هل سبق لك أن شعرت بشعور غريب بالوحدة فور استيقاظك في الصباح التالي لسهرة ممتعة مع الأصدقاء، حتى قبل أن تتمكّن من تذكّر مقدار المتعة التي حظيت بها؟ أو هل حاولت الابتعاد عن الأهل والأصدقاء لفترة وجيزة ثم ما لبثت أن تراجعت عن قرارك لإحساسك باستحالة العيش بدونهم؟
قد لا تعرف الكثير عن هذه الحالة، إلا أنها شائعة جداً وتسمى الخوف من الوحدة، والهدف منها مساعدتك على البقاء والاستمرار.
هل الخوف من الوحدة أمر طبيعي؟
كإجابة قصيرة: نعم إنه كذلك.
تقول الأخصائية النفسية د. كلوي كارمايكل من مانهاتن، بأن الخوف من الوحدة أمر شائع جدًا، ويهدف لأن تجد لك شريك. يرى علم النفس التطوّري، أن البشر حيوانات قَبَليّة، تميل للبقاء ضمن مجموعاتها، والخوف من الوحدة ما هو إلا استجابة تطوّرية تساعدهم على البقاء على قيد الحياة.
كيف يمكننا التعرّف على هذا الرهاب؟
بدايةً، لا يختلف الخوف من الوحدة من الناحية النفسية عن بقيّة المخاوف الأساسية والكونية المرتبطة بتطوّر الإنسان وبقيّة الأنواع الأخرى. يمكنك تمييز هذا الرهاب عندما يتسلل إليك شعور بالخوف بمجرّد أن تصبح بمفردك، فقد تشعر بالوحدة الشديدة، أو الملل أو القلق من كونك وحيدًا، أو أنك بحاجة دائمة لوجود شخص أو عدد من الأشخاص بجوارك لتشعر بالأمان.
عمومًا، إذا كنت تشعر بهذا الإحساس بشكل متكرر، لا بأس بذلك، فهذا أمر طبيعي تمامًا، لكن إن أصبحت هذه الحالة مستمرة، وبدأت بملاحظة نمط مستمر من الخوف أو الذعر أو الحزن الشديد في كل مرة تبتعد فيها عن أقرانك وتنعزل بمفردك، فعندها يبدأ تأثير هذه الحالة على جسدك بالظهور، وقد تسبب لك مشاكل جسديّة، كالصداع وآلام المعدة والظهر والعضلات، والنعاس الدائم.
فالأمر إذًا أكثر من مجرّد شعور بالضيق. قد يعيقك الخوف من الوحدة من النجاح في العديد من المهن، لأن العمل بمفردك قد يكون مطلوبًا لأداء وظيفيك أو من أجل تحقيق التقدم فيها دون حدوث مشاكل في التركيز أو إنجاز المهمات.
أعراض رهاب الذات أو رهاب الوحدة:
يعاني المصاب باضطراب رهاب الذات من العديد من الأعراض عندما يضطر للبقاء وحيدًا، وتتضمن هذه الأعراض ما يلي:
- القلق الشديد من البقاء وحيدًا بعيدًا عن الأقارب والأصدقاء.
- الإصابة بالرعشة والألم الصدري وخفقان القلب وزيادة في معدل التنفس وضربات القلب والغثيان.
- الشعور بالرعب الشديد عن البقاء وحيدًا.
- رغبة بالهروب من المواقف التي يضطر فيها الشخص للانعزال.
- القلق حيال ترقب الوحدة.
من أين ينشأ هذا الخوف؟
خلال رحلة تطورهم، واجه البشر وأسلافهم أخطارًا هددت استمراريتهم سواءًا كانت من الحيوانات المفترسة أو من بني جنسهم أو من البكتيريا أو حتى من العوامل الجويّة.
وضعت د. جيل سكوايرز الاختصاصية في علم نفس التطوري في جامعة كولورادو، مجموعة من الأسباب الرئيسية للخوف من الوحدة:
- يمكن أن تكون نتيجة لعدة صدمات قد تعرّض لها أسلافنا، أو كانوا فيها عرضة للخطر من حدث مروّع عندما كانوا بمفردهم ولم يجدوا من يُساعدهم للتعامل مع هذا الحدث، فتطوّرت عندهم حالة من الخوف من مجابهة الخطر المُحدق لوحدهم، ليعودوا إلى قبيلتهم التي يشعرون فيها بالأمان.
- يمكن أن يكون الخوف من الوحدة جزءًا من اضطرابات الهلع، أو اضطراب الشخصيّة الحديّة، إذ يُعدّ عدم القدرة على تهدئة الذات والخوف من الهجر من أبرز العوامل التي تلعب دورًا في ذلك، وهذا ما كان يحدث مع مجموعات الإنسان الأول عندما كان يُنفى أحد أفراد القبيلة منها.
طالما أن شعور الخوف من الوحدة تطوّريّ ومتأصل في ذاتنا، هل يمكن التغلّب عليه؟
إن تجاهل الخوف بشكل عام أمر خطير للغاية، لأن الخوف يظهر عندما يكون الفرد في حالات سلوك غير صحي، لذا فقد يكون الإلهاء استراتيجية جيّدة للتكيّف مع الخوف بدلًا من التغلّب عليه، لكن هذا لا يعني أن تُزحم نفسك في الأعمال، بل أن تُخصص مزيدًا من الوقت والجهد على الأنشطة التي تجدها مُرضية على الصعيد الشخصي، لا سيما تلك التي يمكن أن تُنجزها بمفردك.
يرى البعض بأن تجربة اليوغا أو التأمل، من شأنها أن تُعلّمك طرقًا للبقاء بحالة من الهدوء قبل أن يُسيطر الخوف عليك وإبطاء ردود الفعل عبر التركيز على أنفاسك، فما إن تصبح أكثر هدوءًا، ستكون قادرًا على الاستجابة للخوف بشكل منطقي.
ختامًا
إن نظام الخوف البشري مفتوح نسبيًا، أي أنه تم إعداده للمعايرة البيئية، والمنطق التطوري الكامن وراء تصميم الخوف الكامن داخلنا كالتالي: تطوّر البشر ليكونوا قابلين للتكيّف، وتزدهر أنواعنا في جميع المناطق المناخية، بدءًا من المناطق الاستوائية وصولًا للقطب الشمالي، ومع ذلك فإن بعض المخاطر ثابتة عبر الزمان والمكان، كمخاطر الغرق أو الاختناق.
قد يؤثر الخوف من الوحدة على علاقات الإنسان، وبخاصة أثناء بحثه عن شريكه المستقبليّ، فقد يقود هذا الخوف إلى سرعة في الاختيار فقط للخروج من منطقة الخوف والدخول لأقرب منطقة راحة موجودة، وبالتالي يكون الاختيار خاطئًا، وقد يُعامل نتيجة لهذا الاختيار بأسلوب سيّ، وهذا من شأنه أن يُفسد علاقة الشخص بنفسه، ويراكم الأفكار السلبية عن نفسه داخل مخيّلته، لذا ينصح علماء النفس بألّا تجعل خوفك من الوحدةالدافع الوحيد للارتباط.
———————–
المصادر:
- Marks, I.M. Fears, Phobias, and Rituals: Panic, Anxiety, and Their Disorders Oxford University Press, New York, NY (1987).
- National Safety Council. Injury Facts 2011 Edition National Safety Council, Itasca, IL (2011).
- Spignesi, S.J. The Shape Under the Sheet: The Complete Stephen King Encyclopedia Popular Culture, Ann Arbor, MI (1991).
- Boyer, P. & Bergstrom, B. Threat-detection in child development: An evolutionary perspective. Neuroscience & Biobehavioral Reviews 35, 1034–1041 (2011).
- https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S0191886920300064
- https://academic.oup.com/cjip/article-abstract/4/3/291/349932
- https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC3181631/