«ابن خلدون العراق»، هكذا يطلق البعض على الكاتب والمفكر وعالم الاجتماع والمؤرخ العراقي علي الوردي، الذي عرف بتبنيه النظرية الاجتماعية الحديثة لتحليل الواقع الاجتماعي العراقي واشتهر بكونه رائدًا من رواد العلمانية في العراق. 

تعتبر دراسة علي الوردي للشخصية العراقية الأهم من نوعها، ومن الممكن أن نستفيد منها كمنهج للبحث لباقي بلدان الشرق الأوسط. وقد حلل طبيعة المجتمع العراقي ووصفه بالمجتمع المتناقض الذي يعيش بين نارين، نار حياة البداوة والبساطة ونار الحياة الحضرية.

لم يثر كاتب أو مفكر عراقي مواضيع وأفكار جريئة ومتمردة على المجتمع مثلما أثاره علي الوردي. وكان من البديهي أن يتعرض للنقد والتجريح والهجوم من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار (حيث صدر حول أفكاره خمسة عشر كتابا ومئات المقالات)، حتى انطبق عليه المثل العراقي المعروف «مثل السمك مأكول مذموم».

تخرج علي الوردي من الجامعة الأميركية في بيروت ثم حصل على شهادة الماجستير وبعدها الدكتوراه من جامعة تيكساس في الولايات المتحدة عام 1950. كما تقلد عدة مناصب، منها مدرساً لعلم الاجتماع في كلية الآداب في جامعة بغداد، ثم حصل على لقب أستاذ متمرس عام 1970.

كتب الوردي ثمانية عشر كتاباً ومئات البحوث والمقالات تطرق فيها لعشرات المواضيع أهمها الإصلاح الاجتماعي، وبخاصة حركة الإصلاح الاجتماعي حول المجتمعات العربية والإسلامية لمعرفة أسباب التخلف والرجعية وكيفية الانسلاخ والخروج منهما. كما اصطبغت مؤلفات الوردي بطابع أنثروبولوجي   إذ حلل أصول المهاجرين، وبحث في عادات وتقاليد المجتمع العراقي المنحدرة من عهود الخلافة. 

ولكي نبدأ بداية صحيحة بالتعرف على الوردي ومحاولاته الإصلاحية، لا بد لنا أولًا أن نتطرق لمفاهيم الإصلاح والإصلاح الاجتماعي، ونوضح الفرق بين الإصلاح الاجتماعي والثورة.

 الإصلاح لغة: “من صَلُحَ: الصلاح: ضد الفساد، ورجل صالح في نفسه من قوم صلحاء، ومصلح في أعماله وأموره وقد أصلحه الله، وأصلح الشيء بعد فساده: أقامه.
و(الإصلاح) ضد الإفساد. و(المصلحة) واحدةُ (المصالح) و(الاستصلاح) ضد الاستفساد.

أما الإصلاح الاجتماعي، وفق المركز الديمقراطي العربي، فهو تحسين الأحوال الاجتماعية عن طريق تعديل في بعض النظم الاجتماعية دون أن يؤدي إلى تغيير شامل في البناء الاجتماعي بشكل جذري. وبناءً على ذلك فالثورة هي التغيير المفاجئ والسريع في الكيان الاجتماعي لتغيير الأحوال وبناء النظام الاجتماعي بناءً جذريا.

التغيير لا يمكن أن يبدأ إلا بالفرد

يقول علي الوردي: «ينبغي أن نفهم أن التجديد في الفكر لا يعني التشدق بالمصطلحات الحديثة، إنه بالأحرى تغيير عام في المقاييس الذهنية التي يجري عليها المرء في تفكيره» فالمرجعية الفكرية والفلسفية عند الوردي تنسلخ وتبتعد عن التراث وعن التغني بالقديم والتمسك بها. 

أكد الوردي في مقالاته وكتبه على أن التغيير ينطلق أولاً من الفكر ثم يمتد وينتقل إلى المجتمع والمحيط، ورأى أن التغيير يبدأ بملاحظة المشكلة، وهذه الملاحظة تأتي من خلال تقبل ومراقبة الأفكار الأخرى، إذ شبه الطريقة الفكرية السائدة بالقوة اللاشعورية المطبقة على العقل كما يطبق الغلاف الجوي على الأفراد دونما إحساس منهم بتأثيره إلا بتغيير المكان أو بالانتقال لمكان مرتفع وكذلك هي هذه القوة اللاشعورية، لا يلاحظ وجودها إلا بالانتقال لبيئة أخرى أو بالتعرض لمنظومات تفكير مختلفة. حيث يقول: 

«من الصعب على الإنسان، أو من المستحيل أحياناً، أن ينظر في الأمور بحرية تامة. وقد يتراءى لبعض المغفلين أنهم أحرار في تفكيرهم، وسبب ذلك أن الإطار الفكري قيد لا شعوري موضوع على عقولهم من حيث لا يحسون به. فهو بهذا الاعتبار كالضغط الجوي الذي نتحمل ثقله الهائل على أجسامنا دون أن نحس به. وقد نحس به بعض الإحساس إذا تحولنا إلى مكان آخر يتغير فيه مقدار الضغط. عندئذ نشعر بأننا كنا واهمين»

يرى الوردي أن الحقيقة لا تدرك إلا عن طريق البحث والمناقشة والتفكير، وليس الاحتكام لتقاليد وأفكار الأسلاف، فهو يدعو للتجديد والإصلاح، انتقد رجال الدين ووعاظ السلاطين في كتابه المسمى بهذا الاسم، إلا أنه ينتقد الدين بحد ذاته، بل انتقد تجار الدين الذين يستغلونه لصالحهم. 

الوردي العلماني

دعا الوردي إلى فصل الدين عن السياسة وإقامة دولة عمانية، لكنه لم يهاجم الدين بل بالعكس أكد على أهميته لقيام مجتمع متماسك، مع تحفظه على الأشخاص الذين استغلوا الدين ووصلوا إلى سدة الحكم، ولهذا دعا إلى فصل الدين عن الدولة. كما دعا إلى إعادة النظر في الخطاب الديني وتجديده وضرورة أن ننزل من أبراجنا العاجية والنظر إلى الواقع نظرة موضوعية بعيدة عن المثالية. كما دعا إلى نبذ الأفكار والنزعات الطائفية واعتبار الخلافات بين الطوائف خلافات تاريخية وسياسية أكثر من كونها دينية وعقائدية ومذهبية، ودعى إلى ضرورة التخلص منها والتحرر من قيود الطائفة والعشيرة كي ننهض بمجتمع سليم. 

المنهج التجريبي هو الأساس

دعا الوردي إلى إنشاء «علم اجتماع عربي» يدرس مجتمعاتنا في ضوء خصوصيتها الجغرافية والتاريخية والثقافية، وهو ما نهض به عملياً من خلال منهج استقرائي نقدي لا يؤمن بالمسلمات، فكل شيء عنده لا بد أن يخضع للمنهج التجريبي حتى يمكن الحكم عليه، وهو ما قام بتطبيقه بامتياز في دراساته الاجتماعية والتاريخية التي لا تقيم وزناً للعواطف، فالطبيعة البشرية عنده «لا يمكن إصلاحها بالوعظ المجرد فهي كغيرها من ظواهر الكون تجري حسب نواميس معينة، ولا يمكن التأثير في شيء قبل دراسة ما جبل عليه من صفات».

الحرية ضرورة لبناء المجتمعات المتماسكة

كما رأى الوردي أن الديمقراطية هي مفتاح لبناء مجتمع متماسك، فدعا العراقيين لتبنيها، ونشر ثقافة حرية الرأي والمعتقد والتفاهم والحوار دون أن تفرض فئة أو قبيلة أو طائفة بعينها رأيها. 

ورأى أن كل شيء في العالم في حركة دائمة وتغيير، ولا يمكن أن تدرس ظاهرة اجتماعية ما بمعزل عن محيطها وعن السياق الاجتماعي الذي يتضمنها. لذلك يعد الإصلاح الاجتماعي أمرا شاملاً وواسعاً يشمل المجتمع بأكمله. 

المصادر:

https://www.marefa.org/%D8%B9%D9%84%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B1%D8%AF%D9%8A

https://democraticac.de/?p=26853

https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B9%D9%84%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B1%D8%AF%D9%8A

كتاب علي الوردي، لإبراهيم الحيدري

https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B9%D9%84%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B1%D8%AF%D9%8A

نريد أن نعيد لمنطقتنا مجدها السابق.أتريد ذلك أيضاً؟

نحن نعيد إيقاد روح المعرفة والمجد والأمل التي ألهمت المنطقة خلال هذه الفترة، ونحن بحاجة إليك.

انضم إلينا