يؤثر التغير المناخي وعواقبه البيئية والصحية بشكل مباشر وغير متناسب على البلدان ذات الدخل المنخفض وكذلك على الفقراء في البلدان ذات الدخل المرتفع، وتشمل تأثيراته حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية أيضًا. وحتى نفهم التغير المناخي من منظور العدالة الاجتماعية علينا أن نعي كيف يؤثر على حياتنا وحياة الشعوب.

تشمل العواقب البيئية ارتفاع درجة الحرارة، وزيادة هطول الأمطار في بعض المناطق، والجفاف في مناطق أخرى، وحدوث الظواهر الجوية المتطرفة، وارتفاع مستوى سطح البحر. تؤثر هذه العواقب سلبًا على الإنتاج الزراعي، والوصول إلى المياه الصالحة للشرب، وإنتاجية العمال، وعندما تصبح الأرض غير صالحة للسكن وغير قابلة للزراعة، يُجبر الكثير من الناس على أن يصبحوا لاجئين بيئيين. أما الآثار الصحية فهي كثيرة وتشمل كافة الاضطرابات المرتبطة بالحرارة، والأمراض المنقولة بالغذاء والمياه، واضطرابات الجهاز التنفسي والحساسية، وسوء التغذية، والعنف الجماعي، ومشاكل الصحة النفسية. [1]

تهدد العواقب البيئية والصحية الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بما في ذلك الحق في الحياة، والحصول على الغذاء والماء المأمون، والصحة، والأمن، والمأوى، والثقافة. [1]

وباعتبار العدالة الاجتماعية، هي العدالة من حيث توزيع الثروة والفرص والامتيازات داخل المجتمع وضمان أن يقوم الأفراد بأدوارهم المجتمعية وأن يحصلوا على ما يستحقونه من المجتمع، [2]، يمكن القول أن التغير المناخي يؤثر بشكل ملحوظ على العدالة الاجتماعية.

وإذا ما تحدثنا على نطاق المستويات المحلية أو الوطنية، فإن العواقب البيئية والصحية السيئة للتغير المناخي تضرّ بالأشخاص الأكثر ضعفًا، بما في ذلك الفقراء، والأقليات، والنساء، والأطفال، وكبار السن، والأشخاص المصابين بأمراض وإعاقات مزمنة، والمقيمين في المناطق التي يزداد فيها معدل انتشار الأمراض المرتبطة بالمناخ، وتعرض العمال للحرارة الشديدة أو زيادة تقلبات الطقس. أما على المستوى العالمي، فإن البلدان منخفضة الدخل، التي تنتج غازات الاحتباس الحراري بشكل أقل، تتأثر سلبًا بالتغير المناخي أكثر من البلدان ذات الدخل المرتفع، والتي تنتج كميات أكبر بكثير من غازات الاحتباس الحراري ولكنها أقل تأثراً. إذ أن البلدان ذات الدخل المنخفض أقل قدرة على التكيف مع التغير المناخي مقارنة بالدول ذات الدخل المرتفع. [1]

تواجه جزر المحيط الهادئ في فيجي مثلًأ ارتفاعًا في مستوى سطح البحر، وعدم استقرار في سواحلها، وانعدامًا في الأمن الغذائي، وزيادة في شدة وتواتر الظواهر المناخية المتطرفة. ومع اعتماد أكثر من 90% من سكان هذه الجزر في معيشتهم على الساحل، والسكر والسياحة كصناعات رئيسية، فهم مهددون واقتصادهم بسبب التغير المناخي. [4]

غالبًا ما تتأثر الفئات الأكثر ضعفًا بشكل غير متناسب بتدابير التكيف مع التغير المناخي. ففي حالة عدم وجود سياسات شاملة ومصممة بشكل ملائم، يمكن لتدابير التخفيف من تغير المناخ أن تضع عبئًا ماليًا أكبر على الأسر الفقيرة، إذ قد تؤدي السياسات التي توسع النقل العام أو تسعير الكربون إلى ارتفاع أسعار النقل العام مما قد يؤثر على الأسر الفقيرة بشكل أكبر. كما أن اقتصار الأنشطة الحرجية على فترات معينة من العام يمكن أن يؤثر على مجتمعات السكان الأصليين التي تعتمد على الغابات على مدار العام لكسب عيشهم. بالإضافة إلى معالجة الآثار التوزيعية لاقتصادات إزالة الكربون، مما يحتم حاجة لفهم جوانب الإدماج الاجتماعي، والاقتصاد الثقافي والسياسي، بما في ذلك الاتفاق على أنواع التحولات المطلوبة وتحديد الفرص لمعالجة عدم المساواة الاجتماعية في هذه العمليات. [3]

الحاجة إلى التركيز على المساواة والعدالة الاجتماعية لمكافحة التغير المناخي

لا يمكن القول منطقيًا أننا نستطيع محاربة أكبر تهديد بيئي للإنسانية في الوقت الذي نتجاهل فيه قضايا المساواة والعدالة الاجتماعية، لذا علينا أن نعمل على مكافحة التغير المناخي بالتوازي مع العمل على قضية العدالة الاجتماعية. يحاول السياسيون الذين يدركون خطر التغير المناخي ونطاقه إقناع الشركات بدعم الصناعات الخضراء، قائلين إنهم سيخلقون ملايين الوظائف الجديدة وفرصًا جديدة للنمو.

هناك ثلاث استراتيجيات اتصال تساعد في معالجة تغير المناخ كقضية عدالة اجتماعية: توطين المعلومات، وتضخيم وجهات نظر المجتمع، والتشاور مع المجموعات المتأثرة. في دراسة استهدفت جمهور التلفزيون الأسترالي، أعرب 91% من 750 مشاركًا عن تفضيلهم للمعلومات المناخية المحلية على تلك التي تركز على العالمية (Holmes and Hall، 2020). تمتد أهمية توطين المعلومات المناخية إلى ما هو أبعد من جمهور التلفزيون وتنطبق على جميع وسائل التواصل والاتصال. وجد سكانيل وجيفورد (2011) أن الرسائل الإعلامية يجب أن «توضح التأثيرات المحلية والإقليمية للتغير المناخي لأنها قد تكون أكثر جاذبية من التأثيرات العالمية». ويرجع ذلك إلى الاعتقاد بأن تأثيرات التغير المناخي غالبًا ما تكون مجرد آثار تحدث بعيدًا في المستقبل ولا تتعلق بحياتنا اليومية. ومع ذلك، فعندما تتضمن الرسائل سياقًا محليًا من خلال البيانات أو الصور، يشعر الجمهور أن المعلومات أكثر صلة، مما يؤدي إلى زيادة المشاركة. [4] كما يساعد تضخيم وجهات نظر أفراد المجتمع في أن تلتقط وسائل الإعلام أصوات المجموعات التي تعاني من التغير المناخي ومن محاولاتها للتكيف معه. [4]

ظهرت مفاهيم أخرى مثل العدالة البيئية، المصطلح الذي يُستخدم «لتأطير مسألة الاحتباس الحراري ضمن إطار القضايا والمشاكل السياسية والأخلاقية، بدلًا من كونه قضية بيئية أو فيزيائية بحتة في الطبيعة، وذلك عبر ربط تأثيرات الاحتباس الحراري مع مبادئ العدالة، وتحديدًا العدالة البيئية والعدالة الاجتماعية، وعن طريق استكشاف بعض القضايا الناجمة عن الاحتباس الحراري مثل المساواة وحقوق الإنسان والحقوق الجماعية والمسؤوليات التاريخية» [5]

لماذا نحن بحاجة العدالة المناخية؟

هناك أسباب أخلاقية وقانونية وعملية للعدالة المناخية. يوجد نوعان من المنطق الأخلاقي: أحدهما يتعلق بالبنى الأخلاقية للصواب والخطأ والآخر يتخذ منظور «عواقبي» يحكم على ما إذا كان الإجراء يقدم أفضل نتيجة على النحو المتفق عليه بالموافقة المشتركة. تشمل الأطر القانونية مبادئ الإنصاف والعدالة المنصوص عليها في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ. وكان الأساس المنطقي العملي هو أن السكان أكثر ترجيحًا لدعم سياسة التغير المناخي إذا كانت عادلة. يذهب البعض إلى أبعد من ذلك، ويرى في تنفيذ سياسة عادلة لتغير المناخ فرصة لخلق مجتمع أكثر عدلاً ككل. [6]

وعلى الرغم من التقدم الكبير في العلوم والسياسات اللازمة لدعم الانتقال إلى تنمية مرنة ومنخفضة الكربون للمناخ، ما زال التحدي الأكبر بالنسبة للبلدان هو إشراك المواطنين الذين قد لا يفهمون التغير المناخي، وحشد الدعم من أولئك القلقين من تأثرهم بشكل غير عادل من سياسات المناخ. من الأهمية بمكان أن يُشرك الناس في الخيارات التي يتعين اتخاذها، ويتطلب ذلك الشفافية والوصول إلى المعلومات ومشاركة المواطنين مخاطر المناخ والنمو الأخضر من أجل إنشاء التحالفات أو الطلب من العامة تغيير السلوكيات المضرة. [3]

أظهرت الأبحاث والخبرات أن قادة المجتمع يمكنهم تحديد الأولويات والتأثير على الملكية وتصميم- وتنفيذ- برامج الاستثمار التي تستجيب لاحتياجات مجتمعهم الخاصة. يقر أحدث تقرير صادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ بأهمية الأشكال المتنوعة من المعرفة مثل المعرفة العلمية والمحلية والأصلية في بناء القدرة على التكيف مع المناخ. يمكن للابتكارات في بنية تمويل المناخ أن تربط المجتمعات والفئات المهمشة بالسياسات ذات المستوى الأعلى، والمساعدة التقنية والمالية التي يحتاجونها من أجل التأثيرات الإنمائية الفعالة ذات الصلة محليًا. [3]

تظهر الأمثلة الناشئة لممارسات التكيف والتخفيف على المستوى المحلي أنه من الممكن تحقيق أهداف التكيف وأهداف خفض الكربون بطرق عادلة اجتماعيًا. إن سياسات تغير المناخ التي تدمج العدالة الاجتماعية ليست فقط واجبًا أخلاقيًا، بل أيضًا وسيلة لتحقيق أهداف المرونة والتخفيف، من خلال القبول السياسي والاجتماعي الناتج عن السياسة العادلة. ويعد تطوير الاستجابات العادلة لتغير المناخ فرصة لتطوير الأنظمة والبنية التحتية التي ستخلق مجتمعًا أكثر مرونة وإنصافًا ككل. [6]

المصادر:

  1. https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/26615065/
  2. https://en.wikipedia.org/wiki/Social_justice
  3. https://www.worldbank.org/en/topic/social-dimensions-of-climate-change
  4. https://www.climateforesight.eu/articles/unheard-voices-climate-change-as-a-matter-of-social-justice/
  5. https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B9%D8%AF%D8%A7%D9%84%D8%A9_%D9%85%D9%86%D8%A7%D8%AE%D9%8A%D8%A9
  6. https://www.jrf.org.uk/sites/default/files/jrf/migrated/files/climate-change-social-justice-summary.pdf

نريد أن نعيد لمنطقتنا مجدها السابق.أتريد ذلك أيضاً؟

خلال العصر الذهبي، ساهمت منطقتنا ببعض أكبر الاختراعات والعجائب العلمية في العالم الحديث. نحن نعيد إيقاد روح المعرفة والمجد والأمل التي ألهمت المنطقة خلال هذه الفترة، ونحن بحاجة إليك.

انضم إلينا