تعدّ أزمة اللجوء والهجرة من أكثر الأزمات المستجدة في العقد الأخير، خصوصًا بعد الحرب السورية، إذ ازداد عدد اللاجئين العرب في أوروبا على سبيل المثال. قد يظل بعض اللاجئين العرب غرباء للأبد في البلدان المضيفة لهم بسبب مشكلة الاندماج، وقد ينخرط البعض الآخر بمساعدة السياسيات المتبعة لذلك أو قدرتهم على التكيف. قد لا تقدم محاولة تفسير فشل العرب في الاندماج في بيئات اجتماعية وسياسية جديدة لمجرد أنهم جزء من المجتمع المسلم ككل إجابة مقنعة، فليس كل العرب مسلمين وليس كل المسلمين متشابهين ثقافياً في وطنهم الأم أو في البلدان المضيفة لهم.

يتصدر الاندماج الاجتماعي للاجئين في المجتمع المضيف جدول الأعمال الدولي لأجندة 2030، إذ يتماشى الاندماج الاجتماعي للاجئين مع الهدف السادس عشر من أهداف التنمية المستدامة «تعزيز المجتمعات السلمية والشاملة لتحقيق التنمية المستدامة، وتوفير الوصول إلى العدالة للجميع، وبناء مؤسسات فعالة وخاضعة للمساءلة وشاملة على جميع المستويات» ولا سيما الغاية العاشرة للهدف السادس عشر التي تنص على «ضمان وصول الجمهور إلى المعلومات وحماية الحريات الأساسية، وفقًا للتشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية».

تعرّف اتفاقية جنيف لعام 1951 اللاجئ بأنه «أي شخص يخشى التعرض للاضطهاد لأسباب تتعلق بالعرق أو الدين أو الجنسية أو الانتماء لمجموعة اجتماعية معينة أو الرأي السياسي، ويكون خارج البلد الذي يحمل جنسيته، وهو غير قادر على الاستفادة من حماية ذلك البلد، أو غير راغب بسبب هذا الخوف». بينما تعرّف المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين طالبي اللجوء على أنهم الأشخاص «الذين غادروا بلدهم الأصلي، وسعوا للحصول على الحماية الدولية، وتقدموا بطلبات للاعتراف بهم كلاجئين وينتظرون قرارًا من الحكومة المضيفة».

اعترفت المفوضية في آخر تقرير عن حالة الهجرة الدولية في المنطقة العربية لعام 2019، بحوالي 8.7 مليون لاجئ من المنطقة العربية، واعتبرت المنطقة العربية منشأ حوالي 14% من اللاجئين الذين شقوا طريقهم إلى أوروبا.

يحلل الإصدار الثالث من التقرير أنماط الهجرة والنزوح في أربع مناطق فرعية تضم 18 دولة عربية يزيد عدد سكانها عن 400 مليون نسمة: دول مجلس التعاون الخليجي (البحرين والكويت وعُمان وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة)، ودول المغرب العربي (الجزائر وليبيا والمغرب وتونس)، ودول المشرق (مصر والعراق والأردن ولبنان وفلسطين وسوريا)، وأقل البلدان نماء في المنطقة بما في ذلك (جزر القمر وجيبوتي وموريتانيا والصومال والسودان واليمن).

كان إطار بيري (1997) هو الإطار النظري الذي استُخدم لفهم تكيف المهاجرين مع المجتمع الجديد، وهو إطار مفاهيمي للتمازج الثقافي عند المهاجرين في المجتمع المضيف، ويتضمن أربع استراتيجيات: التماثل: عندما لا يرغب الأفراد في الحفاظ على هويتهم الثقافية ويسعون إلى التفاعل اليومي مع الثقافات الأخرى، والانعزال: عندما يتمسك الأفراد بثقافتهم الأصلية ويرغبون في تجنب التفاعل مع الآخرين، والتهميش: عند ندرة الحفاظ على الثقافة أو ندرة العلاقات مع الآخرين، والاندماج: عند الحفاظ على الثقافة الأصلية للفرد أثناء الانخراط في التفاعلات اليومية مع المجموعات الأخرى (بيري، 1997). يعدّ الاندماج أفضل نهج، ويعتبر عملية ثنائية الاتجاه ولا يمكن للمهاجرين متابعتها بنجاح إلا عندما يكون المجتمع المضيف منفتحًا وشاملًا في توجهه نحو التنوع الثقافي. تعني الشمولية وجوب توفير فرص متساوية للاجئين للحصول على السكن والرعاية الصحية والتعليم والتدريب والتوظيف.

يعتمد مستوى اندماج اللاجئين وتكييفهم على عدد من العوامل، بما في ذلك تجارب ما قبل الهجرة وعملية المغادرة وخبرات ما بعد الوصول والبيئة. عانى العديد من اللاجئين وطالبي اللجوء من صدمات حادة قبل الهجرة، بما في ذلك التعذيب النفسي والجسدي، والعنف الجماعي والإبادة الجماعية، وشهدوا قتل أفراد الأسرة والأصدقاء، والاعتداء الجنسي، وخطف الأطفال، وتدمير ونهب الممتلكات الشخصية، والتجويع والافتقار إلى المياه والمأوى (كريج، جاجوا، وورفا، 2009). لذا فإن عملية اللجوء ترتبط في كثير من الأحيان بمخاطر تهدد الحياة، عدا عن الإحباط الذي يترافق مع ظهور مشاكل جديدة مثل الانفصال الأسري، أو حواجز اللغة، أو الوضع القانوني، أو البطالة، أو التشرد، أو عدم الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية.

توزع المهاجرين العرب في أوروبا

يدخل اللاجئون إلى أوروبا عبر مناطق البحر الأبيض المتوسط، وهي رحلة تنطوي على مخاطر كبيرة «إذ مات أو فقد ما لا يقل عن 2600 لاجئ ومهاجر في البحر الأبيض المتوسط في الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2017، 94% منهم حاول العبور من ليبيا إلى إيطاليا» (مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، 2018). تأتي المجموعات الأكبر من سوريا وأفغانستان والعراق وباكستان. انخفض عدد طالبي اللجوء في الاتحاد الأوروبي من سوريا لأول مرة إلى 335 ألفًا في عام 2016 والذي بلغ 363 ألفًا في عام 2015، وانخفضت نسبة السوريين من 28.9% إلى 27.8% وشكل الأفغان 15% والعراقيون 11% من إجمالي عدد المتقدمين، وتذهب أكبر المجموعات إلى ألمانيا وإيطاليا وفرنسا.

تشكل ألمانيا واليونان والنمسا والسويد والمجر البلدان الخمسة الأولى التي يقصدها طالبو اللجوء من سوريا وأفغانستان والعراق، وهي البلدان الأصلية التي تضم أكبر عدد من اللاجئين. تشير البيانات إلى أن 85% من طالبي اللجوء السوريين والعراقيين 77% من طالبي اللجوء الأفغان يتقدمون بطلب في ألمانيا بينما تنطبق النسب الأصغر في اليونان أو المجر أو النمسا أو بلغاريا.

اعتبارات العمر

يُعرف القاصر غير المصحوب بذويه بالشخص الذي يقل عمره عن 18 عامًا، ويصل إلى أراضي دولة عضو في الاتحاد الأوروبي وليس برفقة شخص بالغ، أو يُترك بدون مرافق بعد دخوله دولة عضو. بلغ عدد طالبي اللجوء من القصر غير المصحوبين في الاتحاد الأوروبي عام 2016 حوالي 633000. تشير البيانات إلى أن حوالي 40% من طالبي اللجوء الذين قدموا من سوريا وأفغانستان والعراق تقل أعمارهم عن 18 عامًا.

تعتمد تجارب ما قبل الهجرة للاجئين الشباب على بلدهم الأصلي، بما في ذلك التعرض للفقر أو الحرب والصراع، ولكن أيضًا على تعليمهم ووضعهم الاجتماعي وقيمهم العائلية والدينية والاجتماعية والثقافية (هيبراند وآخرون، 2016).

يُرجح أن يكون أطفال اللاجئين قد انفصلوا عن ذويهم، وشهدوا أفراد أسرهم يتعرضون للتعذيب أو للعنف، وقد تُعالج هذه الأحداث وتأثيراتها لاحقًا من خلال التنمية، لذا فإن التركيز الشامل مطلوب على إعادة التأهيل، والاندماج الاجتماعي، والرعاية، واللجوء، والتعليم، والدعم، والصحة والاحتياجات العلاجية.

الاندماج الاجتماعي للاجئين

تعد عملية اندماج اللاجئين عملية معقدة ومتعددة الأبعاد، ويشير إلى الاندماج في السياقات الاقتصادية والصحية والتعليمية والاجتماعية. تساهم عوامل متعددة في كيفية اندماج اللاجئين بسلاسة، بما في ذلك تجاربهم وصحتهم الجسدية والنفسية أو الدعم الاجتماعي الذي يتلقوه.

إن اندماج اللاجئين هو عملية ثنائية الاتجاه تعتمد على مدى حيلة الفرد ومدى انفتاح المجتمع. ترتبط الأبعاد الهيكلية والثقافية للاندماج ارتباطًا وثيقًا ببعضها، فالمهاجرون ذوو المناصب الاجتماعية الجيدة (التعليم العالي، والوظيفة المستقرة) لديهم اتصال غير رسمي أكثر بالمجتمع، كما ينخرط اللاجئون في مجموعة من الأنشطة لاقتصادية والاجتماعية والثقافية عبر الوطنية (على سبيل المثال، إرسال الحوالات).

أشارت الدراسات إلى بعض العقبات التي تحول دون اندماج اللاجئين في الاتحاد الأوروبي، وكان منها العنصرية والجهل اللذين اختبروهما على الصعيدين الشخصي والمؤسسي، وكون العمل مع اللاجئين يحتاج إلى نهج متعدد التخصصات وتقييم دقيق للجوانب الجسدية والعاطفية والاجتماعية والقانونية.

الاندماج الاقتصادي

يعدّ التوظيف العامل الأكثر أهمية في تأمين اندماج المهاجرين في المجتمع لأنه يتيح التفاعلات ويزيد من فرص تعلم اللغة المحلية ويوفر فرصة لبناء مستقبل واستعادة الثقة، إذ يتكيف اللاجئون الذين يعملون مع المجتمع المضيف بسهولة أكبر من العاطلين عن العمل.

تشكل عدم المقدرة على تحديد مكان العمل وكذلك البطالة الجزئية من أهم العوائق التي تحول دون اندماج اللاجئين بنجاح في المجتمع.

أثرت برامج الاندماج المختلفة التي أنشأتها البلدان للاندماج الاقتصادي للمهاجرين بشكل كبير على الوضع، إذ طورت الدول الاسكندنافية مثل السويد والنرويج برامج اندماج مكثفة برعاية الدولة، إضافة إلى اعتبار المساعدة في الإسكان والتوظيف الركيزتان الرئيسيتان في سياسات دمج اللاجئين (على الرغم من عدم المساواة بين اللاجئين وبقية السكان).

نظام الرعاية الصحية

تختلف أنظمة الرعاية الصحية والاجتماعية بين البلدان الأوروبية، فمنها من يعتمد نهج القمة إلى القاعدة ومنها العكس. تعد خدمات الصحة النفسية الهولندية للاجئين مثلًا، أكثر تراتبية وتنظيمًا من الخدمات البريطانية الأقل منهجية وذات الاختلافات الكبيرة في نطاق وجودة الخدمات، ولكنها تشمل العديد من منظمات مجتمع اللاجئين.

تختلف الصحة النفسية بين مجموعات المهاجرين، ويتأثر الوصول إلى مرافق الرعاية النفسية والاجتماعية بالإطار القانوني للبلد المضيف، إذ تتشكل خدمات الصحة النفسية ومرافق الرعاية من خلال أنماط المهاجرين السابقة لطلب المساعدة والإطار القانوني للبلد المضيف. لا يستفيد المهاجرون في العديد من البلدان الأوروبية من الخدمات الصحية والاجتماعية القائمة، وخاصة طالبي اللجوء والمهاجرين غير الشرعيين.

وعلى الرغم من تبني البلدان الأوروبية لمبادئ حقوق الإنسان وتصديقهم على ضرورة تحقيق أهداف التنمية المستدامة بما فيها القضاء على كافة أشكال اللامساواة والتمييز، إلا أن التفاوتات في التعامل مع العرب والعرق الأسود موجودة مقارنة بالتعامل مع ذوي البشرة البيضاء، الأمر الذي ظهر جليًا بعد الأزمة الأوكرانية.

هل يواجه اللاجئون العرب معايير مزدوجة بعد احتضان أوروبا للأوكرانيين؟

بحلول أوائل عام 2021، أي بعد 10 سنوات من اندلاع الصراع في سوريا، استقبلت دول الاتحاد الأوروبي مليون لاجئ وطالب لجوء سوري، وكانت ألمانيا قد استقبلت أكثر من نصفهم. كانوا قد وصلوا قبل اتفاق عام 2016 الذي دفع فيه الاتحاد الأوروبي لتركيا مليارات اليوروهات لمواصلة استضافة 3.7 مليون سوري.

أما بعد موجة اللاجئين الأوكرانيين، جاءت تصريحات مثل تصريح رئيس الوزراء البلغاري كيريل بيتكوف الذي قال: «لسنا هنا أمام موجة اللاجئين التي اعتدنا عليها ولا نعرف ماذا نفعل بها، كالأشخاص الذي لديهم ماض غير واضح» واصفًا الأوكرانيين بالأذكياء والمتعلمين والمؤهلين تأهيلاً عالياً.

رحبت الحكومة البولندية- التي تعرضت لانتقادات دولية شديدة العام الماضي لصدها موجة من المهاجرين الذين عبروا الحدود من بيلاروسيا، ومعظمهم من الشرق الأوسط وأفريقيا- بالفارين من حرب أوكرانيا.

أقامت المجر حاجزًا على طول حدودها الجنوبية لمنع تكرار تدفق الأشخاص من الشرق الأوسط وآسيا عام 2015، بينما أدى وصول اللاجئين من أوكرانيا المجاورة إلى تدفق كبير من الدعم وعروض النقل والإقامة قصيرة الأجل والملابس والطعام. تقول كل من المجر وبولندا إن اللاجئين من الشرق الأوسط الذين يصلون إلى حدودهم قد عبروا بالفعل بلدانًا آمنة أخرى عليها واجب توفير المأوى.

دفعت روابط كهذه بعض الصحفيين الغربيين إلى الإشارة إلى أن الكارثة الإنسانية في أوكرانيا تختلف عن الأزمات في سوريا أو العراق أو أفغانستان، لأن الأوروبيين يمكن أن يكونوا أقرب إلى الضحايا. أثارت تعليقاتهم موجة من الإدانات على وسائل التواصل الاجتماعي، متهمة الغرب بالتحيز.

اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة إعلان نيويورك بشأن اللاجئين والمهاجرين (2016)، والذي يؤكد من جديد على أهمية النظام الدولي للاجئين ويمثل التزامًا من قبل الدول الأعضاء لتقوية وتعزيز آليات حماية الأشخاص المتنقلين. المجتمع الدولي الآن- وكذلك المنظمات الإنسانية والأمم المتحدة- أمام مسؤولية لإعادة التكافؤ في الفرص والحماية لجميع اللاجئين ودعم اندماج اللاجئين في المجتمع لتحقيق الهدف 16 من أهداف التنمية المستدامة الذي يركز على تعزيز المجتمعات السلمية والشاملة.

المصادر:

نريد أن نعيد لمنطقتنا مجدها السابق.أتريد ذلك أيضاً؟

خلال العصر الذهبي، ساهمت منطقتنا ببعض أكبر الاختراعات والعجائب العلمية في العالم الحديث. نحن نعيد إيقاد روح المعرفة والمجد والأمل التي ألهمت المنطقة خلال هذه الفترة، ونحن بحاجة إليك.

انضم إلينا