شعر بالانفجار الهائل الذي هز بيروت في 4 أغسطس 2020، والذي أُطلق عليه مصطلح بيروتشيما تشبيهًا لما جرى في هيروشيما، سكان قبرص التي تبعد عن الشواطئ اللبنانية قرابة 160 ميلًا. قتُل بالانفجار ما لا يقل عن 180 شخصًا، وأُصيب 6000 شخصًا، وشرّد أكثر 300000 آخرين. تدمرت أجزاء كبيرة من العاصمة وألحقت الضرر بالكثير من البنى التحتية، وجاء هذا الانفجار نتيجة خطأ إداري تمثل بقبول تخزين ما يقرب من 3000 طن من نترات الأمونيوم بشكل غير آمن في الميناء في عام 2013، وعلى بعد أمتار من الأحياء المكتظة بالسكان.
ألحق الانفجار أضرارًا جسيمة بالمباني المجاورة وصوامع الحبوب والمستودعات. انهارت الأسقف، وتحطمت النوافذ والجدران، وتطايرت الأنقاض لمسافة تصل إلى ميلين من المرفأ (بي بي سي 2020). دمر الانفجار محطة الحبوب وصوامع الحبوب في المرفأ، إذ احتوت الصوامع المدمرة على كمية كبيرة من الحبوب التي كانت تمثل احتياطيات استراتيجية للبلاد، وأثرت تأثيرًا سلبيًا مباشرًا على اقتصاد لبنان المنهك أساسًا، ولم يعد يكفي احتياطي الحبوب في البلاد بعدها لأكثر من شهر واحد، ما فاقم من أزمة نقص الغذاء في البلاد.
عانى لبنان قبل ذلك من أزمة اقتصادية نجمت عن تحديات مالية هيكلية طويلة الأمد، وتدهور الوضع بشكل أكبر مع جائحة كوفيد-19. أضر الانفجار القوي في مرفأ بيروت بالعديد من مؤسسات المدينة، وهدد عملياتها وفاقم الأزمة الاقتصادية. أجرت منظمة العمل الدولية ومعهد فافو للعمل والبحوث الاجتماعية دراسة عن 1664 مؤسسة تقع في المناطق المحيطة بموقع الانفجار. حددت الدراسة خصائص المؤسسات، وتأثير الانفجار عليها وعلى العاملين فيها، وتدابير التكيف والتأقلم معها. كما تناولت آثار جائحة كوفيد-19 على هذه الشركات. جرى التحقق من صحة النتائج بشكل أكبر من خلال مناقشات في مجموعات مركزة في أغسطس 2021، مع 27 من أصحاب الأعمال والمشغلين، لمواصلة دراسة الحالة الحالية لأعمالهم.
تضرر ما مجموعه 86% من المؤسسات التي شملها المسح والواقعة في دائرة نصف قطرها خمسة كيلومترات من منطقة المرفأ بسبب انفجار المرفأ، وصنف ما نسبته 35% من الأضرار على أنه ضرر جسيم أو كامل. خفضت الشركات التي شملتها الدراسة أجور الموظفين بمقدار الثلث، ما ساهم في تراجع القوة الشرائية للمستهلكين التي تعتمد عليها الشركات في نهاية المطاف.
على الرغم من الأضرار الجسيمة التي سببها الانفجار، بقيت 40% من الشركات تعمل كما كانت قبل الانفجار، لكن بساعات عمل منخفضة أو قوى عاملة متدنية. أغلقت 14% من الشركات بشكل مؤقت أو دائم. سرحت ثلث الشركات التي شملها الاستطلاع عامل أو أكثر منذ الانفجار.
دمرت الانفجارات الحياة الليلية الشعبية ومناطق التسوق وكذلك الأحياء المكتظة بالسكان. تعرضت العديد من المستشفيات لأضرار بالغة لدرجة أنها لم تتمكن من قبول المرضى. كما أصبح من الواضح أن الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية للنقل والبناء تعني أن الحكومة أصبحت عاجزة عن الإمدادات اللازمة لإنقاذ الضحايا ومعالجتهم، مما أدى إلى كارثة إنسانية كبيرة لها آثار كبيرة على المدى الطويل.
لم تقتصر الاضرار على ذلك فحسب، بل ألحق الانفجار الضرر بالآثار الدينية والثقافية، إذ تعرض متحف سرسق لأضرار بالغة، بما في ذلك العديد من الخزفيات والأعمال الفنية في المبنى، ومن بين المعارض الفنية والمؤسسات الأخرى التي تأثرت في المدينة، غاليري تانيت، ومعرض المرفأ، ومعرض صفير سملر، ومؤسسة الصور العربية.
آثار الانفجار على السكان
أشارت التقارير إلى أن الخطر الأكبر من الانفجار كان من الزجاج المتطاير، وانفجار بهذا الحجم كان لا بد أن يتسبب في أضرار جسيمة وإصابات على مسافة تزيد عن كيلومتر واحد. تأكد مقتل 207 شخصًا في الانفجار، وإصابة أكثر من 6500 آخرين (كير 2021). نزح أكثر من 300000 شخص من منازلهم، وتسبب الانفجار في أضرار مادية تقدر بنحو 4.6 مليار دولار. تأثر بالانفجار أجانب من 22 دولة على الأقل، وكان الأجانب الأكثر تضررًا مواطنون بنغلاديشيون مع 5 وفيات و108 مصاب/مصابة. تم أيضًا الإبلاغ عن مقتل- أو فقدان- 34 لاجئًا، وإصابة 124 آخرين (مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين 2020). تسبب الانفجار بإعاقات دائمة للعديد من الأشخاص، ومن الواضح أن الكثير من الأضرار الجسدية والنفسية التي لحقت بالضحايا بسبب فقدان الأحياء وسبل العيش والذكريات المؤلمة، ستستمر مدى الحياة.
وجدت دراسة عن تأثير المواد الكيميائية في انفجار بيروت أن نترات الأمونيوم تشكل مخاطر على البيئة، وتخلق مجموعة متنوعة من الآثار الصحية مثل التسمم الكيميائي ومضاعفات الجهاز الهضمي وحتى الموت، وهذا يعني أن العديد من الأشخاص في المناطق المتضررة سيعانون من تحديات صحية مختلفة بالإضافة إلى الإصابات الجسدية والعقلية.
أما على الصعيد السياسي، فقد أدى الانفجار إلى تقديم تسعة نواب لبنانيين استقالتهم من مجلس النواب تباعًا وهم: (مروان حمادة، سامي الجميل، نديم الجميل، الياس حنكش، نعمة افرام، ميشال معوض، هنري حلو، ديما جمالي، وبولا يعقوبيان). قدم أيضًا عدد من الوزراء استقالتهم على خلفية الانفجار، وكان أولهم وزير البيئة والتنمية الإدارية دميانوس قطار، ووزيرة الإعلام منال عبد الصمد يوم 9 أغسطس، ثم في اليوم التالي وزيرة العدل ماري كلود نجم، ووزير المالية غازي وزني. وفي مساء يوم الاثنين 10 أغسطس 2020، أعلن رئيس مجلس الوزراء اللبناني حسان دياب رسميًا في كلمة إلى اللبنانيين استقالة الحكومة.
رفض الرئيس عون لاحقًا إجراء تحقيق دولي رغم طلب زعماء العالم ذلك، مشيرًا إلى إمكانية حدوث الانفجار بسبب صاروخ أو قنبلة أو أي عمل آخر تسببت به قوى خارجية. أشار ذلك إلى عدم استعداد الحكومة القيام بأي شيء للتحقيق الفعلي في الأمر والقبض على المسؤولين، رغم وعودها بالمساءلة والشفافية. كان رد الفعل الوحيد الذي ظهر هو اعتقال مسؤولين أمنيين ومسؤولي موانئ وجمارك وسياسيين كانوا على علم بالشحنة، تبعها استقالة الحكومة.
أما على صعيد الاستجابة والمجتمع المدني، فقد أدى الانفجار إلى استجابة العديد من الأشخاص في جميع أنحاء البلاد، من خلفيات مختلفة- لبنانية وغير لبنانية- الذين قرروا التحرك بسرعة لدعم الشعب المنكوب في بيروت. شهد التضامن مع الضحايا والناجين حشد آلاف المتطوعين لدعم جهود الإغاثة ودعم عمليات التنظيف والتبرع بالدم وتوفير المأوى وتوزيع الطعام وحزم الرعاية. وحّدت الاستجابة للانفجار جهود منظمات المجتمع المدني، وشملت جهودًا من سوريين وفلسطينيين مقيمين في لبنان، ما أتاح الفرصة أما هذه المنظمات والمجموعات لإعادة النظر في تنظيم جهودها وتوحيدها
حمل العديد من اللبنانيين مسؤولية هذا الانفجار لنظام الحكم الذي وصفوه بأنه قد عفى عنه الزمن، خصوصًا وأنه يقوم على ميثاق اجتماعي يقسم الأفراد ويربطهم بالقادة السياسيين على أساس الهوية الطائفية. إذا كان للبنان أن يعيد البناء حقًا ويتخطى مصيبته الأخيرة، فإن ميثاقًا اجتماعيًا جديدًا يجب أن يخرج من تحت أنقاض هذا الانفجار، ميثاق يبتعد عن القائد السياسي ويتجه نحو دولة تعترف بالتعددية الدينية الطائفية ولا تستسلم لها.
مارس المجتمع الدولي ضغوطًا غير مسبوقة على القادة اللبنانيين لإجراء إصلاحات لمكافحة الفساد، ما دفع الدولة لإنشاء أول هيئة وطنية لمكافحة الفساد. ازداد هذا الضغط بعد الانفجار، لكنه لم يكن كافيًا لإنفاذ مواد دستورية خاملة وإدخال تغييرات على النظام الطائفي والميثاق الاجتماعي.
من الواضح أن الفساد الحكومي والإهمال هما المسؤولان بشكل أساسي عن المأساة. لو استجاب المسؤولون الحكوميون للتحذيرات المتعلقة بالشحنة منذ البداية، لكان الدمار ضئيلاً. فقد كثير من الناس حياتهم، وأصيب الآلاف، وشُرد مئات الآلاف نتيجة للانفجار. كما أن حقيقة قيام الحكومة بتخزين البضائع بالقرب من منطقة سكنية وتجاهلها المستمر لتحذيرات مسؤولي الموانئ، تشهد على درجة إهمال الحكومة اللبنانية تجاه شعبها.
المصادر:
- https://www.jstor.org/stable/pdf/27035545.pdf?refreqid=excelsior%3Ab6565a0719cc47cbeac220cbc45d9b87&ab_segments=&origin=&acceptTC=1
- http://www.ilo.org/wcmsp5/groups/public/—arabstates/—ro-beirut/documents/publication/wcms_816468.pdf
- https://warontherocks.com/2020/09/lebanon-after-the-beirut-explosion/
- https://www.international-alert.org/blogs/after-beirut-explosion-lebanese-civil-society-unite-across-divides/
- https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%86%D9%81%D8%AC%D8%A7%D8%B1_%D9%85%D8%B1%D9%81%D8%A3_%D8%A8%D9%8A%D8%B1%D9%88%D8%AA_2020