هل القتلة المتسلسلون أذكياء بدرجة أعلى من بقية البشر فعلًا؟ قد يعتقد المرء ذلك فعلًا، بناءً على ما غذى به دماغه من كتب قرأها، أو أفلام وبرامج تلفزيونية صوّرتهم غالبًا على أنهم عباقرة أنيقون شيطانيون، مثل هانيبال ليكتر، الطبيب المثقف والجرّاح اللامع.

يعزى اختلاف معدلات الذكاء بين المجرمين لعدة أسباب كاختلاف نوع القتلة في المقام الأول، وطريقتهم بارتكاب الجريمة، والدافع الكامن وراء ارتكابها، وبالتالي لا بد وأن نجد معدل ذكاء بعض القتلة المتسلسلين أعلى من المتوسط العام، البالغ نحو 94 درجة، وذلك استنادًا إلى إحصائية جامعة رادفورد التي أجرت اختبارات ذكاء على عيّنة من 202 قاتل متسلسل.

سجّلت الاحصائية أعلى درجة بلغت 165 مثلًا وذلك للقتلة الذين استخدموا القنابل في جرائمهم، مثل القاتل (تيد كازينسكي)، وأدناها بلغت 57 درجة لِ (سيمون بيريلا). كما صنّفت الإحصائية معدّل ذكاء القتلة الذي كان دافعهم الغضب بأنهم أعلى درجة من أولئك الذين كان دافعهم تحقيق مكاسب مالية، كما ويميل القتلة المنظّمون في عمليّاتهم ليكونوا أكثر ذكاءً من أولئك غير المنظمين.

وتبعًا للاحصائية ذاتها، يكون لدى القتلة المتسلسلين معدّل ذكاء مرتفع عندما يتعلّق الأمر بالكفاءة الفنيّة للجريمة، فالقتلة الذين يستخدمون القنابل نجد أنهم حققوا المعدّل الأعلى، إذ بلغ متوسط المعدّل نحو 140.3، في حين بلغت الطرق الأكثر بساطة كإطلاق النار، والطعن، ودس السُم وما إلى ذلك، درجات متوسطة تقريبًا، ولكن لا بد من الانتباه أيضًا لحجم العينة في كل حالة، إذ لا يمكن أن نبني استنتاجًا نهائيًا بناءً على ثلاث عيّنات فقط.

هل يتمتع المجرمون بـ معدل ذكاء أعلى من غيرهم؟

ولا يكفي وجود معدّل ذكاء مرتفع ليُحدد ما إذا كان الشخص سيكون قاتلًا متسلسلًا أم لا، ولا يزيد من احتمالية ظهوره، فالمؤشرات التي تدل على حدوث ذلك، تكون متعلّقة أكثر بتركيبته النفسية، وتجاربه الشخصية، كافتقاره للتعاطف مثلًا، أو يحمل شكلًا من أشكال المرض العقلي، أو ظهرت عليه سمات ثالوث ماكدونالد؛ وهو عبارة عن مجموعة من ثلاثة سلوكيات:

1-    القسوة على الحيوانات.

2-    إضرام النيران.

3-    السلس البولي (التبوّل اللاإرادي).

يُفيد وجود أي سلوكين منها، إلى تحديد الشخص المعتل اجتماعيًا، وتتنبأ بالميول العنيفة، بخاصةٍ لدى الأشخاص الذين عانوا من سوء معاملة في مرحلة الطفولة من قِبل أحد أفراد الأسرة، وما إلى ذلك.

تُرتكب معظم جرائم القتل من أشخاص يكونون على معرفة أو صلة بالضحايا، لدوافع يمكن لأغلبية الناس فهمها، إن لم يوافقوا عليها، فنجد من الناحية الاحصائية مثلًا، بأن أعلى نسبة لجرائم القتل قد ارتكبها في الواقع أشخاص على صلة ببعض كالشركاء الرومانسيين، كقتل الزوجات لأزواجهن والعكس، أو الأصدقاء لصديقاتهن والعكس، وما إلى ذلك، مع الأخذ بعين الاعتبار اختلاف النسب، لكن عند حدوث أي جريمة والتحقيق فيها عن كثب، غالبًا ما يتبيّن أن نسبة أن يكون القاتل هو من الحلقة الضيّقة كالشريك الرومانسي مثلًا، هي النسبة الأعلى. جبنًا إلى جنب مع الجرائم الأخرى التي لا تزال تحدث وتكون ناتجة عن شؤون عائليّة أو علاقات الصداقة، أو حتى بين الغرباء، كقيام لصّ مسلح بالقضاء على شهود عرفوا هويّته، أو قيام أحد بقتل آخر كان يُعنّفه أو يقوم بابتزازه ليُنهي ما يتعرّض له من إيذاء نفسي أو جسدي. فضلًا عن الأشكال الأخرى من الدوافع كالجشع، أو الخوف، أو محاولة التجنّب من المحاسبة أو العقاب.

لكن القتل بالنسبة للقتلة المتسلسلين، يُعد بمثابة «هواية» إن صح التعبير -إذ لا توجد كلمة أفضل-، إنه شيء يفعلونه لمجرّد أنهم يستمدّون منه المتعة، تمامًا كما يستمد جامع الطوابع أو العملات القديمة مثلًا المتعة عند حصوله على طابع أو عملة قيّمة ونادرة. إنهم يقتلون ليصلوا لحالة من النشوة؛ كما هو الحال في المتعة الجنسية، وهذا ما يصعب على الكثير منا فهمه.

بالإضافة لكونهم يختارون ضحاياهم ليناسبوا نوعًا معيّنًا في مخيّلتهم، قد يكون هذا النوع واسعًا جدًا، وقد يكون متفرّدًا ضيقًا، ستختلف المجالات لا محالة، لكن هناك معايير دومًا. مع ذلك، لا علاقة لهذه المعايير بمن هم الضحايا كأفراد، إذ لا يهم القاتل هويّة ضحاياه، ففي غالب الأحيان لا يحمل القاتل أي شيء شخصيّ ضد الضحية، كل ما يكسبه هو بعض من اللذة الزائلة.

لكن لو تطرّقنا للحديث عن الذكاء، من الناحية الطبيّة، سنجد اختلافًا في درجاته بين القتلة ذاتهم، إذ يختلف دماغ القاتل المُندفع لجريمته عن القاتل الذي يُخطط لها قبل ارتكابها، وبالتالي سيختلف معدّل الذكاء، فقد كشفت بعض الدراسات التي أجرتها جامعة نورث وسترن (إلينوي) اختلافًا جذريًا بين دماغ القاتل المندفع الذي لم يكن مصممًا على ارتكاب جريمته، ولم يخطط لها، وبين القاتل الذي كرّس وقته في التخطيط لكل تفاصيل جريمته قبل أن يقوم بارتكابها.

أُجريت الدراسة من قِبل الطبيب (روبوبت هانولن) على 77 قاتلًا في السجون الأمريكية، استغرق خلالها ساعات من الاختبارات، تضمّنت اختبارات نفسية، وتحديد القدرات الوظيفية والتنفيذية للدماغ، فضلًا عن اختبارات للذكاء ومهارات التخطيط وحل المشاكل، أنشأ من خلالها نموذجًا من شأنه التفريق بين دماغ هذين النوعين من القتلة من حيث الاختلافات العصبية والذكاء.

وجدت الدراسة ما نسبته 60% من القتلة المندفعين، قد عانوا في مرحلة ما من تأخرات عقلية، وبعض التخلّفات في الوظائف الإدراكية، مقارنة بأولئك أصحاب التفكير الاستراتيجي، الذين يخططون لجرائمهم، إذ لم يُظهر أحدهم أي معاناة في وظائف الدماغ، لا من حيث التفكير ولا الذكاء، لكنهم أظهروا علامات تدل على إصابتهم باضطرابات نفسية مختلفة.

قد يظنّ كثير منا بأننا مخيّرون في أفعالنا، لكننا برغم ذلك نُصدّق أوهامنا، كوننا مأسورون بما ورثناه من جينات؛ هذا ما يراه العالم في علم الجريمة العصبية الدكتور أدريان رين، إذ يرى بإن الإنسان مخيّر ضمن حدود دماغه ووظائفه، وليس في المطلق كما يظن. من هنا قد يُطرح سؤال عمّا إذا كانت الصفة الإجرامية لدى الإنسان ناتجة عن تنشئة معيشية، أو هي الفطرة التي خُلق عليها؟

ربما يكون من الصعب قليلًا أن فهم أبعاد وتأثير الظروف البيئية المحيطة بالانسان وعلى تركيبته العقلية، والبنية الفيزيائية للدماغ، إلا أن بعض الدراسات أشارت لارتباط القتلة بكثير من تلك الظروف غير المستقرة أو المتزنة التي مرّوا بها في مرحلة ما من طفولتهم، كسوء المعاملة، أو الاعتداء الجنسي، أو التنشئة في ظروف غير صحية ومرافقة للإهمال، مما يؤدي لتعرّضه للكحوليات والمخدرات في عمر مبكر، الأمر الذي يؤثر على التركيز والذكاء على حد سواء

خلاصة القول

أصبح من الصعب جدًا الإفلات من جرائم القتل هذه الأيام، بل ويصعب على القتلة المتسلسلين التغلّب على أنظمة الكشف عنهم في بعض البلدان، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن رغبتهم في القتل ستزول، فإن ما يفتقر إليه القتلة المتسلسلون في الذكاء الفائق، يعوّضونه في غرائزهم المفترسة، فهم يمتلكون شعورًا متطوّرًا للغاية أشبه ما يكون بمكر الحيوانات، والذي عادة ما يختلط علينا الأمر به ونشبّهه بالذكاء. إنهم صيّادون، لديهم غريزة التلاعب وإيجاد نقاط ضعف الناس، وغالبًا ما نخطئ في تلك الغرائز، التي من شأنها أن تُدمّر الذكاء. وبالتالي لن تجد من أمثال هانيبال ليكتر، وديكستر مورغان فإنهم مجرّد أساطير تلفزيونية.

المصادر: 

نريد أن نعيد لمنطقتنا مجدها السابق.أتريد ذلك أيضاً؟

خلال العصر الذهبي، ساهمت منطقتنا ببعض أكبر الاختراعات والعجائب العلمية في العالم الحديث. نحن نعيد إيقاد روح المعرفة والمجد والأمل التي ألهمت المنطقة خلال هذه الفترة، ونحن بحاجة إليك.

انضم إلينا