يُعد الدكتور تيمور كوران، عالم الاقتصاد والسياسة والتاريخ التركي الأمريكي، ذو شهرة كبيرة في الأوساط الأكاديمية. ترجم فريق الترجمة التابع لمنظمة أفكار بلا حدود كتابه المهم «الانفصال المديد» إلى العربية وتعمل المنظمة على نشر هذا الكتاب في الشرق الأوسط. يناقش الكتاب أسباب وعواقب الانفصال الاقتصادي بين الغرب والشرق الأوسط، وهو موضوع مهم لمتابعينا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ المنطقة التي تسعى جاهدةً لهدم هذه الهوّة الكبيرة.

أفكار بلا حدود: لماذا كتبت هذا الكتاب؟

د. تيمور كوران: في العام 1000، إن وُجه لك سؤال من المنطقة التي ستقود العالم في الثورة الصناعية، فأغلب الظن سيكون جوابك الصين أو الشرق الأوسط. في تلك الفترة، كان من غير المتوقع أن تتفوق أوروبا، التي تعيش حالة ركود اقتصادي، على القوتين العظمى الاقتصادية في ذاك الوقت. ولكن الشرق الأوسط (وأنا أستخدم مصطلح الشرق الأوسط للإشارة إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا) فشل في إنشاء مؤسسات الاقتصاد الحديث بنفسه. وخلال أزمة وجودية في بدايات القرن التاسع عشر كان على الشرق الأوسط استيراد البنية التحتية للاقتصاد الحديث من الخارج وبعجالة.

ولكن ما سبب هذا الانعكاس في الحظ؟ في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، لم تُناقش نظرية متماسكة هذه المعضلة بعمق. كان هناك نظريات سطحية ويمكن فضحها بسهولة ألقت اللوم على الخارج كما لو أن الشرق الأوسط يفتقد لكل العوامل السلبية. عَزَت إحدى النظريات الطبقية المسؤولية إلى المستعمرين الأوروبيين؛ فرنسا وبريطانيا وفي نهاية المطاف الولايات المتحدة. ذهبت نظرية أخرى أبعد من ذلك، إلى نهب بغداد من قبل المغول كما لو أن ارتدادات هذا النهب ستُركع شمال أفريقيا وإسبانيا المسلمة. لم يتعب أحدٌ نفسه بالتمحيص، مستخدمًا الأدوات الحديثة في التحليل، فيما إذا كان للمؤسسات التقليدية دور في هذا الانعكاس. نعم هناك أدبيات كثيرة حول المؤسسات الأساسية في الشرق الأوسط ما قبل الحداثة مثل الوقف والتشارك الإسلامي. لكن لم يكتشف أحد كيف أن هذه المؤسسات شكّلت المسار الاقتصادي للشرق الأوسط، ولم يوجد في هذه الأدبيات شيءٌ حول كيفية تفاعل هذه المؤسسات أو كيف لم تُحاكى ابتكارات المؤسسات الغربية، أو فيما إذا كان الإسلام يقف بوجه التأقلم كما يدّعي البعض.

لم تذكر أمهات الكتب حول تاريخ الشرق الأوسط، مثل كتب شارل عيساوي أو كتب روجر أوين، المؤسسات الإسلامية. لم ينبهوا القرّاء حول الأهمية الكبرى للوقف الإسلامي، ورغم أنهم ذكروا أن الشرق الأوسط دخل القرن التاسع عشر بمؤسسات اقتصادية تناسب العصور الوسطى، لم يوفرا أي فكرة لماذا لم تتحقق التغيرات المؤسسية من خلال المبادرات المحلية. في القرون التي أدت إلى الثورة الصناعية، لماذا فشلت منطقة كان لها مرونة كبيرة في النجاح في التحديات الجديدة؟

باختصار، كتبتُ الانفصال المديد لردم هوّة كبيرة في معرفتنا حول تاريخ الشرق الأوسط. كنتُ أريد مواجهة المعضلات بقوة، من خلال دراسة كيف أثّرت مؤسسات المنطقة التقليدية الاقتصادية (كلها جزء من القانون الإسلامي، المعروف بالشريعة الإسلامية) على التطور الاقتصادي مع مرور الزمن. شعرتُ أن الإجابات ستساعد سكان المنطقة في فهم لماذا يعيشون في منطقة نامية اقتصاديًا بينما كان أسلافهم يديرون اقتصادات كانت تُعتبر سابقة عصرها.

سؤال: ما الردود التي تلقاها كتاب الانفصال المديد من الشرق الأوسط؟

د. تيمور كوران: كانت ردود أفعال الناس العاديين من صالحنا في تركيا، حيث تُرجم الكتاب بالتركية. وكذلك في إيران حيث تُرجم الكتاب إلى الفارسية. أغلب ردود الفعل الإيرانية التي تلقيتها كانت من المهاجرين الإيرانيين، لذا قد لا تكون تعبّر عن الرأي الإيراني الحقيقي. في الدولتين وفي العالم العربي تمكن الأكاديميون من الحصول على الكتاب بنسخته الإنجليزية.

كانت ردود أفعال المؤرخين الكبار مختلطة؛ بعضهم لم يكلف نفسه عناء قراءة الكتاب ربما لأن المنطق المستخدم لم يعجبهم أو لأنهم اعتبروا سؤال الكتاب بعيد اهتمامهم. لكن معظم المؤرخين الشباب كانوا متحمسين، بدا كما لو أن الكتاب فتح لهم نافذة تفكير جديدة وقدم لهم أسئلة جديدة يمكنهم البحث عن إجابات لها. أما بالنسبة لمعظم العرب فلم تتوفر لهم الفرصة للاطلاع على الكتاب حتى الآن، أنا متشوق لأرى ردود الأفعال بعد صدور الترجمة العربية للكتاب والنقاش الذي سيثيره الكتاب.

سؤال: ماذا عن ردود الأفعال من الغرب؟

د. تيمور كوران: كانت ردود الأفعال، بين القرّاء الغربيين غير المختصين، إيجابية جدًا. ظهرت عدة مراجعات مهمة في عدة منشورات بما في ذلك صحيفة الإيكونوميست وصحيفة نيويورك تايمز. ضمن المجتمع الأكاديمي، كانت ردود الأفعال إيجابية جدًا لا سيما في الاقتصاد والسياسة؛ يحاول العديد من الباحثين البناء على حجة الكتاب. ضمن دراسات الشرق الأوسط والتاريخ الإسلامي، كانت ردود الأفعال مختلطة. باستثناءات بسيطة، رفض الباحثون ما بعد الحداثيون الانخراط في نقاش حول أفكار الكتاب، وينطبق الأمر كذلك على الباحثين الذين يعملون في الباراديم المناهض للاستشراق، لقد رفضوا الكتاب دون قراءته. إن سؤال الكتاب، كما يقولون، هو سؤال مركزي أوروبي وبالتالي فهو لا يستحق النقاش. المشكلة الأساسية أن الكتاب لا يوافق سرديتهم التي تقول إن بريطانيا وفرنسا ومن بعدهم الولايات المتحدة هم من أجبروا المنطقة على التخلف عن ركب الحضارة من أجل مصالحهم. لحسن الحظ فإن باحثي المنطقة الذين ينتمون للجيل الصاعد مهتمون بسؤال الكتاب ومنهجيته واستنتاجاته.

سؤال: هل يمكننا اعتبار الانفصال المديد قد انتهى في عام 2022؟

د. تيمور كوران: لقد مرّ اقتصاد الشرق الأوسط بتحولات منذ بداية التحديث في مصر والإمبراطورية العثمانية في القرن التاسع عشر. معظم المؤسسات التي وقفت عقبة في طريق التطوير اختفت الآن وأخذت مكانها مؤسسات أخرى. من المهم أخذ هذه الإنجازات بعين الاعتبار، ولكن هناك مشاكل حقيقية. على امتداد المنطقة ولا سيما في الدول العربية فإن المجتمع المدني ضعيف، الشركات صغيرة الحجم بالمقارنة مع مثيلاتها في الدول الأخرى. يحوي مؤشر فورتشن غلوبال 1000 على القليل من الشركات التي تتخذ من الشرق الأوسط مركزًا لها وهذا يحد من نفوذ التجّار والممولين ومستثمري القطاع الخاص. إن ضعف المجتمع المدني والقطاع الخاص هو الإرث الذي تركته لنا مؤسسات ما قبل الحداثة التي أصبحت من الماضي. يتطلب الأمر وقتًا ليكمل الشرق الأوسط التحولات التي حدثت في غرب أوروبا منذ ألفية كاملة.

هناك مشكلة أخرى في المنطقة ألا وهي الثقة بين الأشخاص منخفضة بصورة دائمة في العلاقات الشخصية وهذا ينسحب على الثقة بالمؤسسات. كان التبادل محصورًا بين الأشخاص على الأقل حتى منتصف القرن التاسع عشر وفي بعض الأماكن حتى منتصف القرن العشرين. كان الناس الذين يتعاملون مع معارفهم والشركات يتفقدون للشخصية القانونية. كانت المحاكم الإسلامية تعطي أحكامًا لبشر بحد ذاتهم وليس لمجموعات أو شركات، ولكن في اقتصاد حديث يكون التبادل بين أشخاص غرباء عن بعضهم، بين أفراد وشركات وبين الشركات. كان التبادل غير الشخصي هو الأمر الطبيعي. يعتمد التبادل غير الشخصي على الثقة. في الشرق الأوسط، تملي الثقة المنخفضة تبادلًا غير شخصي. ما نطلق عليه فسادًا ينتج من الجهود الشخصية لتحويل التبادل غير الشخصي (على سبيل المثال بين دافع ضرائب ومكتب تحصيل الضرائب) إلى تبادل شخصي (مثلًا بين دافع ضرائب وجابي ضرائب كفرد بدلًا من أن يكون مسؤولًا). في أوروبا الغربية تكشّف التبادل غير الشخصي عبر العصور، لكن الشرق الأوسط لم يمتلك الوقت الكافي ليتأقلم مع المسألة. ورغم أن التحول يجري على قدم وساق، تبقى المنطقة متخلفة عن المتوسط العالمي، وهذا ما يدفعها للظهور على مؤشرات الفساد. لذا ورغم وجود تقارب في بعض الأمور يبقى الشرق الأوسط منطقةً نامية.

سؤال: كيف يمكن لمنظمة أفكار بلا حدود تجسير هذه الهوّة؟

د. تيمور كوران: تقدّم منظمة أفكار بلا حدود خدمةً جليلة من خلال الترويج للنقاش العصري حول قضايا عديدة لها أهمية حيوية للجمهور العربي. أتمنى أن تُترجم إلى العربية آلاف الكتب المهمة في مجالات مختلفة، ما يؤسس لمكتبة إلكترونية ضخمة يمكن للجميع الوصول إليها. أحثّ منظمة أفكار بلا حدود أن تعطي أولوية للكتب التي تروّج لأسئلة كبرى أو تقدّم مفاهيم وطرق جديدة للتفكير، أو إغناء النقاشات العامة الحالية. لا يحتاج كل كتاب موافقة جماعية ليخدم وظيفة ثقافية قيّمة. فقط من خلال إحياء ما أسماه الباحث الجزائري الراحل محمد أركون «اللامبالاة الواسعة» يمكن للكتاب أن يحفّز التفكير القيّم. يساعد الكتاب الآخرين على استخلاص العلاقات السببية من بيانات حول الماضي والحاضر.

في عصرنا الحالي، يتوق القرّاء العرب إلى محتوى ثقافي وهذا يُعزى جزئيًا إلى قلّة الترجمة إلى العربية، فالقرّاء العرب فقراء من ناحية القراءة حتى بالمقارنة مع جيرانهم الأتراك والإيرانيين. لا يمكن حتى وضع مقارنة بين الكتب التي تترجم إلى العربية والكتب التي تترجم إلى الفارسية والتركية رغم أن عدد سكان دول الجامعة العربية يفوق ثلاثة أضعاف عدد سكان تركيا وإيران مجتمعين. والمقارنة مع مثلًا ألمانيا أو فرنسا ترسم صورة أكثر قتامة.

 ولكن في عام 1000 كان المثقف العربي يمكنه الوصول إلى مصادر معرفية واسعة بالعربية التي كانت اللغة الرسمية للعالم الإسلامي لأسباب تتجاوز الدين. كان الكثير من المواد متوفرة بالعربية أكثر من أي لغة أخرى بما في ذلك اللاتينية ولغات أوروبا الأخرى. كان في بغداد مكتبتين في كل منها أكثر من عشرة آلاف مجلد. بالمقابل، كانت أكبر مكتبة في أوروبا تقع في روما وكان فياه أقل من عشرة آلاف مجلد. دعمت مصادر المعرفة والحكمة هذه في بغداد ومراكز التعليم الأخرى الابتكار العلمي وأشاعت أيضًا التوق للمعرفة.

بيت الحكمة 2.0، المشروع التي تعمل منظمة أفكار بلا حدود على إنشائه، يستجيب لضرورة ملحة. النتائج لا بد أن تكون كبيرة لا سيما أن الكتب ستكون متوفرة مجانًا وللجميع ومن كل مكان.

سؤال: أنت تقدم حجّة أن المؤسسات القانونية هي من أوقفت ركب منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لماذا وكيف اختلفت هذه المؤسسات عن المؤسسات الغربية عندما بدأ الانفصال؟

د. تيمور كوران: يغطي كتاب الانفصال المديد تفاصيل كثيرة، لذا سأختصر هنا. لم تختلف بعض المؤسسات في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط في عام 1000 على سبيل المثال، لكن انعكاساتها اختلفت. بقيت تنويعاتها الشرق أوسطية راكدة حتى الوقت الحالي، بالمقارنة اكتسبت قريناتها الأوروبية الزخم. مثلًا، بينما أبقى مبدأ المشاركة الإسلامي الراكد الشركات الشرق أوسطية صغيرة وذات نفوذ محدود، أنتج النموذج التشاركي الأوروبي أشكال مؤسسية رائعة لتجميع العمل ورأس المال. كما يشرح الكتاب، لعبت الاختلافات في قوانين الميراث في هذا الانفصال. أنشأت النظم الغربية وبشكل كبير حوافز لتطوير أشكال مؤسسية جديدة، وبكلمات أخرى، كي تكون ابتكارية بشأن العمل المؤسسي.

ولكن، أيضًا، في العام 1000 كان هناك اختلافات مؤسسية. لعل أهم شيء يمكن ملاحظته، استعار الغرب نظام الشراكة من القانون الروماني، وهو مؤسسة تتمتع بحكم ذاتي وتتمتع بتمثيل قانوني، لكن القانون الإسلامي في الشرق الأوسط لم يتمتع بهذا الأمر. رغم امتلاء القانون الإسلامي بمفاهيم قانونية مأخوذة من القانون الروماني، لكنه لم يأخذ قانون الشراكة. يناقش كتاب الانفصال المديد الأسباب. في الجوهر، كانت الخدمات الاجتماعية تُقدم في الغرب من خلال الشركات بينما كانت تُقدم في الشرق الأوسط من خلال الأوقاف الإسلامي. بينما كانت الجامعات تُموّل من خلال الشركات في الغرب، كانت المدارس تُموّل وتُدار من خلال الأوقاف في الشرق. كان هناك في المدن الأوروبية آلاف فروع الشركات، لكن مدن الشرق الأوسط كانت تفتقر للحكم الذاتي؛ إذ كانت الخدمات تُوفر لها من خلال الأوقاف بدلًا من الحكومة المحلية. على المدى الطويل، شاركت هذه الاختيارات المؤسسية في الانفصال بين أوروبا والشرق الأوسط. لعل أحد الأسباب كان قدرة الشركات على التأقلم مع الظروف الجديدة وإعادة توظيف الموارد بسهولة أكبر من الأوقاف. كان لهذا الأمر أهمية كبرى عند ظهور تقنيات جديدة للإنتاج. استطاعت الجامعات والحكومات المحلية الأوروبية التأقلم بشكل أفضل نسبيًا للتطورات التكنولوجية في القرن الثامن عشر والتاسع عشر.

تمتد جذور الانفصال إلى القرون الأولى للإسلام. لكن الانفصال بدأ يصبح واضحًا في القرن الثامن عشر، عندما عظّم التقدم التكنولوجي من محاسن مؤسسات الحكم الذاتي والشركات الكبرى.

سؤال: هل ما تزال الاختلافات المؤسسية المسؤولة عن الانفصال موجودة؟

د. تيمور كوران: عمومًا، أدى التحديث في القرن التاسع إلى قوانين جديدة في الشرق الأوسط. اعترفت هذه النظم القانونية الجديدة بالشركات، واعترفت أيضًا بالأشكال المؤسسية التي وُجدت لتأسيس شركات كبيرة ومرنة تضع الربح مهمةً لها وشركات غير ربحية. لذا فكل دولة في الشرق الأوسط حاليًا تملك أعمال، بمفاهيم الشركات، تماثل تلك الموجودة في الغرب. وتُقدم الخدمات للمدن في المنطقة من خلال بلديات كتلك الموجودة في باريس ولندن.

ولكن شركات المنطقة أصغر بالحجم وليست بالفعاليةّ المرجوة منها. ما تزال المنطقة تعتاد على إدارة مؤسسات كبيرة وغير شخصية، وينسحب الأمر على البلديات في مدن الشرق الأوسط التي تعاني من الفساد أكثر من مثيلاتها في الغرب. تعاني المنطقة من مشاكل مزمنة في تعديل المؤسسات غير الشخصية.

يبقى نظام الميراث الإسلامي مطبقًا في المنطقة وإن يكن بأشكال معدّلة في بعض الدول. في عصور ما قبل الحداثة، عارض نظام الميراث الحوافز للمحافظة على الأعمال على مر الأجيال. حاليًا، لا يوجد هذا الجانب السلبي في نظام الميراث الإسلامي. إن ترك رجل ألف سهم في شركة ما يمكن تقسيم هذه الأسهم بين ورثته دون إيذاء الشركة. يمكن للشركة استكمال العمل جزئيًا تحت قيادة مُلّاك جدد. تُورث الشركات عبر الأجيال.

سؤال: تقول إنه لا يوجد إصلاحات سريعة للمشاكل في الشرق الأوسط. ما هي الإشارات التي ستؤدي إلى إصلاحات طويلة الأمد؟

د. تيمور كوران: يتطور المجتمع المدني وإن كان بشكل متقطع. مما لاشك فيه، ستقع السلطات المستبدة تحت الضغط لإرخاء قبضتها على المجتمع، والسماح بالحريات الشخصية بشكل أفضل والسماح بالحريات الثقافية.

إن الثقة بالغرباء والمؤسسات أفضل من السابق، لكن هناك طريق طويل يخوضه المجتمع في هذا الجانب. إن الثقة العامة العالية أساسية لتخفيف الفساد، وعندما تكبر الثقة ستكون الدوافع لمكافحة الفساد أكثر نجاعةً وستكسب الحكومات فعالية أكبر.

من بين المصادر الأساسية لتأخر نمو الشرق الأوسط هو الحالة المتدنية للحياة الثقافية. بالمعايير العالمية يُعد هذا الأمر من بين الأسباب للإبداع المتدني. لن تكمل المنطقة سعيها دون أن تصبح منطقة ابتكار سواء في العلم والتكنولوجيا أو الفنون أو المؤسسات الاقتصادية والسياسية. أصبح نقص الوصول إلى الخطابات العالمية عائقًا لتطوير الحياة الثقافية. تخفف الثورة التكنولوجية من هذا العائق، فسكان المنطقة يستطيعون الآن الوصول إلى الإنترنت بسهولة. يمكن تحميل الكتب، التي تمنعها حكومات المنطقة للمتحدثين بالعربية، من مخدمات موجودة خارج المنطقة بصورة إلكترونية. على المدى الطويل، فإن الأفكار التي تتسرب إلى المنطقة ستغني النقاش العام، وستفتح أيضًا العقول على احتمالات جديدة.

سؤال: ما الذي تأمله من ترجمتنا لكتابك على القرّاء وعلى المنطقة ككل؟

د. تيمور كوران: دعني أبدأ بالقرّاء. عندي عدة آمال. أولًا، أن يتعلموا بضعة أشياء عن تاريخ المنطقة وثانيًا أريد منهم أن يطوروا تقديرًا للعوامل التي تروي النجاح الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال القرون الأولى للإسلام ولكن أيضًا العوامل التي أدت إلى الفشل الاقتصادي اللاحق. ثالثًا، سيؤدي الكتاب أحد مهماته إن وسع قارئه وجهة نظره حول الدين المهيمن على المنطقة من خلال تحديد وظائفه الاقتصادية. ورابعًا، آمل أن يرى القرّاء صلات بين التاريخ المؤسساتي للمنطقة وتحدياتها الحالية. حملت الأجيال السابقة على عاتقها الإصلاحات لكنهم لم يستطيعوا ولم يمحوا آثار الماضي. أخيرًا، آمل أن يدفع هذا الكتاب القرّاء لإكمال هذا المشروع.يمكنهم فعل ذلك من خلال اختبار ادعاءات الكتاب في منطقتهم. ويمكنهم أيضًا البحث أكثر وتنقيح الحجج الموجودة في الكتاب.

بالالتفات إلى المنطقة، آمل أن يحفز هذا الكتاب الخطابات المعتمدة على السياسة التي تؤدي إلى إصلاحات مثمرة. إن أعطت حكومات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المنظمات غير الحكومية مساحة أكبر سيكون ذلك خطوة كبيرة نحو الأمام. وبالمثل، ستستفيد المنطقة من خطوات تساعد على تحسين جودة المحاكم. ستزيد الثقة في المؤسسات الحكومية وكذلك الثقة بالغرباء.

شكرًا لكم. أنا ممتن أن مشروع بيت الحكمة 2.0 ترجم كتابي الانفصال المديد. وكان لي الشرف إجراء المقابلة مع منظمة أفكار بلا حدود.

نريد أن نعيد لمنطقتنا مجدها السابق.أتريد ذلك أيضاً؟

خلال العصر الذهبي، ساهمت منطقتنا ببعض أكبر الاختراعات والعجائب العلمية في العالم الحديث. نحن نعيد إيقاد روح المعرفة والمجد والأمل التي ألهمت المنطقة خلال هذه الفترة، ونحن بحاجة إليك.

انضم إلينا