لقد غير العلم العالم من حولنا، بعد اعتماد البشر لآلاف السنوات على الأساطير والماورائيات لتفسير الظواهر والتعامل مع الصعوبات والتحديات التي واجهوها، جاءت الأداة التي اعتمدت الاختبار والتجريب والإثبات والملاحظة، لتجزم في بعض الأمور وتقدم حلولًا لأمور أخرى. كانت الطريقة العلمية حتى الآن هي الطريقة الأكثر موثوقية التي اكتشفها البشر على الإطلاق لاكتساب المعرفة وحل النزاعات حول الحقائق.

ولكن مع كل هذه الموثوقية التي يمتلكها العلم،
هل يمكننا القول إن باستطاعته الإجابة عن كافة تساؤلاتنا؟
إذا كان الأمر كذلك، فمن المؤكد أننا سنكسب كل المعرفة في الكون بطريقة موثوقة، وإن لم يكن الأمر كذلك فالأجدر أن نتساءل كيف يمكننا معرفة أي شيء لا يمكن معرفته بالطريقة العلمية؟

افترضت الوضعانية المنطقية سابقًا أن الميتافيزيقية، أو القيمية، فارغة من أي معنى إدراكي، وبالتالي، لا تعدو كونها تعبيرًا عن مشاعرَ أو رغبات، ولذا تعتبر أن المقولات الرياضية والمنطقية والطبيعية هي التي تمتلك معنى محدد. لكن المشكلة في وجهة النظر هذه أنه لا يمكن إثباتها علميًا، لذا فالفرضية تهزم نفسها من نفس وجهة نظرها.

لنناقش بعض الأفكار التي يمكننا من خلالها الإجابة على هذا السؤال الكبير، أو ربما الاقتراب من الإجابة:

إذا كان كل شيء يحدث لسبب، فالعلم يستكشف هذه الأسباب:

إذا افترضنا أن كل شيء في الكون يحدث لسبب، والعلم أداة الإنسان لشرح حدوث هذه الأشياء، فعلينا الأخذ بالاعتبار أن العلم يقوم على الحقائق، وغالبية النظريات العلمية مثبتة أو يمكن إثباتها، وإذ تعذر إثباتها فإنها تقدم دلائل على الأقل. كنظرية «الانفجار العظيم» التي لا تمكننا الجزم من طريقة نشوء الكون، لكنها تقدم أدلة مثل وفرة الهيدروجين وإشعاع الخلفية الكونية الميكرويفي. وذلك يعني أن العلم بإمكانه أخذ التخمينات العلمية المكتسبة، ويقدم الدلائل فيما يتعلق ببعض الأشياء.

إذا جادلنا أن العلم لا يمكنه «شرح» الأشياء إلا من خلال إثباتها (كمقدرة إثبات أن العنصر الأكثر وفرة في الغلاف الجوي هو النتروجين)، فلن يتمكن العلم من معرفة كل شيء، فهناك الكثير من الأشياء التي لا يمكن البتّ فيها بشكل قاطع، كما هي حالة بدء الكون، لذا لا يمكن للعلم إلا تقديم «تخمينات علمية».

 إذا افترضنا إمكانية الحصول على معرفة كاملة بطريقة ما، فيمكن تفسير الكون وما فيه من صاحب هذه المعرفة. لكن ألا يشبه ذلك طرحنا لسؤال «هل يمكن لتفسير كل شيء أن يفسر كل شيء؟» لذا سيكون الجواب بوضوح هو نعم. ومن ثم علينا أن نتساءل إذا ما كان بإمكاننا الحصول على مثل هذه المعرفة، وسيكون الجواب هنا لا.

أثبت العلم حتى اللحظة قدرته على شرح كل شيء، لكننا لسنا في المرحلة التي تمكننا من القيام بذلك لعدة عوامل، منها نقص المعدات التكنولوجية، وعدم مقدرتنا على اختبار ما وراء عوالم نظامنا الشمسي وما شابه.

لا نحتاج عمومًا إلى مراقب في كل الأوقات لمشاهدة حدث ما من أجل معرفة كيف ومتى ولماذا حدث. إذ يمكن للمراقب أن يكون متحيزًا، كما هو الحال مع التاريخ مثلًا، فنحن لا نعيد افتعال الأحداث، بل نجمع معلومات الأحجية معًا من أجل إعطاء تفسيرنا الخاص للأحداث، ومن ثم يمكننا التساؤل إذا ما كان العلم قادرًا على شرح كل شيء بموضوعية، أو إذا ما كان بإمكانه شرح الأشياء فقط بوجود مراقب. يمكننا التطرق لتأثير دوبلر مثلًا، والذي هو فعليًا تغير ظاهري للتردد عندما تُرصد من قبل مراقب متحرك بالنسبة للمصدر الموجي. يُفترض ثبات المشاهد حتى يستطيع رصد التغير في الطول الموجي للموجات القادمة إليه من المصدر (صوتي أو ضوئي)، وعلى أساسها يستطيع تحديد فيما إذا كان الجسم مقترباً أم مبتعداً. وهنا يمكننا طرح سؤال «ما هو تردد الموجة الصوتية؟» هل هو تردد الموجات الأصلية التي نرغب في معرفتها؟ أم أنها القيمة التي ندركها عند وصولها؟ وفي هذه الحالة يمكن للعلم أن يشرح لنا كل شيء بطريقة يمكن فهمها.

التفسير دون معايير ليس تفسيرًا

 لا تتشابه التفسيرات جميعها، لأن التفسير العلمي يعطينا قدرة أكبر على التنبؤ بالمستقبل، ومن ثم القدرة على أخذ قرارات مستنيرة. لا شك في حقيقة أن لا أحد كان في الحياة الآخرة ومن ثم عاد ليخبرنا، لذا لا يمكن الكشف عن هذا الموضوع بوضوح، وهو الفرق بين العلوم الشعبية والعلم الحقيقي.

قد لا نمتلك تفسيرات قاطعة حول كيفية نشوء العالم، ولكن استخدام الميتافيزيقيا لا يقربنا من الفهم. ولعل الأجدر بنا أن نعترف بجهلنا حتى نستمر بالتساؤل. فالتفسير دون معايير ليس تفسيرًا.

من أين جاءت المادة الأصلية؟

 يخبرنا العلم أن التطور جاء من مادة لا نعرفها، فإذا كان العلم لا يعلم ماهية المادة بالضبط، فكيف له أن يعرف كل شيء؟ إذًا يمكننا القول إن العلم يشرح معظم الأشياء وليس جميعها.

يقترح باحث الدكتوراه تيم أندرسن من جامعة جورجيا، أن العلم لا يتحكم في التجريدات، وإذا نظرنا في موضوع السبب والنتيجة، يمكننا التطرق لموضوع وجود الإله، لكن التجارب في ميكانيكا الكم أظهرت أنه يمكن تبديل السبب والنتيجة. ومع ذلك، هل يعتبر ذلك مثالًا على دحض البديهية الفلسفية، التي يُفترض أنها برهان علمي؟ أم أنها حقًا مسألة مصطلحات غير محددة؟

يمكن إعادة التجارب الكمومية التي يصعب فيها معرفة فيها إذا ما كان التأثير يتبع السبب أو العكس، ومع ذلك، ليس من الممكن خلق أي نوع من التناقض بهذه الطريقة، مثل مفارقة المسافر عبر الزمن إذ يكون لدينا بالتأكيد انتهاك للسببية. يبدو أن تعريفنا للسبب والنتيجة من حيث صلتهما بميكانيكا الكم مقابل الكلاسيكية قد يكون واسعًا جدًا، ويجب أن نحصر السبب والنتيجة في نقل المعلومات القابلة للقياس. في حين أن الطريقة العلمية تفترض بديهية السببية (وبالتأكيد فإن السببية هي فرضية علمية قابلة للدحض، رغم ضعف احتمالية خطأها)، إلا أنها لا تستطيع أبدًا إثبات صحتها. وفي الواقع، لا يمكن للعلم إثبات صحة أي شيء بالطريقة نفسها التي يمكن أن يثبت بها المنطق في الرياضيات. فالنظريات العلمية، بعيدة كل البعد عن كونها صحيحة أو خاطئة، هي ببساطة أفضل أو أسوأ.

في البحث عن إمكانية العلم في الإجابة عن الأسئلة الكبرى، يصنف بيتر أتكينز-زميل كلية لينكولن بجامعة أكسفورد، ومؤلف لنحو 70 كتابًا للطلاب والقراء- هذه الأسئلة في فئتين:

الأولى أسئلة مخترعة تستند إلى استقراء غير مبرر للتجربة البشرية، مثل الأسئلة الوجودية، كلماذا نحن هنا؟ وما هي صفات الروح؟ وهي باعتقاده أسئلة غير حقيقية لأنها لا تستند إلى أدلة، ومن ثم لا فائدة من إضاعة الوقت في المحاولة عن الإجابة على مثل هذه الأسئلة.

الثانية تتعلق بسمات الكون التي توجد عليها أدلة أخرى غير التكهنات التي تحقق الرغبات بما توفره دراسة النصوص المقدسة. وهي تشمل تحقيقات في أصل الكون، وتحديدًا كيف أن هناك شيئًا ما بدلاً من لا شيء، وتفاصيل بنية الكون (لا سيما القوة النسبية للقوى الأساسية ووجود الجسيمات الأساسية)، وطبيعة الوعي. هذه كلها أسئلة كبيرة حقيقية، وهي برأيه أسئلة مفتوحة للتوضيح العلمي.

باعتقاد أتكينز أن الأسئلة الكبرى الحقيقية هي التي يمكن الإجابة عليها علميًا، لذا يمكن للعلم فقط من حيث المبدأ توضيحها، وأنه علينا ترك الأسئلة المخترعة باعتبارها أسئلة فكرية.

بالنظر إلى ما سبق، يمكن القول إن الآراء تتعدد حول إمكانية العلم من لإجابة عن كل الأسئلة، لكن بالتأكيد يحاول مساعدتنا في شرح الأشياء، والأهم من ذلك أنه يساعدنا في حل مشاكلنا، وتطور حياتنا، ورفاه جنسنا البشري.

المصادر:

نريد أن نعيد لمنطقتنا مجدها السابق.أتريد ذلك أيضاً؟

خلال العصر الذهبي، ساهمت منطقتنا ببعض أكبر الاختراعات والعجائب العلمية في العالم الحديث. نحن نعيد إيقاد روح المعرفة والمجد والأمل التي ألهمت المنطقة خلال هذه الفترة، ونحن بحاجة إليك.

انضم إلينا