هل جربت في السابق دخول الإنترنت من هاتف والدتك أو أحد أصدقائك؟ هل أعطاك ذلك شعورًا غريبًا، وكأنك تستخدم شبكة تواصل أخرى بمحتوى مخالف عما اعتدت عليه؟
في الثالث والعشرين من يونيو عام 2016، حصل استفتاء شعبي عام في المملكة المتحدة للخروج من الاتحاد الأوروبي انتهى بتفوق ضئيل لصالح الانفصاليين، وأضاء على ظاهرة خطيرة انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي، وتكرر الحدث في انتخابات الرئاسة الأمريكية بعد عدة أشهر، إذ صدم انتصار دونالد ترامب في السباق الرئاسي أنصار المرشحة كلينتون، والذين كانوا يعتبرون حملة المرشح الجمهوري حتى فترة قريبة مجرد دعابة لا يصدقها أحد. افترض كل من طرفي الجدل تحقيقه لغالبية شعبية واسعة، إذ يرى كل من يستخدم الإنترنت منهم نسبة كبيرة من الآراء الموافقة لرأيه مقابل حفنة لا تكاد تذكر من الآراء المعارضة. فما هو سبب ذلك؟
نعلم منذ سنوات أن وسائل التواصل الاجتماعي لا تقدم المحتوى ذاته للجميع، فهي تخصص الأخبار ونتائج البحث لكل شخص بناء على كم هائل من المعطيات الشخصية، بدءًا من نوع الجهاز المستخدم ومتصفح الإنترنت، وصولًا إلى بلد المستخدم وعمره وحالته الاجتماعية وانتماءاته السياسية، معززة وصوله إلى ما قد يثير اهتمامه أكثر، ومعدلة المحتوى لكل شخص بما يضعه ضمن فقاعة تواصل اجتماعي تحيطه بما يحب وتعزله عن بقية الأصوات المخالفة.
عرف الجميع هذه الظاهرة منذ سنوات، إذ تبرر شركات مثل غوغل وفيسبوك وتويتر استخدامها بحجة تسهيل وصول المستخدم إلى ما يثير اهتمامه، ويوفر عناء البحث ضمن الكم الهائل من المعلومات التي تفيض بها شبكة الإنترنت.
يطرح هذا الموضوع العديد من التساؤلات حول مهنية هذه الشركات والتساهل الأخلاقي الذي تتعامل به بغرض زيادة مكاسبها، ففي حين يؤكد مبرمجو هذه الخوارزميات على تخصيص المحتوى وفقًا لاهتمامات كل مستخدم دون محاولة الترويج لتوجهات الشركة أو أحد أفرادها، يعتقد الكثيرون أن وضع كل مستخدم ضمن قوقعة مغلفة لا يسمع ضمنها سوى أصداء صوته وآرائه الشخصية هو أمر مناف لأخلاقيات العمل الإعلامي.
عنوان: كيف الخروج؟
لعل الخروج من هذه الفقاعات قد لا يكون بالسهولة التي نتصورها، فالمحتوى الذي نتلقاه عبر وسائل التواصل الاجتماعي قد يبقى دومًا رهينة خوارزميات ترفع أهمية خبر هنا وتحجب خبرًا هناك، لذلك يبقى الخيار الأمثل هو البحث دومًا عن الآراء المخالفة لنا ومحاولة فهم أسباب وجهة النظر الأخرى رغم انطباعنا المسبق عنها، إضافة إلى تذكر حقيقة مهمة: وهي أن ما نراه على الإنترنت لا يعبر أبداً عن الصورة الكاملة، إنما هو مجرد زاوية ضيقة مخصصة لننظر منها.
يرى أنصار هذه التقنية أنها أفضل الطرق للحصول على المعلومات التي نحتاجها بسرعة وسهولة، لكن السؤال يبقى: أليس الهدف الأساسي من وسائل الإعلام هو تقديم المعلومات للجميع؟ وهل يمكننا أن نحصل على معرفة كافية عن عالمنا إذا بقينا في قوقعة مغلقة تخفي كل ما قد يزعجنا ويخالفنا الرأي؟