يعدّ مجرد ذكر كلمة «طالبان» في العالم الغربي كفيلًا ببث الرعب في نفوس الكثيرين، فهذا التنظيم أحد التنظيمات العسكرية الإسلامية المسلحة ذات السمعة الأسوأ عالميّاً سواء على الصعيد السياسي أو على صعيد حقوق الانسان، وهو ليس بالتنظيم الجديد، فعلى الرغم من تصدره عناوين الأخبار في العامين السابقين لسيطرته على أفغانستان، فإن له تاريخ وسمعةً يمكن إرجاعهما لتسعينيات القرن العشرين، إذ لم يقتصر تأثير التنظيم السلبي على المناطق التي سيطر عليها بشكل مباشر، بل تعدى تأثيره السلبي ذلك ليؤثر في النظرة الغربيّة للشرق وللمسلمين بشكل عامّ، وأسهم من خلال ممارساته الإرهابيّة في تعزيز الإسلاموفوبيا الغربيّة أو كراهية الإسلام الغربية. 

ما هو تنظيم طالبان؟

تعدّ طالبان حركة إسلامية سياسية مسلحة نشأت في تسعينيات القرن العشرين وتحديدًا في عام 1994 في أفغانستان بهدف تطبيق الشريعة الإسلامية، إذ نشأت الحركة في البداية في المناطق القروية من باكستان، في ظل أوضاع اقتصادية واجتماعية متدهورة وحروب أهلية في المنطقة. نمت الحركة وتطورت أثناء تراجع وانسحاب قوات الاتحاد السوفييتي، ولاقت تأييدًا شعبيًا حتى سيطرت على العاصمة الأفغانية من عام 1996 إلى عام 2001. أُدينت الحركة لدعمها تنظيم القاعدة المسؤول عن أحداث 11 سبتمبر الكارثية في الولايات المتحدة، ثم أُدينت دوليًا لتطبيقها القاسي للشريعة الإسلامية، ومعاملتها الوحشية للعديد من الأفغان، حتى اتهمتها الحكومة الأفغانية السابقة بأن أفرادها من الخوارج وبأنهم يشوهون صورة الإسلام. ارتكب التنظيم أثناء فترة حكمه في أفغانستان العديد من المجازر بحق المدنيين، وأغلق الباب أمام مساعدات وإمدادات الأمم المتحدة، واتخذ سياسة الأرض المحروقة، واضطهد النساء، إذ منعهن من ارتياد المدارس، ومُنعت الرسومات والصور والموسيقى بشتى أنواعها ما عدا الدّف، وحُظرت كافة النشاطات الفنية والترفيهية، وطُبقت أحكام الشريعة الإسلامية بحذافيرها، بما فيها عقوبات قاسية كالجلد وحتى الإعدام بحق مخالفي القواعد.

مارس التنظيم إبادة ثقافية شاملة، وتسبب بإرجاع أفغانستان سنينًا للوراء، وأحالها عالمًا ديستوبيًّا، حتى أطيح بالحكم. ففي 7 أكتوبر 2001، شرعت الولايات المتحدة بمساعدة من المملكة المتحدة وكندا ودول أخرى من حلف شمال الأطلسي بعملياتها العسكرية، وقصفت طالبان والمعسكرات المرتبطة بالقاعدة، مما أجبرها على الانسحاب تدريجيًّا، إلى أن سقطت هيمنتها بالكامل في شهر ديسمبر من نفس العام. 

وقد كان من المستبعد، ومن غير المحتمل، أنه وبعد عشرين عامًا من اندثار وتراجع التنظيم، أن يعود مجددًا إلى الساحة، كقوة لا يستهان بها، ويعيد السيطرة على العاصمة الأفغانية كابُل، متصدرًا نشرات الأخبار العالميّة. لكن هذا ما حصل فعلًا منذ عامين، وتحديدًا في 15  ديسمبر عام 2021.

تحركت الفصائل التي كانت متوزعة في أفغانستان، وتحديدًا بعد معاهدة السلام التي وقعتها الحكومة الأفغانية مع الولايات المتحدة والتي تقتضي انسحاب القوات الأميركية المتبقية في أفغانستان، وإثر ذلك، بدأت طالبان بالتحرك بوتيرة سريعة وتمكنت من السيطرة على المدن الأفغانية تدريجيًا إلى أن سيطرت على العاصمة كابُل، وتحولت من تنظيم إلى دولة. وتبع ذلك انتشار فيديوهات يظهر أعدادًا هائلة من الأفغانيين الذين حاولوا التشبث بالطائرات المدنية أو التسلل إليها أثناء إقلاعها هربًا من حكم طالبان.

 تبادلت القوى الدولية الاتهامات بشأن من يتحمل مسؤولية هذا الحدث، فمنهم من ألقى اللوم على الحكومة الأفغانية خصوصًا بعد فرار رئيسها وتسليمه البلاد، ومنهم من ألقى باللوم على الحكومات الغربية وعدم تدخلها بشكل كافِ لمنع سيطرة طالبان على البلاد. 

أفغانستان بعد سيطرة طالبان: 

جلب حكم طالبان تغيرات كثيرة إلى المنطقة، اذ يقتضي نهجهم تطبيق وتفسير صارم ومتطرف لتعاليم الدين الإسلامي، وأساءت طالبان إدارة البلاد، حتى انهار اقتصاد أفغانستان خلال العام الماضي. وعلى الرغم من إعلان طالبان- قبيل الاستيلاء على السلطة مجددًا في البلاد- أنها لن تكرر نهجها أثناء حكم البلاد في تسعينيات القرن العشرين، لكن الفترة الماضية أثبتت عكس ذلك تمامًا وأكدت أن الحركة المتشددة عادت إلى نهجها الأول، فقد عادت إلى تنفيذ الإعدامات العلنية، والجلد بالسياط في الشوارع والميادين العامة، وهو ما شمل عدة أشخاص، بينهم نساء.

دفع الجفاف- الذي طال أمده- وارتفاع أسعار المواد الغذائية وفقدان الوظائف، بحوالي 25 مليون أفغاني إلى براثن الفقر، إذ يعتمد أكثر من نصف السكان الآن على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة.

حال المرأة: 

قالت الأمم المتحدة إن أفغانستان باتت الدولة الوحيدة في العالم التي تُحرم فيها الفتيات من التعليم الثانوي.

يشار إلى أن المرأة الأفغانية قد حققت الكثير من التقدم خلال العقدين الماضيين، إذ تقلدت مناصب وزارية والتحقت بسوق العمل، لكن عقب سيطرة طالبان أُرغمت النساء على البقاء في المنازل. 

ووفقًا للأمم المتحدة، ما تزال معظم المدارس الثانوية للبنات مغلقة، وفقدت العديد من النساء وظائفهن، بينما ليس لدى أخريات ولي الأمر الذكر المطلوب لمرافقتهن عند مغامرتهن بالخروج من منازلهن. ونظرا لأن العديد من النساء لم يعد بإمكانهن كسب لقمة العيش، فقد أصبحت العائلات أكثر فقرًا، وأجبرت الفتيات الصغيرات على الزواج. ازدادت معدلات العنف القائم على النوع الاجتماعي بشكل عام. 

حرية الرأي: 

رأت حركة طالبان في الصحافة والإعلام الحر خطرًا على سيادتها، فسعت للسيطرة والتضييق على الإعلاميين والصحفيين مما اضطر الكثيرين منهم للفرار خارج أفغانستان، وخسر الذين لم يستطيعوا ذلك وظائفهم أو تعرضوا للتضييق الشديد، وخاصة النساء. 

تضخم الخوف من التعبير عن الرأي وحرية المعتقد لدى معظم السكان في ظل تطبيق طالبان لعقوبات صارمة ومجحفة بحق من يخالف تعليماتها. وفي عام 2021 ألقي القبض على أكثر من 80 صحفيًا وتعرضوا للتعذيب بسبب تغطيتهم للاحتجاجات السلمية.

أشكال أخرى من الاضطهاد: 

وفقًا لمنظمة العفو الدولية، مارست حكومة طالبان اعتقالات تعسفية وغير قانونية، ولم تجر محاكمات منصفة، ومارست التعنيف والضرب والتعذيب بحق المتهمين بالتعامل مع الحكومة السابقة أو الرافضين لسيطرتها. ووفق بيانات منظمة العفو، فقد وقعت مئات عمليات القتل خارج نطاق القضاء، إذ عُثر على جثث مصابة بطلقات نارية أو عليها آثار تعذيب في أنحاء البلاد، واختفى عشرات الأشخاص، ومازال مكان وجودهم مجهولاً. في 30 أغسطس 2021، قتلت طالبان بشكل غير قانوني 13 شخصًا من عرقية الهزارة، بما في ذلك فتاة تبلغ من العمر 17 عامًا، بسبب نهجها الذي يجرّم ويقصي الأقليات.

إن مستقبل أفغانستان الحالي مرهون بثورة شعبية شاملة بالتعاون مع منظمات عالمية ودعم دولي. فقد ساهمت المنظمات الدولية كالأمم المتحدة في مساعدة الشعب الأفغاني، ووسعت مكاتبها ضمن البلاد إلى تسعة مكاتب، كما أنشأت المفوضية عددًا من مراكز التمكين حيث يمكن للمرأة أن تتلقى دروسًا في الكمبيوتر والترميز أو تتلقى التدريب والدعم في إدارة الأعمال. 

وعلى الرغم من أن طالبان أثرت سلبًا في شتى جوانب الحياة في أفغانستان، ما يزال هناك أمل للشعب الأفغاني، فالشعب الذي تمكن التخلص من طالبان مرةً، سيتمكن من التخلص منها مرة أخرى لا محالة، ولو بعد حين. 

المصادر والمراجع: 

نريد أن نعيد لمنطقتنا مجدها السابق.أتريد ذلك أيضاً؟

خلال العصر الذهبي، ساهمت منطقتنا ببعض أكبر الاختراعات والعجائب العلمية في العالم الحديث. نحن نعيد إيقاد روح المعرفة والمجد والأمل التي ألهمت المنطقة خلال هذه الفترة، ونحن بحاجة إليك.

انضم إلينا