أمازون شركة عملاقة تدخل في كل شيء يخص حياة المستهلكين، فهي الوجهة الأولى لأي عملية بحث تستهدف شيء يرغب المرء بشرائه، كيف نشأت هذه الشركة وكيف تحولت من متجر افتراضي لبيع الكتب إلى شركة تبلغ قيمتها السوقية أكثر من 1.5 تريليون دولار.
أمازون وقصة التأسيس
تأسست أمازون على يد الأمريكي جيف بيزوس في سياتل بالولايات المتحدة الأمريكية. تخرج بيزوس من كلية برينستون بشهادة في الهندسة الكهربائية وشهادة في علوم الحاسوب. انضم بيزوس قبل تأسيس أمازون إلى بنك نيويورك الاستثماري عام 1990، وبعد فترة وجيزة تسلّم منصب نائب رئيس البنك، ليكون أصغر من يتولى هذا المنصب. كان بيزوس مسؤولًا عن الاستثمار في الإنترنت، وأظهرت الفرص المهولة في الإنترنت عقلية بيزوس الريادية. في عام 1994، استقال من منصبه في البنك وانتقل إلى سياتل ليؤسس هناك متجرًا افتراضيًا لبيع الكتب المستعملة سمّاه أمازون. كان بيزوس يعمل من كراج منزله وكان لديه حفنة من الموظفين، وعمل هناك على تطوير برنامج عمل المتجر، سمّى بيزوس الشركة أمازون تيمنًا باسم نهر أمازون في أمريكا الجنوبية، باعت أمازون أول كتابًا لها في يوليو 1995.
قصة صعود أمازون
بدأت أمازون كما ذكرنا آنفًا كمتجر لبيع الكتب ولكن الآن وبعد 28 عامًا من تأسيسها تحولت لشركة عملاقة تتيح اشتراكًا للأعضاء ولديها مخازن عملاقة ومتاجر للبيع بالتجزئة وأجهزة ذكية خاصة بها ونظام توصيل يمكنه توصيل الطلبات للمستهلكين في غضون ساعة.
بعد خمس سنوات من تأسيس أمازون صرّح بيزوس قائلًا: «ليس هناك ضمان أن نكون شركةً ناجحة. ما نحاول فعله معقّد جدًا». لكن أمنيات مؤسس الشركة كانت لا تماثل مستقبل الشركة العملاقة. إن امتلاك أمازون لمساحات تخزين واسعة في الولايات المتحدة ساعدها كثيرًا لتصبح أول شركة في قطاع بيع الكتب وسمحت لها مرونتها بعرض تشكيلة متنوعة من الكتب الأمر الذي كان صعبًا جدًا على منافسيها.
كانت استراتيجية بيزوس لنمو أمازون بسيطة، إن كان عليك أن تصبح الأفضل فيجب أن تكون الأكبر. لذا سعت أمازون إلى افتتاح فروع في أنحاء مختلفة من العالم، وفي بداياتها كانت تبيع في كافة الولايات المتحدة الأمريكية بالإضافة إلى بعض الأماكن في أوروبا. في عام 1998 بدأت أمازون ببيع أقراص الموسيقى المضغوطة ولاحقًا في ذلك العام أضافت بيع أقراص الفيديو. عندما بدأت الشركات تنتبه للإنترنت وكمية المال التي قد يدرّها، رأى بيزوس أهمية تنويع خدمات أمازون، وبحلول عام 2005 كانت أمازون تقدم تشكيلة متنوعة من المنتجات بما في ذلك الإلكترونيات والأجهزة، ولم تقف أمازون عند هذا الحد ففي عام 2006 قدّمت أمازون خدمة أمازون للويب (Amazon Web Services) وهي خدمة حوسبة سحابية أصبحت لاحقًا أكبر خدمة سحابية في العالم.
كيندل أول منتج لشركة أمازون
يتذكر الجميع لحظة إعلان آبل عام 2007 عن أول آيفون ما عُدَّ لحظة فارقة في تاريخ التكنولوجيا. في ذات العام أعلنت أمازون عن كيندل أول جيل من الأجهزة الذي سيغير طريقة قراءتنا ونشرنا للكتب الإلكترونية. كان كيندل بداية أمازون للدخول إلى فرع إنتاج أجهزة خاصة بها في الوقت الذي كانت الشركة تُعرف أنها تبيع الكتب عن طريق الإنترنت.
أراد بيزوس الطموح أن تنافس أمازون آبل، والتي كانت في ذاك الوقت متربعة على عرش السوق بسبب النجاح الساحق لجهاز آي بود (iPod). وُلدت في رأسه فكرة إنتاج جهاز مخصص لقراءة الكتب، ولم يرد أن ينتج حهازًا للقراءة على المدى الطويل ولكن أراد أن يعتمد الناشرون صيغة الكتاب الإلكتروني، ولكن التحدي الحقيقي كان في قلة الخبرة في تطوير الأجهزة الإلكترونية.
صُمم كيندل من قبل مهندسي أمازون بحيث يستخدم تقنية الحبر الإلكتروني (e-ink) الأمر الذي لم يكن موجودًا عند كل أجهزة القراءة الموجودة في السوق في ذاك الوقت، وكان التوجه محددًا أن يكون كيندل جهاز ذو غرض واحد وهو القراءة بدلًا من أن يكون متعدد الأغراض ويتيح التشوش بأشياء أخرى قد يقوم بها.
أطلق بيزوس في 19 نوفمبر 2007 أول جهاز كيندل بسعر يبلغ 399 دولار وأعلِن معه وجود 90 ألف كتاب إلكتروني على المتجر الخاص بشركة أمازون. تزعم أمازون أن الإصدار الأول من كيندل بيع بشكل كامل في غضون خمس ساعات
نموذج الأعمال في أمازون
منذ تأسيس أمازون صرّح بيزوس أن أمازون ليست شركة بيع بالتجزئة بل هي شركة تكنولوجيا، وهذا ما طبّقه على أرض الواقع بعد فتوحات عديدة ذكرناها أعلاه بما فيها خدمة أمازون للويب وجهاز كيندل وحتى دار نشر سُميت لاحقًا أمازون للنشر. تحولت أمازون من متجر لبيع الكتب المستعملة إلى متجر كل شيء ومن ثم عملاق التجارة الإلكترونية.
تقود أمازون أربع مبادئ: الاهتمام بالمستهلك بدلًا من التركيز على المنافسين، الشغف بالابتكار، الالتزام بالامتياز العملي، والتفكير بعيد المدى. تتوق أمازون لتكون شركة تركز على المستهلك، وأفضل موظِّف على الأرض، وأفضل مكان للعمل في الأرض.
تُقسِّم أمازون المستهلكين إلى ثلاث مجموعات رئيسية وهم البائعون والمشترون والمطورون.
البائعون وهم الشركات التي تستخدم منصة أمازون للتجارة الإلكترونية لتبيع منتجاتها لجماهيرها العريضة.
المشترون وهم ملايين الناس حول العالم الذين يحصلون على الخدمات والمنتجات التي توفرها قنوات أمازون، وتتبع أمازون قاعدة مستهلكيها من خلال بعض المزايا مثل الاهتمام والتفاعل والمعلومات الشخصية.
المطورون وهم الأشخاص المنخرطين في خدمة أمازون للويب، إذ يقول موقع خدمة أمازون للويب أن المطورين هم المستهلكون والشركاء في كل صناعة ومن كل حجم تقريبًا بما في ذلك الشركات الناشئة والشركات الكبرى ومنظمات القطاع العام.
بعد تحليل مزايا النقاط والضعف والتهديد لدى أمازون يظهر لدينا نقاط قوة أمازون وهي علامة أمازون التجارية بصفتها عملاق التجارة الإلكترونية الأول، وتوجهها نحو المستهلك بأسعار منطقية واقتراحات شخصية ونظام مراجعات يصنع مجتمع من المستهلكين الموالين للعلامة التجارية، والابتكار إذ تعمد أمازون على تطوير منتجات وخدمات بصورة دائمة بينما تطور من أعمالها الاعتيادية، والتكلفة القليلة ما يساعد على الالتفات إلى تطوير أمور أخرى، والمجموعة الكبيرة من الخيارات التي تتيح للمستهلكين اختيار ما يريدون أينما كانوا، والشركاء إذ يوجد على متجر أمازون أكثر من 2 مليار منتج من شركات تبيع على المتجر، ونظام التوزيع اللوجيستي المعروف بكفاءته وقدرته على تأمين الطلبات خلال وقت قصير.
ظروف العمل في أمازون
في سعيه لجعل أمازون أقوى شركة في العالم اكتشف جيف بيزوس شيئًا جديرًا بالإقصاء؛ العمال المياومين؛ العمال نفسهم الذين أمضوا سنوات يعملون لذات الشركة، أمازون.
تظهر بيانات أمازون أن الموظفين بعقود طويلة يتوقعون دومًا زيادات في الرواتب، ويصبحون يومًا بعد يوم أقل حماسًا للعمل، وقد يصبحون مصدرًا محتملًا للسخط الداخلي في الشركة. اعتقد بيزوس أن العمال ذوي العقود الطويلة أو ما يُطلق عليهم أصحاب الياقات الزرقاء يمثلون ميلًا نحو المحدودية، ردًا على ذلك تشجع أمازون على استقالة الموظفين، إذ تتوقف زيادة الرواتب للعمال الموسميين وتعرض الشركة علاوات إن قدم الموظف استقالته، وكما الحال مع كل استراتيجيات أمازون في العمل فقد نجحت هذه الخطة.
نُشرت صحيفة نيويورك تايمز تحقيقًا عن ظروف العمل في أمازون تقول فيه إن الموظفين في أمازون يعلمون عن الوردية الجديدة قبل يوم واحد فقط ما يؤثر على روتين عوائلهم وعندما يتواصل العمال مع قسم الموارد البشرية في أمازون عبر الهاتف لكنهم يُوجهون إلى عملية مؤتمتة تشبه قسم خدمة عملاء شركة طيران خلال عاصفة.
قبل تنحيه عن منصب الرئيس التنفيذي لأمازون، اقترح بيزوس تغيير ثقافة العمل في أمازون، إذ كتب لحملة الأسهم في الشركة: «لطالما أردنا أن نكون أكثر شركة يعتمد عليها المستهلك على كوكب الأرض والآن نريد أن نكون أفضل شركة توظِف العمال في الأرض وأكثر مكان عمل أمانًا على كوكب الأرض».
كيف نجت أمازون من فقاعة الدوت كوم
في منتصف تسعينيات القرن الماضي بدأ مستثمرون متحمسون بالاستثمار في شركات ناشئة معنية بالعمل عبر الإنترنت، وفي البداية كان عائد الاستثمار كبيرًا ما دفع مستثمرين قليلي الخبرة للمشاركة في هذه اللعبة، حذّر خبراء السوق أن هذا النشاط لا يعدو كونه فقاعة اقتصادية ستنفجر بعد فترة وتلحق ضررًا كبيرًا في الاقتصاد. تلقت أمازون في تلك الفترة استثمارات كبيرة، وكانت على شفا الانهيار مثل بقية الشركات التي أعلنت الإفلاس وأغلقت لولا الإدارة الفطنة من جيف بيزوس وعملية ضخ كبيرة لرأس المال قبل انفجار الفقاعة بقليل أنقذت الشركة من الإغلاق كما نقلت محطة سي إن بي سي في تقرير لها، ورغم ذلك خسرت أمازون 90% من قيمة سهمها خلال تلك الأزمة.
لم تقتل جائحة كورونا أكثر من مليون شخص فقط بل خنقت الاقتصاد العالمي وجعلت من بعض الصناعات في حالة ركود أدت إلى إفلاس بعضها، لكن أمازون كانت إحدى استثناءات تلك الجائحة.
مع فرض الحكومات حالة إغلاق كاملة أو شبه كاملة توجه المستهلكون نحو أمازون لتأمين احتياجاتهم للوقاية من كوفيد-19 مثل معقمات الأيدي والكمامات والمطهرات، وباستمرار الأزمة بدأ المستهلكون بطلب حاجيات المنزل وأجهزة الرياضة من أمازون. وبينما عانت الولايات المتحدة خلال الجائحة من بطالة منتشرة بسبب الإغلاق كانت أمازون توظف العمال، إذ وظفت أمازن أكثر من 250 ألف شخص لتلبية الطلبات المتزايدة، وبالمقابل كسبت أمازون أرباحًا مهولة، وفقًا لدراسة أجرتها صحيفة نيويورك تايمز فإن أرباح أمازون بلغت 200%، والمبيعات صعدت بنسبة 37% عن عام 2019 وبأرباح تبلغ 6.3 مليار دولار. لم تزيد الجائحة أرباح الشركة فقط بل ساعدت في توسعتها، إذ زادت أمازون بنيتها التحتية بنسبة 50% عام 2020، ولأول مرة في تاريخ الشركة الممتد على 28 عامًا توظِف أمازون أكثر من مليون شخص حول العالم.
ضربت الجائحة على مستويات عميقة في بنية الاقتصاد العالمي، إذ عانت سلسلة الإمداد العالمي بشدة من تبعات الجائحة، وهذا ما عانت منه أمازون في البداية إذ توفر الشركة خدمة الشحن الدولي ما يعني دخولها في معترك تلك الأزمة، لكن وكالعادة أمازون تستطيع التغلب على العقبات، إذ ينقل تقرير إنفاق أمازون أكثر من 61 مليار دولار على الشحن عام 2020 بينما كانت يبلغ الرقم 37 مليار عام 2019، وانتقلت أمازون بسرعة إلى شحن 72% من طرودها بنفسها دون الاعتماد على شركات شحن خارجية.