أصدرت المحكمة الأميركية الفيدرالية العليا في شهر حزيران يونيو الماضي حكمًا ينقض حكماً سابقًا لها أُقر في عام 1973 كان يعطي المرأة الحق الدستوري بالإجهاض لتمارسه متى شاءت، وجاء الحكم الجديد ليقرر أن الإجهاض ليس من حقوق المرأة التي تضمنها المحكمة الفيدرالية العليا، ولذا فإن لكل ولاية من الولايات المتحدة الأميركية أن تقر قوانينها كيفما تشاء.

تسبب الحكم الجديد بصدمة لشريحة واسعة من المجتمع الأمريكي، وحتى على مستوى العالم معتبرين إياه سقطة مدوية في تاريخ الليبرالية في الولايات المتحدة الأمريكية. فكيف يرتبط حق المرأة بالإجهاض بقيم الحرية الشخصية وصون حقوق المرأة؟ وما هي الحجج التي يستند إليها مناهضو حق المرأة في الإجهاض، وما هو موقف مختلف دساتير دول العالم من الإجهاض؟

تعرف المعاجم الإجهاض على أنه انتهاء الحمل قبل أوانه، ويمكن أن يكون تلقائيًا ومتعمدًا:

التلقائي: هو موت الجنين تلقائيًا بسبب مرض أو صدمات أو بدون سبب واضح، قبل اكتسابه القدرة على العيش خارج الرحم. تضيف منظمة الصحة العالمية أن وزنه يجب أن يكون أقل من 500 غرام أو عمره أقل من 22 أسبوع من انقطاع الطمث، بعد هذه المدة نتكلم عن ولادة مبكرة.

المتعمد: هو الإنهاء القصدي للحمل ويحدث إما:

-لأسباب طبية كخطر الحمل على صحة الحامل أو وجود تشوهات خلقية كبيرة للجنين.
-أسباب غير طبية كرغبة الوالدين أو تحديد النسل.

تاريخ موجز عن مشروعية الإجهاض

عرف الإجهاض منذ العصور الأولى لنا كبشر، واستعملت عدة وسائل لإتمامه أبرزها؛ الأعشاب المجهضة، الضغط والصدمات على البطن، إدخال أدوات حادة إلى الرحم، الصوم وحتى الفصد، و المؤكد أن هذه العمليات كانت محفوفة بالمخاطر وتتسبب أحيانًا في وفاة الجنين والحامل.
أول دليل مسجل للإجهاض هو بردية إيبرس التي تعود لعام 1550 قبل الميلاد في الحضارة المصرية القديمة، وحوت البردية على وصفات لإتمام الإجهاض باستخدام سدادة مشبعة بالعسل وعجينة التمر.

 

ما قانون حمورابي فقد حرم الإجهاض وقضى بمعاقبة الفاعلين، واشتهر الموضوع عند اليونان والرومان، وحرمه قسم أبقراط، لكن أرسطو لم يرَ في الأمر مانعًا في حالة إجرائه في الأشهر الثلاثة الأولى للحمل.

حرّم قانون نابليون الإجهاض ومنعته أمريكا لا لاعتبارات أخلاقية لكن بسبب ضغط المنظمات الطبية لانتشار العملية في ظروف غير صحية.

بنهاية القرن الثامن عشر ومع تطور الجراحة والتعقيم والتخدير أصبحت العمليات أكثر أمانًا، خاصة مع تقنية الشفط في الفراغ (vacuum aspiration) التي حسّنها الطبيب الأمريكي كارمان إلى طريقة أكثر كفاءة تحمل اسمه method de Karman. بالتالي ساهم تطور الطب في تحويل الإجهاض من عملية خطيرة جدًا إلى إجراء روتيني وآمن يمكن القيام به خارج المستشفى.

الإجهاض في دول العالم اليوم

تختلف القوانين التشريعية للإجهاض بين الدول لاعتبارات سياسية ودينية، في عام 2017، كانت 42% من نساء العالم لا يمتلكن الحق في الإجهاض، وكانت نسبة العمليات التي تتم بسرية تامة وخارج إطار القانون حول العالم تزيد عن 50%، وتترافق مع مضاعفات صحية خطيرة. حتى اليوم، لا تزال غالبية دول إفريقيا، والشرق الأوسط، وأمريكا الجنوبية وجنوب آسيا تجرم العملية. تعد السلفادور من أكثر الدول صرامة في التعامل مع عملية الإجهاض، إذ تعاقب المجضهات بالسجن لثلاثين عامًا على الأقل، فيما تمنع مالطا الإجهاض حتى في حالة الخطر على حياة الأم.

خريطة توضح تنوع قوانين الإجهاض في العالم حسب الدولة:

اللون الأزرق الغامق: مباح قانونًا.

الأزرق الفاتح:  محظور، ولكن باستثناء حالات الاغتصاب، أو وجود خطر يهدد حياة الأم أو صحتها الجسمانية أو النفسية، وحالات تشوه المواليد، والعوامل الاجتماعية أو الاقتصادية.

الأصفر: محظور، ولكن باستثناء حالات الاغتصاب، أو وجود خطر يهدد حياة الأم أو صحتها الجسمانية أو النفسية، وحالات تشوه المواليد.

البرتقالي: محظور، ولكن باستثناء حالات الاغتصاب، أو وجود خطر يهدد حياة الأم أو صحتها الجسمانية أو النفسية.

الوردي الفاتح: محظور، ولكن باستثناء وجود خطر يهدد حياة الأم أو صحتها الجسمانية أو النفسية.

الأحمر: محظور دون استثناءات.

الأسود: يختلف حسب المنطقة.

الرمادي: غير معروف.

الجدل حول أخلاقية الإجهاض

لا يمتلك الجنين أي تصور عن ذاته وليس لديه أي طموح أو شعف للمستقبل (لغياب تجربة ذاتية مستمرة خلال الزمن) ما يعني افتقار الجنين لأي طموح في العيش، فالإجهاض مسموح أخلاقيًا.

فيلسوف الأخلاقيات الأسترالي بيتر سينغر

على الرغم من أن الجنين يتفاعل مع الألم، وحديث الأم، وما إلى ذلك، فمن المحتمل أنه لا يدرك ذلك بسبب انخفاض مستوى الأكسجين والتسكين. وبافتراض أن الوعي يتركز بشكل أساسي في القشرة الدماغية، فلا يمكن للوعي أن يظهر قبل 24 أسبوعًا من الحمل عندما تتكون الوصلات المهادية القشرية من أعضاء الإحساس وفقًا لورقة بحثية نشرت عام 2014. لذا فإن تحديد الإجهاض القانوني في فترة 24-24 أسبوعًا في العديد من البلدان أمر منطقي. يجب أيضًا أن يكون من الممكن سحب أو منع العلاج المنقذ للحياة للأطفال الخدج للغاية، خاصةً إذا كانوا مصابين بأضرار بالغة في الدماغ. قد ينطبق هذا أيضًا على الأطفال الناضجين الذين يعانون من اعتلال الدماغ بنقص التأكسج من الدرجة الثالثة، والذين لا تظهر عليهم أي علامات للوعي.

لم توافق غالبية الجمهور الأمريكي على قرار المحكمة العليا بإلغاء قرار رو. إذ أن حوالي ستة من كل عشرة بالغين (57%) لا يوافقون على قرار المحكمة بأن دستور الولايات المتحدة لا يضمن الحق في الإجهاض وأن قوانين الإجهاض يمكن أن تحددها الولايات، بما في ذلك 43% ممن يرفضون بشدة، وفقًا لمسح الصيف. حوالي أربعة من كل عشرة (41%) يوافقون، بما في ذلك 25% يوافقون بشدة.

وقد أدى الجدال حول شرعية الإجهاض إلى انقسام الناس حول العالم لفترة طويلة لمجموعتين أساسيتين، الأولى مؤيدة لحق الاختيار والثانية مؤيدة لحق الحياة، وكثيراً ما يصطدم الطرفان خلال الاحتجاجات. ويمكن تلخيص أبرز هذه الجدالات في عدة نقاط:

  • يعتقد أنصار الإجهاض القانوني أن الإجهاض إجراء طبي آمن يحمي الأرواح، في حين أن حظر الإجهاض يعرض الحوامل اللاتي يسعين للإجهاض للخطر، وينكر الاستقلالية الجسدية. بينما يعتقد معارضو الإجهاض القانوني أن الإجهاض جريمة قتل لأن الحياة تبدأ عند الحمل، وأن الإجهاض يخلق ثقافة التخلص من الحياة، وأن زيادة الوصول إلى وسائل منع الحمل والتأمين الصحي والتعليم الجنسي سيقلل من الحاجة إلى الإجهاض.
  • يهدد حظر الإجهاض الرعاية الصحية للنساء اللاتي لا يسعين للإجهاض لكنهن مضطرات للجوء إليه لسبب صحي (حالات الحمل خارج الرحم، إذ أن حالة من كل 50 حالة حمل تكون خارج الرحم). بينما يتجاهل المعارضون هذه الحقيقة وبرون أن في الإجهاض إلغاء لثقافة الحياة.
  • يتعارض حظر الإجهاض مع الحق في استقلالية الجسد ويتسبب بتداعيات كبيرة ضمن الأسرة بما في ذلك ازدياد الفقر وعدم القدرة على تغطية النفقات. بينما يرى معارضو الإجهاض أنه يمكن التغلب على الإجهاض وآثاره بزيادة الوصول إلى وسائل منع الحمل والتأمين الصحي والتثقيف الجنسي.

تشمل جدلية الإجهاض، حق النساء اللاتي حملن جراء الاغتصاب أو سفاح القربى في الإجهاض، إذ أن الحظر المفروض على الإجهاض لا يشمل حتى هذه الحالات أيضًأ، ولم يدعم مناهضو الإجهاض حق الناجيات في الإجهاض رغم التداعيات المؤثرة في حياة الأم والطفل القادم.

وبالنظر إلى آراء الشخصيات العامة في الولايات المتحدة، فقد أعاد الكاردينال جوزيف توبين من نيوجيرسي، ترديد ملاحظة في عام 2014 للبابا فرانسيس والتي ربطت الإجهاض بثقافة الإقصاء: «يمثل الإجهاض فشلًا في الاعتراف بقدسية الحياة البشرية، ويروّج لثقافة يُنظر فيها إلى حياة الإنسان في أكثر لحظاتها ضعفًا على أنها يمكن التخلص منها. يستهدف هذا الاقتراح النساء الفقيرات باعتبارهن بحاجة إلى حل مناسب لمشكلة معقدة».

أما وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين فقد صرحت أن «إلغاء حقوق المرأة في اتخاذ قرارات بشأن توقيت وقرار إنجاب الأطفال سيكون له آثار ضارة جدًا على الاقتصاد وسيؤدي إلى تراجع النساء عقودًا إلى الوراء. إذ أن الإجهاض خيار في كثير من الحالات للمراهقات، وخاصة ذوات الدخل المنخفض وغالبًا من السود، اللواتي لا يستطعن رعاية الأطفال، ولديهن حالات حمل غير متوقعة، وهذا يحرمهن من القدرة في كثير من الأحيان على مواصلة تعليمهن والمشاركة لاحقًا في القوى العاملة».

هل يمنع حظر الإجهاض عمليات الإجهاض؟

لا، ستلجأ المرأة التي تسعى لإنهاء الحمل إلى أساليب غير آمنة عندما يكون اللجوء إلى الإجهاض القانوني ممنوع، وتُعرف منظمة الصحة العالمية (WHO) الإجهاض غير الآمن بأنه «الإجراء الذي يقوم به أشخاص يفتقرون إلى المهارات اللازمة أو في بيئة لا تتفق مع الحد الأدنى من المعايير الطبية أو كليهما.» وتثبت التقديرات العالمية المستمدة من الفترة 2010-2014 أن نسبة 45٪ من جميع حالات الإجهاض المتعمّد هي حالات غير مأمونة. وثلث الحالات منها تُجرى في ظل ظروف هي الأدنى مستوى من حيث المأمونية، وبأيدٍ غير خبيرة.

وبالعودة إلى الإحصائيات فإن معدل الوفيات بسبب الإجهاض القانوني هو 0.7 حالة وفاة لكل 100 ألف عملية إجهاض. وعلى النقيض من ذلك، هناك حالة وفاة أو حالتين لكل 100 آلاف عملية جراحية تجميلية، وثلاث حالات وفاة لكل 100 ألف عملية تنظير للقولون، وثلاث إلى ست حالات وفاة لكل 100 ألف عملية جراحية، بينما في عمليات الولادة تبلغ تسع وفيات لكل 100 ألف ولادة. فهل يمكن حقًا منع النساء من الحق في الإجهاض انطلاقًا من الجدال حول خطورة الإجهاض الصحية؟

وبعد الاطلاع على وجهات النظر المختلفة المتعلقة بحقوق الإجهاض أو ضرورته في بعض الحالات، هل ترفض أو تؤيد حق النساء في الإجهاض؟

المصادر:

نريد أن نعيد لمنطقتنا مجدها السابق.أتريد ذلك أيضاً؟

خلال العصر الذهبي، ساهمت منطقتنا ببعض أكبر الاختراعات والعجائب العلمية في العالم الحديث. نحن نعيد إيقاد روح المعرفة والمجد والأمل التي ألهمت المنطقة خلال هذه الفترة، ونحن بحاجة إليك.

انضم إلينا