين، أي 0.002*0.8= 0.0016 أي 0.16%، وذلك بفرض أن الحدثين مستقلين بشكل كامل. 

لنفترض معًا أن عدد مفاتيح الآلة الكاتبة هو 50، وأن الكلمة المراد كتابتها هي «تفاحات». إذا تم الضغط على المفاتيح بشكل عشوائي ومستقل، سيكون احتمال الضغط على أي من المفاتيح هو 1/50 وستكون فرصة الضغط على حرف التاء كأول حرف هي 1/50، واحتمال الضغط على حرف الفاء بعدها 1/50 أيضًا، واحتمال الضغط على حرف الألف بعدها هو 1/50، وهكذا. وبذلك يكون احتمال كتابة كلمة «تفاحات»، هو (1/50) للأس 6، أي: 

(1/50) × (1/50) × (1/50) × (1/50) × (1/50) × (1/50) = (1/50) 6 = 1/15,625,000,000

وبالتالي، فإن احتمال كتابة كلمة تفاحات عند محاولة الطباعة العشوائية على آلة كتابة تحوي 50 محرفًا هو تقريبًا 1 إلى 15 مليار. أي أنه من المتوقع أن تنتج 15 مليار محاولة لكتابة كلمة من 6 حروف على الآلة آنفة الذكر كلمة تفاحات مرة واحدة، وهو احتمال ضئيل فعلًا، لكنه ليس مستحيلًا.

وعلى هذا المنوال، يمكننا حساب احتمال طباعة سطر واحد، أو صفحة واحدة من مسرحية هامليت أو حتى المسرحية بكاملها، وهو احتمال موجود مهما صغرت قيمته. فلنقم معًا بحسابه: 

تحوي مسرحية هامليت باللغة الإنجليزية 177647 محرفًا بما في ذلك الفراغات وعلامات الترقيم. وتحوي لوحة مفاتيح اللغة الإنجليزية على 46 محرفًا، بالإضافة إلى 46 محرفًا آخر في حال حسبنا الأحرف الكبيرة، يكون احتمال الحصول على نص هامليت عند الضغط العشوائي على لوحة المفاتيح هو (1/94) للأس 177263، ويساوي تقريبًا 2.73708*10 ^(-349763)، وهو رقم يحوي صفر فاصلة 349762 صفر ومن بعده 273708، وستحتاج لكتابته دفترًا مكونًا من 280 صفحة. 

إذا ضاعفنا عدد محاولات الكتابة، واستعنا بدلًا من قرد واحد وآلة طباعة واحدة، بعدد من القرود اللانهائية أو بعدد منهم يعادل عدد جميع ذرات الكون (10^80)، لينتجو مليون محاولة كتابة في الثانية الواحدة، سيستغرق الأمر منهم زمنًا قدره 1.56*10^349669 سنة، وهو ما يعادل 8*10^349658 ضعف عمر الكون (الذي يقدر بـ 13.77 مليار سنة). لا شك بأن مصطلح «ضئيل» ليس كافيًا لوصف هذا الاحتمال. مع ذلك، لا يمكننا نفي وقوعه بالكامل، لأن الاحتمال ليس صفريًا. 

بعد أن حصلنا على رقم محدد يساعدنا على فهم احتمالية كتابة نص متسلسل ذي معنى بمحض الصدفة، دعونا نسقطه على مواضيع أخرى، كتطور الحياة على الكرة الأرضية. 

ظهور أول خلية حية

تنضوي قضية بدء الحياة على كوكب الأرض وتشكل أول خلية حية على مجموعة من الفرضيات. إذ أن بداية الحياة تتطلب توفر جزيئات وراثية كالدنا DNA والرنا RNA تكون قادرة على المشاركة في برنامج عمل متكامل لصناعة البروتين. تعد هذه الجزيئات العمود الفقري لأي نظام حيوي لاحتوائها على المعلومات اللازمة لتوجيه العمليات الحيوية في الكائن الحي وبالتالي بقائه على قيد الحياة. لكن، من الصعب جدًا أن تقوم الخلايا الجديدة الناتجة عن الانقسام بنسخ جزيئات الدنا والرنا من دون مساعدة بعض أنواع البروتين. وما يزيد من تعقيد المسألة هو فقدان أي نوع من هذه الجزيئات للقدرة على إنجاز عمله دون الحصول على مساعدة الأحماض الدهنية التي تدخل في تركيب أغشية الخلايات وتحافظ على مكوناتها. وهذا ما أعادنا مجددًا لمعضلة البيضة والدجاجة، إذ أن بداية الحياة تستلزم وجود جزيئة وراثية لصنع البروتين، وبنفس الوقت لا يمكنها أن تتم مهامها دون وجود جزيئات بروتين مساعدة.

بالاعتماد على أحد التقارير الكيميائية الحديثة، يفترض الباحثون اليوم أن حل هذه التناقضات يكمن بوجود زوج من المركبات الكيميائية البسيطة التي قد تكون تواجدت في بداية الحياة على الأرض. ويتميز هذا الزوج بصناعة سلاسل من التفاعلات الكيميائية البسيطة التي تنتج طرزًا مختلفة من الجزيئات الحيوية الأساسية التي تشكل أساس بداية الحياة لأي كائن حي.  تشمل هذه المركبات ما يلي: الاحماض النووية، والأحماض الأمينية والليبيدات أو الأحماض الدهنية المهمة للحفاظ على مكونات الخلية. بالطبع، لم يتمكن هذا الاكتشاف من إثبات كيفية نشأة أول خلية حية، لكنه ساعد على وضع تفسيرات لأكثر أسرار الحياة غموضًا. 

احتمال ظهور أول خلية حية ومقارنتها مع احتمال تحقق نظرية القرود اللانهائية

تمكن العلماء في تجربة اسثنائية للغاية من إنشاء خلية اصطناعية أطلقوا عليها اسم JCVI-syn3A يتكون جينومها من 543 ألف زوج قاعدي في 493 جين. إن الوحدة المنطقية هنا هي الزوج القاعدي، الذي يعادل 2 بت ثنائي، لأن لغة الزوج القاعدي مبنية على 4 أساسات. في هذه الحالة، سيكون على القرد أو المستخدم في نظرية القرود اللانهائية، الكتابة على لوحة مفاتيح فيها أربعة مفاتيح فقط هي، A، G، C، T، بالتوافق مع القواعد الأربعة. في هذه الحالة، سيكون احتمال الحصول على جينوم Syn3A بشكله الصحيح في جلسة كتابة واحدة هو (1/4) مرفوع للأس 543000، واللوغاريتم العشري لهذا الاحتمال هو: -log10(4) * 543000 = -0.60206 * 543000 = -326918.575291، للتحويل لصيغة الاحتمال، سنعيد رفع هذه القوة للرقم 10، وسنحصل على:

 10^ (-326918.575291) = 10^ (1-0.575291-326919) = 10^0, 424709 * 10^ (-326919) = 2.659 * 10^ (-326919). 

في واقع الأمر، إن احتمال الحصول على جينوم Syn3A أكبر بكثير من احتمالية تحقق فرضية القرود اللانهائية وتمكنها من كتابة نص هامليت، أسهل، إحصائيًا، بـ 1.0294*10 ^22844 مرة، لكن هذا الأمر سيتسغرق أيضًا وقتًا طويلًا جدًا يقدر بـ 3.3761*10 326832 ثانية، أو ما يعادل 8.655*10^ 326814 مرة من عمر الكون، لكنه ليس صفريًا، وبالتالي فهو ليس مستحيلًا من الناحية الإحصائية. 

المصادر: 

  • Monkeys, typewriters, and the origin of life. BY Paco Ruiz.
  • Researcher may have solved origin-of-life conundrum. By Robert F. Service.

نريد أن نعيد لمنطقتنا مجدها السابق.أتريد ذلك أيضاً؟

خلال العصر الذهبي، ساهمت منطقتنا ببعض أكبر الاختراعات والعجائب العلمية في العالم الحديث. نحن نعيد إيقاد روح المعرفة والمجد والأمل التي ألهمت المنطقة خلال هذه الفترة، ونحن بحاجة إليك.

انضم إلينا