يتزايد عام بعد عام عدد الشخصيات المشهورة والشركات العالمية التي تعلن في شهر حزيران يونيو تضامنها مع مجتمع الميم (LGBTQ+ Community) على منصاتها على شبكات التواصل الاجتماعي بمناسبة ما يعرف بشهر الفخر أو Pride Month، وتتزايد معها الحملات الغاضبة التي تستهدفهم بدعوى نشر الرذيلة وإظهار التسامح معها. بين هذا وذاك، يعود سؤال طبيعة الميول الجنسية والأسباب الكامنة وراء تحديدها للطفو على السطح، فهل الميول الجنسية عند الإنسان اختيارية؟ وإذا كانت كذلك،
فهل يمكنكم تذكر اللحظة التي اخترتم فيها الجنس الذي ترغبون بالانجذاب إليه لبقية حياتكم؟
ما هي الميول الجنسية
التوجه الجنسي (sexual orientation): هو نمط مستمر من الانجذاب الرومانسي أو الجنسي (أو كليهما) لأشخاص من الجنس الآخر أو من نفس الجنس أو لكلا الجنسين. تتضمن هذه الانجذابات بشكل عام المغايرة الجنسية والمثلية الجنسية وازدواجية الميول الجنسية واللاجنسية.
هل نختار ميولنا الجنسية؟
يستخدم رافضو تشريع الممارسات الجنسية المثلية حجة اختيار المثليين لميولهم ورفضهم الميول الطبيعية، وتأثرهم بشكل أو بآخر بالبروباغاندا الغربية التي «تروج» للمثلية الجنسية. في حين أن الميول الجنسية، في واقع الأمر، ليست اختيارية، ولا يمكن أن تتبدل أو تتغير مع الزمن، والترويج لها لا يعني الترويج لتحويل ميول الأشخاص الغيريين إلى ميول مثلية أو ثنائية، وإنما يعني ببساطة، تقبل الأشخاص الذين لم يختاروا ميولهم، وعانى الكثير منهم في محاولتهم لتغيير طبيعتهم لتصبح مقبولة بنظر مجتمعاتهم التي لا ترى فيهم سوى أدوات للتباهي أمام الأقران ووسيلة لاستمرار النسل واستنساخ الأسماء ونقلها من جيل إلى جيل، بغض النظر عن رغباتهم وأهدافهم الفردية التي قد تتنافى بشكل كامل مع هذه الأهداف. فإذا اتفقنا معكم أن الميول الجنسية ليست خيارًا، ما هي العوامل التي تدخل في تحديدها؟
عوامل مؤثرة على الميول الجنسية
-
عوامل جينية (المورثات)
في دراسات استقصائية اتضح أنّ التوأمين المتماثلين يتشابهان من حيث التوجه الجنسي. بحيث أنه إذا كان أحد التوأمين مثلياً. فاحتمال أن يكون الآخر مثلياً أيضاً هو 50% إن كانا متماثلين. تبيّن هذه الدراسات وجود تأثير جيني واضح وبنسبة كافية لتغليب العامل الوراثي عن العوامل الأخرى.
حديثاً تم تسخير خارطة «الجينوم البشري» بهدف البحث عن عوامل جينية محتملة تؤثر على التوجهات الجنسية عند الذكور، وتظهر الخارطة أن هناك العديد من المناطق الجينية يمكن أن يؤثر على نشوء المثلية الجنسية.
ظهرت في خارطة الجينوم البشري متواليات معينة من الحمض النووي (في ال DNA) تتوضع على ثلاث كروموسومات (7,8,10) متماثلة عند 60% إلى 70% من المثليين المشمولين بالدراسة. ترتبط المناطق المعنية على الكروموسومات (سبعة وثمانية) بتوجهات جنسية ذكورية بغض النظر عما إذا ورثها الرجل عن أمه أو عن أبيه. في حين أن المنطقة المعنية المتوضعة على الكروموسوم (10) تكون مرتبطة بتوجهات ذكورية فقط إذا كانت التشكيلات وُرثت عن الأم.
-
عوامل هرمونية
تتأثر الميول الجنسية بالبيئة الهرمونية التي ينمو بها الجنين، فالعوامل الهرمونية (خصوصاً التستوسيرون) تؤثر على بنية الدماغ وشكل الجسم. إن تأثير بعض الهرمونات التي يتناولها الأشخاص في حياتهم (للعلاج أو كمكملات رياضية) قد تبدي بعض المظاهر الشكلية والنفسية من ناحية المثلية الجنسية، ولكنها تُستبعد في الدراسات من تسببها للمثلية، لأنها غالباً ماتكون لفترات محدودة وغير واضحة المعالم. وبذلك يكون العامل الهرموني عاملًا مساعدًا للعامل الجيني الموجود أصلاً ولا يمكن له أن يحدث ثأثيراً واضحاً دون وجود الاستعداد الوراثي.
-
عوامل نفسية
لم يصل الباحثون إلى أي إثبات يدل على وجود علاقة مباشرة بين المثلية الجنسية والتجارب الاستثنائية أو الصدمات في فترة الطفولة فوجدوا أنه ليس هناك أي دليل علمي يدعم أنّ التنشئة غير الطبيعية أو التحرش الجنسي أو أي تجربة حياتية مؤذية أخرى قد تؤثر على التوجه الجنسي، لكنهم بالمقابل، وجدوا أن التوجه الجنسي يتأسس غالباً في مرحلة الطفولة، ويتعزز بوجود البيئة المحرضة، وهكذا تم وضع العامل البيئي كعامل مساعد للعامل الجيني تماماً كالعامل الهرموني.
حجج رافضي المثلية الجنسية و ثنائية الميول الجنسية
- المثلية الجنسية مرض
كان علم النفس من أول التخصصات العلمية التي درست المثلية الجنسية كظاهرة منفصلة، إذ كان علم النفس القياسي الشائع في الفترة ما قبل وخلال معظم سنوات القرن العشرين ينظر للمثلية الجنسية بوصفها اضطربًا نفسيًا. بدأ العلماء حينها باختبار صحة هذا التصنيف عبر إجراء أبحاث علمية لم تُظهر أدلة تجريبية قوية تمكّن من تصنيف المثلية الجنسية على أنها اضطراب نفسي. اتخذ عدد كبير من العاملين في المجال الطبي والصحة النفسية والعلوم السلوكية والاجتماعية موقفاً محايداً فيما يتعلق بمسألة تصنيف المثلية الجنسية كاضطراب نفسي.
منذ سبعينيات القرن العشرين أصبح هناك إجماع بين العاملين في مجال العلوم السلوكية والاجتماعية والمهن الصحية والنفسية على مستوى العالم بأن المثلية الجنسية هي شكل صحي من أشكال التوجه الجنسي. في عام 1973 ألغت الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين تصنيف المثلية الجنسية كاضطراب نفسي. وتبعها في ذلك مجلس ممثلي جمعية علم النفس الأمريكية في عام 1975. وبعد ذلك أزالت مؤسسات الصحة النفسية الكبرى حول العالم تصنيف المثلية كاضطراب نفسي بما فيها منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة.
في عام 2013، أعلنت جمعية الأطباء النفسيين اللبنانيين في بيان لها أن «المثلية الجنسية ليست خللاً عقلياً، ولا تحتاج إلى المعالجة. المثليّة الجنسية لا تشكل أي خلل في الحكم المستقيم، الاستقرار والموثوقية، أو في القدرات المهنية. المثليّة الجنسية ليست نتيجة اضطرابات أسرية أو عدم توازن في النمو النفسي». وأصدرت أيضًا الجمعية اللبنانية لعلم النفس بيانا أوضحت فيه أن «المثلية ليست اضطرابا ولا تستلزم العلاج».
بشكل عام، يتسامح المجتمع العلمي في العصر الحديث مع المثليين جنسيًا وثنائيي الميول الجنسية، كما ويعمل على إلغاء الوصمة التي تلحق بهم باعتبارهم «شواذ»، وقد تفاعلت معظم المجتمعات الأوروبية والمجتمع الأمريكي مع هذا الاتجاه وتقبلت وجود المثليين الجنسيين وتعاملت معهم كأفراد طبيعيين يمارسون أعمالهم اليومية بحرية كاملة ويحق لهم الزواج في الكثير من الدول.
العملية الجنسية تهدف لاستمرارية الجنس البشري
إحدى الحجج التي عادة ما يستخدمها رافضو المثلية الجنسية هي ربط هذا المفهوم ببقاء الجنس البشري. لكن، لا يوجد قانون طبيعي ينص على أن جميع البشر يجب أن يتصرفوا كما لو أن الحفاظ على تراثهم الجيني هو أهم أهدافهم ويعتمد عليهم فقط بشكل فردي. وهذا ينطوي على عدد من الآثار. في المقام الأول، الأنواع لا تزدهر أو تنقرض اعتمادًا على ما يفعله الأفراد، ويوجد مثال واضح جدًا على ذلك في أنواع الحشرات التي تعيش في المستعمرات: بعض الأفراد من العمال يقومون بأدوار مفيدة لبقاء المجموعة، لكنها لا تشارك بعملية التكاثر لأنها عقيمة. ما يميز التطور واختيار الأنواع هو أنه لا توجد قواعد ثابتة تقيد أو تسهل خيارات جعل سمات وراثية معينة تنتقل إلى الجيل التالي: إنها تعتمد على ظواهر المجموعة والسياق البيئي الذي يحدث في كل لحظة.
المثلية الجنسية مؤامرة غربية لتدمير مجتمعاتنا المحافظة
لا توجد المثلية الجنسية في الجنس البشري فقط، بل لوحظت في العديد من الأنواع الحيوانية، منها الشمبانزي والدولفين وقرود المكاك والأسود والبطاريق والنسور والحمام والفيلة. وفي الجنس البشري، لم تكن المثلية حكرًا على فترة زمنية محددة أو على مجتمعات دون غيرها، وبالتأكيد لم تنتشر في عصرنا الحالي فقط من خلال البروباغندا الغربية. يعود أقدم رسم لممارسات جنسية مثلية إلى 10 آلاف عام قبل الميلاد، ويعج التاريخ بعشرات النماذج الشهيرة من المثليين (أو غير الغيريين)، بما في ذلك سقراط الذي اشتهر بالعلاقة التي جمعته بألسيبياد، والخليفة العباسي محمد الأمين الذي اشتهر بعلاقة العشق الذي جمعته مع كوثر، والإلكسندر الأكبر، والشاعر أبو نواس، وليوناردو دافينشي، وويليام شيكسبير، ونيكولا تيسلا الذي يعتقد أنه كان لاجنسيًا. ويمكن لكم من خلال زيارة هذا الرابط على موقع ويكيبيديا التعرف على التسلسل الزمني لتاريخ المثليين والمثليات من القرن العاشر قبل الميلاد وحتى بداية العصر الحديث.
كل ما في الأمر أن أغلب دول العالم الأول أصبحت أكثر تقبلًا لوجود المثليين فيها بعد إثبات جمعيات الطب النفسي أن المثلية ليست مرضًا ولا اضطرابًا، وبالتالي لا يمكن «علاجها»، وبعد أن أيقنت أن تقنين منع هذه الممارسات لن يضع حدًا لها، خصوصًا مع إدراكها لموقع الحاجة الجنسية في قاعدة هرم ماسلو للاحتياجات البشرية جنبًا إلى جنب مع الماء والطعام والهواء، وفرضت قوانين تعطي المثليين وأفراد مجتمع الميم حقوقهم وتساويهم مع غيريي الجنس، وتمنع المتعصبين من الإساءة إليهم أو إيذيائهم جسديًا أو لفظيًا.
المصادر:
- Zietsch، Brendan P. (2008). “Genetic factors predisposing to homosexuality may increase mating success in heterosexuals”. Evolution & Human Behavior 29 (6): 424–433.
- Iemmola, Francesca and Camperio Ciani, Andrea (2009). “New Evidence of Genetic Factors Influencing Sexual Orientation in Men: Female Fecundity Increase in the Maternal Line”. Archives of Sexual Behavior (Springer Netherlands) 38.
- Martin، J.T.؛ Nguyen، D.H. (2004). “Anthropometric analysis of homosexuals and heterosexuals: implications for early hormone exposure”. Hormones and behavior 45: 31–39.
- Garcia-Falgueras A, Swaab DF (2010). “Sexual Hormones and the Brain: An Essential Alliance for Sexual Identity and Sexual Orientation”. Endocrine Development 17: 22–35
- Kendler، Kenneth S. (2000). “Sexual Orientation in a U.S. National Sample of Twin and Nontwin Sibling Pairs”. American Journal of Psychiatry 157 (11): 1843–1846.
- Why Is Same-Sex Sexual Behavior So Common in Animals? By Ambika Kamath, Julia Monk, Erin Giglio, Max Lambert, Caitlin McDonough.
- Habib, Samar (2012). Female Homosexuality in the Middle East Routledge.
- Bailey, N. W.; Zuk, M. (2009). “Same-sex sexual behavior and evolution’. Trends In Ecology & Evolution 24.
- Zietsch, Brendan P. (2008). “Genetic factors predisposing to homosexuality may increase mating success in heterosexuals’. Evolution & Human Behavior 29 (6): 424-433