في زمننا الحالي، أصبحت الأحداث متسارعة بشكل كبير، وقلما تمضي سنة دون أن نشهد حدثًا يمكن له أن يغير مجرى التاريخ، سواء كان حدثًا سياسيًا أو عسكريًا أو صحيًا أو حتى اجتماعيًا. فالتقلّبات التي يشهدها العالم، والقرارات السياسية الحساسة وغير المدروسة والكوارث التي يُسببها الإنسان، فضلًا عن الأوبئة؛ أصبحت أكثر تواترًا وتكلفة على المجتمع ككل. تتطلّب معالجة هذه التهديدات والتحديات اتّباع نهج يجمع بين الاستعداد للكوارث، والإجراءات التي من شأنها تقوية المجتمعات كل يوم. تركّز المرونة الاجتماعية على تعزيز الصحة، والرفاهية اليومية للمجتمعات، للحد من الآثار السلبية للكوارث.
يمكن أن تعرف المرونة الاجتماعية على أنها عملية مستمرة من التغيير والتكيّف، بالتزامن مع أي تغيير قد يطرأ على البيئة المحيطة، وبالتالي على ضغوطاتها المختلفة. فإن كان المجتمع يتمتّع بالقدرة على الصمود والتكيّف وتعزيز المرونة –كنوع من نقاط القوة- سيكون قادرًا على اتخاذ تدابير استباقية للتخفيف من حدّة الآثار الناتجة عن الأزمات وسرعة التعافي منها. ولكن، لا يمكن تحديد الطريقة التي يتعامل فيها البشر مع المشاكل التي تواجههم في إطار واحد، إذ تختلف طبيعة كل شخص عن الآخر، فمنهم من يمضي وقتًا طويلًا لتجاوز مشكلة ما، في حين يستطيع آخرون الانطلاق ببداية جديدة بفضل مرونتهم، وقدرتهم على الصمود في وجه أي موقف والإتزان في وقت قصير مقارنة بغيرهم.
لماذا تُعتبر المرونة الاجتماعية مهمة؟
يُعتبر وضعنا للتدابير والخطط الاستباقية كفيلًا بتعزيز نقاط قوة كامنة داخلنا، ولتدعم العديد من العوامل التي من شأنها التخفيف من حدّة الأزمات، وجعلنا أكثر صلابة وسرعة في التعافي منها، كما تُحسّن من نظرتنا الإيجابية التي تلعب دورًا رئيسيًا في التحكم بالمشاعر والانفعالات، وبالتالي اتخاذ الحلول المناسبة، ليرتكز عليها الفرد في حياته.
لو فكّرنا في مصطلحات كالمرونة، والتصدّي للأزمات، وتواتر الضغوطات، نجد بأنها تحمل بين طيّاتها مفهومان متعاكسان؛ الخوف والأمل، يحاول كل منهما جذبنا نحوه دون الآخر، فإما أن يستطيع الخوف تكّبيلنا، أو يحثّنا على العمل بكدّ، للمضي قدمًا في مواجهة مخاوفنا، فعندما نحقق نموًا إيجابيًا عبر النجاح بتحدٍ ما، سنجد بأننا أصبحنا أكثر مرونة، وقدرة على مواجهة ما سيأتي من تحديات مستقبلًا.
كيف تستثمر المرونة الاجتماعية في مواجهة الأزمات؟
مع تقدّمك في السن، وتعرّضك لمجموعة كبيرة من الأحداث وتشكيلك للخبرات، ستستفيد حتمًا من هذه التجارب الحياتية التي عشتها، والتي من شأنها أن تكوّن أفكارك، وسلوكياتك بما يشمل المرونة في الأفعال القابلة على التطوّر مع الزمن. سنستعرض تاليًا بعض الاستراتيجيات التي استثمر فيها بعض الأشخاص مرونتهم الاجتماعية في مواجهة الأزمات:
- تَكَيّف، فالقدرة على التكيّف هي الأساس:
قد تضطر لمواجهة كثير من الأحداث التي وبرغم محاولتك الدائبة في حلّها أو تغييرها، لكنك لا تستطيع ذلك، لما تتسم من صعوبة أو قسوة، لذلك عليك بالتكيّف. وأمامك الكثير من أمثلة الحروب التي مر بها العالم، ستجد عوائل عانت من ويلاتها، وتشرّدت وتهجّرت، لكنها في الوقت ذاته قاومت بجدارة، واتخذت خيارات وقرارات يومية، مكّنتها من السيطرة على محيطها، واستجماع طاقتها للبقاء على قيد الحياة، وتمسّكها بالامل لتُعيد بناء حياتها.
- فكر في مواقفك، وسيطر على ردود أفعالك:
صحيح أننا لا نستطيع التحكّم بمواقف وسلوك الآخرين، لكنه بإمكاننا اختيار الطريقة التي سنستجيب فيها للمواقف التي قد نتعرض لها حتى في أكثر الظروف مرارة.
في كتابه (البحث عن المعنى)، يقول الطبيب النفسي فيكتور فرانكل: «قد تسلبك القوى الخارجة عن إرادتك كل ما تملكه، باستثناء شيء واحد فقط؛ حرّيتك في اختيار طريقة وآلية استجابتك للمواقف».
بالعودة لمثال الحروب، قد تجد عديد من الناجين من ويلات الحرب يقولون بأن الحظ قد ساعدهم في البقاء على قيد الحياة، لكن قد نختلف معهم قليلًا، لأن هذا البقاء ما هو إلا نتيجة للخيارات اليومية التي اتخذوها، وما قاموا به من أفعال واجراءات، بل حتى الأمور التي كانوا سيُقدمون على فعلها، لكنهم استثنوها ولم يفعلوها.
- ابتعد عن مصادر التوتر والقلق
عندما تتبنّى عادات يومية شائعة ويعرف عنها بأنها تساعد على القضاء على القلق، كالاستماع للموسيقى الهادئة، وممارسة بعض التمارين كالاسترخاء والتنفس العميق، والتأمل؛ ستجد بأن مناعتك الذاتية للإجهاد والتوتر سترتفع وستحررك من الضغوط العاطفية.
- راقب مشاعرك
قد ينتابنا مجموعة من المشاعر والأحاسيس كالخوف والقلق أو حتى الحزن، كحزننا على خسارة وظيفة تُعيلنا، أو فقدان استقرار حياتيّ ما، لذا فمراقبة المشاعر وإطلاق العنان لأنفسنا لنتصالح ونتعاطى معها بمرونة معها إذا ما تكررت لاحقًا، من شأنها أن تزيد من المرونة الاجتماعية لدينا.
- ابحث عن نقاط قوّتك، ودوّن استراتيجيات المواجهة
عند إدراك الفرد منا لنقاط قوّته وجوانبه الإيجابية، سيمنحه ذلك القدرة على الوقوف مجددًا، واستعادة الثقة بإمكاناته الخاصة، وما يميّزه من إنجازات وممارسات، لذا عليك تحديد نقاط قوتك، واستكشاف طرائق بإمكانك تطبيقها ضمن ظروفك الراهنة، وتحفّز نفسك ببعض الجمل التي تزيد من الثقة، والمرونة مثل: بإمكاني التعامل مع هذه المشكلة أو الازمة بالشكل الأمثل.
- إنك تعيش الحاضر، فلا تنظر للماضي
إن استمتاعك بلحظتك الحالية، والانتباه لكل ما تفعله فيها، كفيل بأن يوسع مداركك، ويجعلك قادرًا على إنشاء روابط قوية بين أفكارك ومشاعرك، وتساعدك على إيجاد الحلول لكثير من المشاكل، فالذين يعيشون الحاضر ينتهزون أعظم الفرص لتحقيق أهدافهم، فلماذا لا تكون واحدًا منهم؟
- أضف قيمة جديدة لكل يوم، وتعلّم من الخبرات
افعل شيئًا يمنحك الشعور بالإنجاز، وضع الأهداف لتعمل على بلوغها وتتطلّع لمستقبل ذي مغزى، وفكّر في كيفية تعاملك مع مصاعب الماضي، لتتجاوزها في حاضرك، كما يمكنك تسجيلها في دفتر يوميّاتك لتوجيه سلوكك لتجاوزها في المستقبل.
ختامًا
بينما نستخلص الكثير من الدروس من البحوث والممارسة في مجال المرونة الاجتماعية، لا تزال هناك حاجة ماسة لمواءمتها وتهيئتها بشكل أكبر، بغية الاستجابة لها بصورة جيّدة، يمكن ألّا يؤدي التحلّي بالمرونة للقضاء على مشاكلنا، لكنها بالتأكيد ستمنحنا القدرة على تجاوزها، والاستمتاع بالحياة، والتعامل بشكل أفضل مع الضغوط. فإن لم تكن مرنًا بالقدر الذي تريده، عليك تطوير بعض من المهارات المتعلقة بكيفية التحلي بالمرونة بشكل أكبر.
- Shava, S., Zazu, C., Tidball, K., & O’Donoghue, R. (2009). Local knowledge as a source of
community resilience: IKS community development and resilience. Indilinga African
Journal of Indigenous Knowledge Systems, 8(2), 218–229 - 73. Patel, R. B., & Gleason, K. M. (2018). The association between social cohesion and
community resilience in two urban slums of Port au Prince, Haiti. International Journal
of Disaster Risk Reduction, 27, 161–167 - https://www.nist.gov/community-resilience
https://reliefweb.int/report/world/community-resilience-key-concepts-and-their-applications-epidemic-shocks-enar
- https://www.theepochtimes.com/developing-a-mindset-of-resilience_3327933.html