كثيرًا ما يتم الخلط بين مفاهيم العلم و المعرفة والاعتقاد، ولا يميز الكثيرون الفروق الجوهرية بين هذه المصطلحات فلكل منها تعريفها واستدلالاتها وطرق اكتسابها الخاصة. وضع الفلاسفة نظرية المعرفة للتفريق بين هذه المصطلحات ولتوضيح الاختلافات بينها وتحديد وسائل الوصول إليها.
نظرية المعرفة
نظرية المعرفة أو الإبستمولوجيا Epistemology كلمة مؤلفة من جمع كلمتين يونانيتين: episteme بمعنى علم، و logos بمعنى: حديث أو علم أو نقد أو دراسة. تهتم نظرية المعرفة إذَا بدراسة العلوم النقدية. تعتبر نظرية المعرفة أحد فروع الفلسفة الذي يختص بدراسة طبيعة ومنظور المعرفة. يُعتقد أنّ الفيلسوف الاسكتلندي جيمس فريدريك فيريرين كان أول من صاغ مصطلح الإبستمولوجيا في كتابه مبادئ الميتافيزيقا الذي قسم فيه الفلسفة إلى قسمين: أنطولوجيا وإبستيمولوجيا. أما المعنى المعاصر لمصطلح إبستيمولوجية في الفلسفة العربية والفرنسية فهو: الدراسة النقدية للمعرفة العلمية. يعرف الفيلسوف الفرنسي أندريه لالاند نظرية الفلسفة بأنها فلسفة العلوم، ويصفها بأنها تختلف عن علم مناهج العلوم (ميثودولوجيا) لأنها تدرس بشكل نقدي مبادئ كافة أنواع العلوم وفروضها ونتائجها لتحديد أصلها المنطقي وبيان قيمتها.
يهتم هذا الفرع الفلسفي بشكل أساسي بتحليل طبيعة المعرفة وارتباطها بمختلف المصطلحات والترميزات بما في ذلك الحقيقة والاعتقاد والمعرفة والتعليل والتبرير. تدرس الابستمولوجيا أيضًا وسائل الوصول إلى المعرفة، وتهتم بالشكوك المتعلقة بادعاءات المعرفة المختلفة. يمكن تلخيص هدف نظري المعرفة بالإجابة على أسئلة (ما هي المعرفة؟ وما هي طرق تحصيلها؟). مع أن الإجابة عن هذه الأسئلة تتم باستخدام نظريات مترابطة، يمكن عمليًا فحص كل من هذه النظريات على حدة.
وتدرس نظرية المعرفة عملية البحث في إمكانية الحصول على المعرفة، فتواجه مشكلة الشك في الحقيقة أو التيقن منها، والتفرقة بين «المعرفة الأولية» التي تسبق التجربة وبين المعرفة التي يتم اكتسابها عن طريق التجربة أو ما يطلق عليه «المعرفة البعدية»، وتدرس الشروط التي تجعل الأحكام ممكنة والتي تسوغ وصف الحقيقة بالصدق والمطلق، إن كان هذا ممكنًا، كما تبحث نظرية المعرفة في الأدوات التي تمكّن من العلم بالأشياء، وتحدد مسالك المعرفة ومنابعها.
طرأ على مبحث نظرية المعرفة تغيرات وتعديلات أثناء تطور الفلسفة عبر تاريخها الطويل، فهو ليس وليد عصر معين أو فيلسوف معين، بل هو مفهوم متطور بشكل دائم دائماً، فقد أصبحت المعرفة منذ إيمانويل كانط ذات مكانة مركزية في الفلسفة فاقت بها كل جوانب الفلسفة الأخرى. ومنذ ذلك التاريخ لم تعد الفلسفة معرفة للعالم، بل تفكير في هذه المعرفة بالعلم أو هي معرفة بالمعرفة.
المعرفة
يعرف قاموس أوكسفورد الإنكليزي المعرفة بأنها: 1- الخبرات والمهارات المكتسبة من قبل شخص من خلال التجربة أو التعليم ؛ الفهم النظري أو العملي لموضوع، 2- مجموع ما هو معروف في مجال معين، الحقائق والمعلومات، الوعي أو الخبرة التي اكتسبتها من الواقع أو من القراءة أو المناقشة.
أما المعرفة في الاصطلاح الفلسفي فهي ثمرة التقابل بين ذات مدركة وموضوع مدرك، وتتميز عن باقي معطيات الشعور من حيث إنها تقوم في آن واحد على التقابل والاتحاد الوثيق بين هذين الطرفين. والمعرفة بهذا الشكل هي التي تحصل للذات العارفة بعد اتصالها بموضوع المعرفة، كما تطلق نظرية المعرفة على البحث في إمكان المعرفة البشرية، وفي مصادر هذه المعرفة أو الطرق الموصلة إليها.
أنواع المعرفة:
- معرفة حسية (مجرد ملاحظة بسيطة غير مقصودة، فيما تراه العين وما تسمعه الأذن وما تلمسه اليد) دون أن تتجه أنظار الشخص العادي إلى معرفة وإدراك العلاقات القائمة بين هذه الظواهر وأسبابها.
- معرفة علمية تجريبية (تقوم على أساس الملاحظة المنظمة المقصودة للظواهر وعلى أساس وضع الفروض الملائمة والتحقق منها بالتجربة وتجميع البيانات وتحليلها) ويحاول الباحث أن يصل إلى القوانين والنظريات العامة التي تربط هذه المفردات بعضها ببعض.
الفرق بين البيانات والمعلومات والمعرفة
البيانات هي مجموعة من العناصر أو القيم التي لا تعطي معنى واضحا لأنها غير معالجة أو مرتبة أو منظمة بطريقة تساعد على فهمها.
المعلومات هي البيانات المعالجة والواضحة التي تؤدي إلى زيادة الحصيلة المعلوماتية للشخص إما عن طريق إضافة حقائق جديدة، أو التأكيد والتعديل على حقائق سابقة.
أما المعرفة فتمثل مجموعة من القرارات أو الأعمال التي تعتمد على المعلومات، فهي ترتبط بالسلوك الإنساني وتعامله مع المعلومات. فالشخص الذي لديه قدر من المعرفة هو من يعرف كيف يستخدم المعلومات المتوفرة لديه.
الفرق بين العلم والمعرفة
إذا نظرنا إلى كلمة علم من حيث اشتقاقها اللغوي فسنجد أنها ترجمة للكلمة الإنجليزية science المشتقة من الكلمة اللاتينية scire ومعناها أن يعرف. وكلمة علم في اللغة العربية تحمل معنيين:
الأول: معنى واسع يرادف أي نوع من المعرفة، فيمكن القول مثلا: «لا علم لي بهذا الموضوع» أي لا أعرف عنه شيئاً أو ليس لي معرفة بهِ.
والمعنى الثاني هو معنى ضيق يرادف مصطلح العلم التجريبى science على نحو ما يتمثل في علم الفيزياء وعلم الكيمياء، وغيرها من العلوم، وهو ضرب من المعرفة المنظمة التي تستهدف الكشف عن أسرار الطبيعة بالوصول إلى القوانين التي تتحكم في مسارها. لذلك فإن مفهوم المعرفة ليس مرادفاً لمفهوم العلم، فالمعرفة شيء أوسع حدوداً ومدلولاً وأكثر شمولاً وامتداداً من العلم، والمعرفة في شمولها قد تتضمن معارف علمية وغير علمية، وتقوم التفرقة بين النوعين على أساس قواعد المنهج العلمي وأساليب التفكير التي تتبع في تحصيل المعارف. فإذا اتبع الباحث قواعد المنهج العلمي في التعرف على الأشياء والكشف عن الظواهر فإن المعرفة الحاصلة هي معرفة علمية.
الفرق بين المعرفة والاعتقاد
الاعتقاد: هو موقف الإنسان من كون شيء ما صحيحًا أو حقيقياٍ. في نظرية المعرفة، يستخدم الفلاسفة مصطلح «الاعتقاد» للإشارة إلى المواقف الشخصية المرتبطة بالأفكار والمفاهيم الصحيحة أو الخاطئة. مع ذلك، لا يتطلب «الاعتقاد» الاستبطان والحيطة.
الفرق الإبستمولوجي بين مفهومي المعرفة والاعتقاد يكمن بإمكانية تحصيل المعرفة بشكل مباشر من خلال المعلومات وإمكانية اختبارها. بينما يمكن أن نتبنى اعتقادًا ما بطرق غير مباشرة من خلال حكايا وروايات الآخرين المنقولة.
عندما يستعين الشخص بالتجربة لإثبات صحة المعتقد، يتحول المعتقد لمعرفة. فالمعتقد والمعرفة أمران نفسيان يختلفان من حيث المصدر اختلافًا تامًّا، إذ أن المعتقد كناية عن إلهام لا شعوري ناشئ عن علل بعيدة من إرادتنا، والمعرفة عبارة عن اقتباس شعوري عقلي قائم على الاختبار والتأمل.
خاتمة
إذا كان الإنسان هو مركز الدراسات الإنسانية، فإن نظرية المعرفة هي أساس هذه الدراسات وجوهرها إذ ترتبط دراستها بأهم أشكال الحياة الإنسانية وهي المعرفة البشرية. وإذا كان البشر يسعون إلى المعرفة بحكم طبيعتهم، فإن هذه المعرفة هي التي تحرر العقل من الوهم والسلوك من الغلط، ولن يتمكن الإنسان من التصرف بحكمة، دون أن يتعرف على ذاته، ويعرف عالمه، ويتخلص من عزلته، ويفتح باب التواصل مع الآخرين عن طريق اكتساب المعرفة.
المصادر:
- Britannica – Epistemology
- Stanford Encyclopedia of Philosophy –Epistemology
- Internet Encyclopedia of Philosophy – Knowledge
- Stanford Encyclopedia of Philosophy – Skepticism