يريد الكثير من الناس حظر المواد الإباحية ولكن لا أحد يتحدث حقًا عن حظر الفن الإيروتيكي، فكلاهما تمثيلات. كيف نرسم الخط الفاصل بين الإيروتيكية «الجيدة» والإباحية «السيئة».

ولماذا للمواد الإباحية دلالة سلبية للغاية؟

تعتبر الصور المرئية لمشاهد النشاط الجنسي البشري قديمة قدم الحضارات البشرية. تشير الأدلة الأثرية والتاريخية والأدبية والتاريخ الفني إلى حقيقة أن جميع الحضارات في جميع القارات امتلكت ثقافات من الصور المرئية ذات الطابع الجنسي والتي نُظمت بموجب قوانين دينية وعلمانية خاصة بالثقافة. إن أقدم الصور المرئية الجنسية وأكثرها توثيقًا هي تلك الخاصة بالحضارات البشرية المبكرة التي كانت موجودة في الشرق الأدنى القديم ومصر، ما يُعرف الآن باسم الشرق الأوسط. والنقطة المهمة هي أن التمثيلات المرئية للعري والجنس الصريح- المواد الإباحية والشبقية- هي ظواهر عالمية كانت موجودة منذ فجر الحضارة الإنسانية. نقلت معانٍ سياسية واقتصادية واجتماعية ودينية وثقافية مختلفة في أجزاء مختلفة من العالم قبل- وحتى بعد- ظهور المسيحية والإسلام. وبعبارة أخرى، تُظهر الأدلة الأثرية والتاريخية والفنية أن الصور المرئية للجنس البشري مليئة بالعقليات ووجهات النظر العالمية لحضارات وثقافات معينة. نظرًا لإنتاجها ضمن سياقات ثقافية محددة، فإن الصور المرئية الصريحة ذات الطابع الجنسي تلتزم بقيم وقواعد وأنظمة الأوساط الثقافية التي أُنتجت فيها. فقبل اختراع الكتابة، كانت الرسوم الإيديوغرافية، والرسوم التوضيحية، وكتابات جدران الكهوف، والألواح الطينية التي تصور النشاط الجنسي البشري هي أول التمثيلات المنظمة للصور المرئية ذات الطابع الجنسي والتي أُنتجت في السياقات السياسية والثقافية والدينية للإنسان المبكر والحضارات القديمة.

تقول منتجة الأفلام الأمريكية لوسي فيشر، والتي تعدّ مثالًا للكثير من النساء والأمهات العاملات في صناعة الترفيه: «الإيروتيكية سمراوات يلتففن بالحرير، والإباحية شقروات في النايلون. الإيروتيكية لأِشخاص الطبقة الوسطى الطيبين أمثالنا، والإباحية للوحيدين وغير الجذابين وغير المتعلمين». قد يشكل تصريح فيشر صدمة ويثير التساؤلات، ورغم بعض المعاني الطبقية الخفية في هذا التصريح، إلا أنه يدفعنا حقًا للتساؤل حول ماهية هذه المواضيع.

ليست مصادفة أن يفكر الباحثون في الشكل البشري عند البحث في الإيروتيكية في الفن، لأن الفنان قد جعله مثاليًا لحد ما، سواء كان ذلك في الرسم أو النحت أو التصوير أو صناعة السينما. فالإيروتيكية أو الشبقية (Erotica) – بالمعنى الواسع- هي أي عمل أدبي أو فني يتعامل بشكل جوهري مع موضوع شبقي شهواني أو مثير جنسيًا أو محفز جنسيًا، ولكنها- بالمعنى الدقيق للكلمة- لا تعتبر عمومًا إباحية. قد تستخدم الإيروتيكية أي شكل فني لتصوير المحتوى الجنسي، بما في ذلك الرسم أو النحت أو الدراما أو الأفلام أو الموسيقى. إذ أصبحت بعض الفنون والآداب الإيروتيكية مثل الأدب الجنسي والتصوير الإيروتيكي أنواعًا في حد ذاتها. تنطوي الإيروتيكية على توصيف الجنسانية عند البشر لغايات فنية بحتة، وتتعدى الجانب الجنسي لتركز أيضًا على المشاعر والأحاسيس.

بينما تنطوي الإباحية (Pornography) أو اختصارًا (بورن أو بورنو) على تصوير أي موضوع جنسي بغرض واحد هو الإثارة الجنسية من خلال النشاط الجنسي، ولا يشمل المصطلح المعارض المباشرة مثل العروض الجنسية والتعري. تركز الإباحية على إظهار الممارسات الجنسية من جانب حسي جسدي بغرض الإثارة الفورية والمكثفة.

يهدف الفيلم الإباحي النموذجي السائد إلى إثارة الجماهير الذكور جنسياً. لا يحتوي الفيلم على رواية أو رسالة آسرة. وغالبًا ما تكون النساء صغيرات السن وذوات مظهر متشابه جدًا (مثل الصدور الكبيرة، والشعر الأشقر وغير ذلك). وتكون الشخصيات الأنثوية هنا مفرطة الشهوانية، إذ تبدو سعيدة لكونها تحت تصرف الرجال. يميل هذا النوع من الأفلام إلى مزج الصور الجنسية الصريحة والخضوع والعنف، ويستهدف العنف تجاه النساء، لكونه خيال ذكوري لا توجد فيه عواقب سلبية (مثل الأمراض المنقولة بالاتصال الجنسي أو الحمل أو الرفض أو الضعف الجنسي).

يُعتقد أن المواد الإباحية تروج لوجهة نظر مشوهة عن الحياة الجنسية. وغالبًا ما نشعر بالقلق إزاء الآثار السلبية المحتملة للإباحية على الجمهور المشاهد (خاصة الأطفال) ولكننا ننسى العاملات بالجنس. تصف النجمة الإباحية السابقة شيلي لوبين حقيقة مزعجة للغاية عن صناعة الأفلام الإباحية. كشفت أن الغالبية العظمى من هؤلاء الممثلين يتعاطون المخدرات لتخدير أنفسهم من أجل الأداء في هذه الأفلام. تأتي النساء أغلب الأحيان من منازل يعانين فيها الإساءة، كما يعانين من تدني احترام الذات. تؤكد النجمة الإباحية السابقة أنه على الرغم من أن عاملة الجنس تبدو وكأنها تحب الرجال، إلا أنها غالبًا ما تحتقر الرجال.

يُعتقد أن الإيروتيكية مفهوم جمالي يرتبط بحساسيات الطبقة العليا، كما أن المواد الإيروتيكية وفقًا لبعض النقاد، تبدأ بتحفيز الاستجابات الجسدية، ثم تتجاوزها، تاركة توهجًا جنسيًا معتدلًا يمكن للمرء أن يتحدث عنه في صحبة مهذبة. يعتقد أل غولدشتاين أن مثل هذه الأوصاف متحيزة وفقًا للنوع الاجتماعي والطبقة وعوامل مثل التفضيل الشخصي، إذ قال ذات مرة: «الإيروتيكية هي ما يثيرني، أما الإباحية فتثيركم أنتم».

تختلف الآراء حول الفرق بين الإيروتيكية والإباحية، إذ ترى الناشطة المناهضة للإباحية أندريا دوركين أن «الإيروتيكية هي ببساطة إباحية بمستوى راقٍ، وإنتاج أفضل، وتصور أفضل، وتنفيذ أفضل، وتغليف أفضل، كما انها مصممة لفئة أفضل من المستهلكين». بينما تميز الكاتبة النسوية غلوريا ستاينم الإيروتيكية عن الإباحية عندما كتبت: «الإيروتيكية مختلفة عن الإباحية اختلاف الحب عن الاغتصاب، والكرامة عن الإذلال، والشراكة عن العبودية، واللذة عن الألم». تعتمد حجة ستاينم على التمييز بين التبادلية والهيمنة كما قالت: «سواء كانت فاضحة أو خفية، فالإباحية لا تنطوي على مساواة في القوة أو التبادلية. إنما تتسبب الفكرة الواضحة بسيطرة شخص ما على آخر بالكثير من التوتر والدراما».

في محاولة لإضفاء بعض الوضوح على هذه القضية، يميز بعض الفنانين والنقاد والكتاب بين الفن والإيروتيكية. يصنف الباحثون أيضًا بعض تمثيلات الجنس على أنها فن إيروتيكي، وغيرها على أنها مجرد مواد إباحية. تقترح ماهون (2007) أن المواد الإباحية معروفة أساسًا بقصد الإثارة الجنسية لا أكثر ولا أقل. هذا الاستحواذ على الإثارة الجنسية في حد ذاته يحول دون تصنيف المواد الإباحية على أنها «فن». هذا لأن الفن يرتبط بتقاليد جمالية خاصة بالثقافة ويثير دائمًا ردود فعل عاطفية وفكرية معقدة. وتضيف أن الفن الإيروتيكي قد يتشابه بجوانب مع المواد الإباحية، لكن هذه الجوانب ليست موجودة للإثارة الجنسية وحدها. وتقول عن الإيروتيكية «إنها تلعب على جماليات المخيلة، وتستخدم الصور الجنسية لنقد الحقائق الاجتماعية والدينية والسياسية، وكذلك الذوق الفني» (ماهون، 2007، ص 14-15).

يقترح ريتشارد بوسنر في كتابه «الجنس والمنطق» استخدام كلمة «إيروتيكيّ» لوصف العروض والتمثيلات التي يعتبرها بعض المشاهدين أو يُنظر إليها من قبلهم على أنها تتعلق بالنشاط الجنسي. بينما يعرّف بيتر ويب الفن الإيروتيكي أنه الفن المرتبط بموضوع جنسي يتعلق بالمشاعر بدلًا من الأفعال وحدها، والتصورات الجنسية التي يمكن تبريرها على أسس جمالية.

تُظهر صورة مان راي «المُصلّية» يدي امرأة وقدميها وأردافها فقط، وهو ليس تصويرًا جنسيًا بالمعنى الدقيق، ولكن لا عواطف في نفس الوقت، إلا أنها تعدّ تحفة إيروتيكية على نطاق واسع.

لعلّ أكثر التعريفات التي قد تبدو ملائمة هي التي تقول إن الفن الإيروتيكي هو الفن المصمم بقصد تحفيز جمهوره المستهدف جنسيًا، والذي ينجح إلى حد ما في ذلك. ويعتقد الفيلسوف الأمريكي غاي سيرسيلو أنها تحفيز المشاعر الجنسية، التي قد تكون أحاسيسًا في أعضائنا الجنسية، أو أحاسيسًا في أعضاء أخرى مثيرة للشهوة تولد أحاسيسًا في الأعضاء الجنسية. يمكن يُفهم التحفيز الجنسي بشكل أفضل على أنه إثارة المشاعر والرغبات والتخيلات الجنسية، والتي يمكن اعتبارها بشكل عام ممتعة في حد ذاتها.

قد يكون من الصعب رسم الخط الفاصل بين الإيروتيكية والإباحية. يمكن أن تكون الإيروتيكية لشخص ما هي إباحية بحد ذاتها. يرتبط ذلك بالنظرة الثقافية والجمالية للأفراد والمجتمعات. هل يمكنك مشاركتنا رأيك حول الفرق بين الإيروتيكية والإباحية؟

المصادر:

نريد أن نعيد لمنطقتنا مجدها السابق.أتريد ذلك أيضاً؟

خلال العصر الذهبي، ساهمت منطقتنا ببعض أكبر الاختراعات والعجائب العلمية في العالم الحديث. نحن نعيد إيقاد روح المعرفة والمجد والأمل التي ألهمت المنطقة خلال هذه الفترة، ونحن بحاجة إليك.

انضم إلينا