تشتهر الحضارة الفرعونية أو المصرية القديمة بالعلوم التي تقدمت فيها عن نظيراتها من الحضارات، وقدمت إسهامات وتركت بصمة في مختلف الميادين ولاسيما علمي الفلك والرياضيات.
يعود تاريخ علم الفلك المصري إلى ما قبل بداية التاريخ، ويظهر ذلك في اكتشاف الدوائر الحجرية في «نبتة بلايا» التي تقع على بعد 100 كم غرب أبو سمبل بمحافظة الوادي الجديد جنوب مصر، وتعد من أهم المناطق الأثرية والتي يرجع تاريخها إلى الألفية الخامسة قبل الميلاد، إذ تحتوي على محاذاة فلكية دقيقة، وبدا أن المصريين قد طوروا بالفعل تقويمًا. كما طور المصريون القدماء نظامًا من الأبراج التي تختلف عن تلك التي عند الإغريق وبلاد ما بين النهرين.]
اعتمد المصريون الحساب الشمسي، وأدركوا أن السنة كانت حوالي 365 يومًا، وقسموها 12 شهرًا من 30 يومًا، كما طوروا تقويمًا آخرًا يعتمد على نجم الشعرى اليمانية، والذي تكون أيضًا من 365 يومًا لكنه تضمن ربع يوم إضافي.
يعد التوجه الدقيق للأهرامات المصرية بمثابة دليل دائم على الدرجة العالية من المهارة الفنية في مراقبة السماوات التي جرت في الألفية الثالثة قبل الميلاد. جرت محاذاة الأهرامات المصرية بعناية تجاه النجم القطبي، ومحاذاة معبد آمون رع في الكرنك على شروق الشمس منتصف الشتاء. لعب علم الفلك دورًا كبيرًا في تحديد مواعيد الأعياد الدينية وتحديد ساعات الليل، وبرع المنجمون في المعابد في مشاهدة النجوم ومراقبة شروق الشمس والقمر والكواكب، وكذلك أطوار القمر.
كان لوفاة الملك علاقة قوية بالنجوم عند قدماء المصريين. اعتقدوا أنه بمجرد وفاة الملوك، سترتفع أرواحهم إلى السماء وتصبح نجوماً. تصف نصوص الأهرام صعود الملك ليصبح نجم الصباح بين النجوم الخالدة للملوك السابقين.
صنع المصريون في عهد الأسرة المصرية التاسعة «جداول نجوم قُطرية» رُسمت عادةً على السطح الداخلي لأغطية التوابيت الخشبية. استمرت هذه الممارسة حتى عهد الأسرة الثانية عشر. تُعرف أيضًا «جداول النجوم القطرية» أو المخططات النجمية باسم «الساعات النجمية القطرية»، إذ عُفت في الماضي أيضًا باسم «تقويمات النجوم» أو «الساعات العشرية». عُثر على هذه الخرائط النجمية التي تظهر لوحات الآلهة المصرية والعشريات والأبراج ومراقبات النجوم على سقوف المقابر والمعابد.
عزا ماكروبيوس أمبروسيوس تيودوسيوس- سياسي ولغوي روماني عاش ما بين القرنين الرابع والخامس الميلادي- نظرية الكواكب التي تقتضي بدوران الأرض حول محورها ودوران الكواكب عطارد والزهرة حول الشمس والتي بدورها تدور حول الأرض، إلى قدماء المصريين، وأطلق عليه اسم «النظام المصري».
وأما بعد فتوحات الإسكندر الأكبر، فقد اندمجت التقاليد المصرية الأصلية لعلم الفلك مع معارف الإغريق والبابليين، عندما أصبحت مدينة الإسكندرية مركزًا للعلوم في جميع أنحاء العالم الهلنستي. وبعد الغزو الروماني أصبحت مصر مرة أخرى مركزًا للنشاط العلمي في الإمبراطورية الرومانية. كان أشهر علماء الفلك في هذه الفترة هو كلاوديوس بطليموس (90-168 م)، الذي كتب مجموعة من النصوص الفلكية المهمة بما في ذلك المجسطي، إذ شرح بطليموس كيفية التنبؤ بسلوك الكواكب، وصنف 1022 نجمًا.
ومع تطور علم الفلك لتوفير معلومات التقويم، تطلبت المساحة الكبيرة التي غطتها الأمة المصرية إدارة معقدة ونظامًا للضرائب. ونظرًا لازدياد تعقيدات المجتمع، ومتطلبات الاحتفاظ بالسجلات وإجراء الحسابات بينما كان الناس يقايضون بضائعهم، فقد نشأت الحاجة إلى العد، ثم كانت هناك حاجة إلى الكتابة واستخدام الأرقام لتسجيل المعاملات.
لم تكن أنظمة الأرقام المصرية مناسبة تمامًا للعمليات الحسابية، إذ كان للنظام المصري عيوب مماثلة لتلك الموجودة في الأرقام الرومانية. إذ كان نظام الأعداد عند قدماء المصريين نظاما عشرياً، لكنهم لم يتوصلوا إلى الصفر. ورمزوا للعشرة برمز خاص، وكذلك الحال بالنسبة إلى المئة، والألف. ومع ذلك، فقد كان المصريون عمليين للغاية في نهجهم للرياضيات، وتطلبت تجارتهم أن يتمكنوا من التعامل مع الكسور. تطلبت التجارة أيضًا أن يكون الضرب والقسمة، لذا فقد ابتكروا طرقًا رائعة للتغلب على أوجه القصور في أنظمة الأرقام التي كان عليهم العمل بها.
وُجدت الأرقام الهيروغليفية المبكرة في المعابد والآثار الحجرية وعلى الأواني. وبمجرد أن بدأ المصريون باستخدام ورق البردي ورؤوس القصب كأقلام تطورت كل من الكتابة والأرقام الهيراطيقية. ولا بد أن عددًا كبيرًا من البرديّ قد تضمن حسابات وأرقامًا، إلا أنه وبسبب هشاشة مادة الورق فقد اختفت جميعها تقريبًا، وبقيت وثيقتان رياضيتان رئيسيتان (بردية ريند، وبردية موسكو). ومن هاتين الوثيقتين جاءت معظم معرفتنا بالرياضيات المصرية.
سميّت برديّة ريند المحفوظة في المتحف البريطاني باسم إلى الأثري الاسكتلندي ألكسندر هنري ريند الذي اشترى البردية في الأقصر سنة 1858، بعدما عثر عليها أثناء الحفريات بالقرب من معبد الرامسيوم نحو عام 1550. وتلك البردية نسخة منقولة بالخط الهيراطيقي، نقلها كاتب يُدعى أحمس من نسخة أصلية تعود إلى عصر الفرعون أمنمحات الثالث. تستعرض البردية قائمة من المسائل العملية التي تواجه الناس في مختلف مجالات الإدارة والبناء، إذ يحوي النص 84 مسألة تتعلق بالمعادلات الرقمية، وحساب الأشكال الهندسية.
يعود تاريخ بردية موسكو إلى نفس الفترة الزمنية، وقد شاع تسمية بردية ريند ببردية أحمس نسبة للكاتب الأصلي، إلا أن بردية موسكو لم يُعرف كاتبها لأن الكاتب الذي كتب هذه الوثيقة لم يسجل اسمه للأسف، وهي تُدعى أيضًأ بردية غولنيشتشيف الرياضية، على اسم مالكها الأول، عالم المصريات الروسي فلاديمير غولنيشتشيف. يُرجح أن تاريخ البردية يعود إلى فترة حكم الأسرة الثالثة عشر أي نحو عام 1850 قبل الميلاد. وفي عام 1930 قسم السوفيتي المستشرق فاسيلي فاسيليفيتش ستروف البردية إلى 25 مسألة رياضية مع حلولها.
اهتم المصريون فقط بالحساب العملي، على عكس الإغريق الذين فكروا بشكل تجريدي في الأفكار الرياضية. يعتقد معظم المؤرخين أن المصريين لم يفكروا في الأرقام على أنها كميات مجردة، ولكنهم فكروا دائمًا في مجموعة محددة من 8 أشياء عندما ذُكر رقم 8. واعتقد المصريون أن الإله توت هو الذي علمهم الحساب والكتابة، ونجد صوره على الأخص في كتاب الموتى، حيث يُصوروه واقفًا عند الميزان يوم الحساب في العالم ألآخ، بالقلم ولوح الكتابة في يديه، يدون أعمال الموتى، ويقدم الحساب إلى أوزوريس.
ولا بد لنا أن نذكر كيف ارتبطت الرياضيات والهندسة ببناء الأهرامات دون الدخول في تعقيدات الموضوع، لكن دون شك كان لتلك المعارف دور كبير في إنجاز هذه الأبنية المهولة والعظيمة. وكان للفلك ارتباط أيضًا بعلوم الحساب، فقد اهتم المصريون بمعرفة أوقات فيض النيل، وتطلب ذلك حسابات التقويم.
أثرت المعارف الرياضية المصرية على المعارف اليونانية الناشئة بين القرنين السادس والرابع قبل الميلاد، إذ كرس هيرودوت وأفلاطون الممارسات المصرية في تدريس الرياضيات وتطبيقها. تحظى هذه المزاعم بدعم تاريخي، باعتبار أن الإغريق قد حافظوا باستمرار على التجارة والعمليات العسكرية مع مصر من القرن السابع قبل الميلاد فصاعدًا. لذا فمن المعقول أن السوابق الأساسية للجهود الرياضية المبكرة لليونانيين، أي كيف تعاملوا مع الأجزاء الكسرية أو المساحات والأحجام المقاسة، أو استخدامهم للنسب، قد جاءت من تعلم الكتبة المصريين القدماء.
المصادر:
- https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B9%D9%84%D9%85_%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D9%83_%D8%B9%D9%86%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B1%D8%A7%D8%B9%D9%86%D8%A9
- https://en.wikipedia.org/wiki/Egyptian_astronomyط
- https://explorable.com/egyptian-astronomy
- https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D8%B6%D9%8A%D8%A7%D8%AA_%D9%81%D9%8A_%D9%85%D8%B5%D8%B1_%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%AF%D9%8A%D9%85%D8%A9
- https://cosmonova.org/ancient-egyptian-astronomy/
- https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A8%D8%B1%D8%AF%D9%8A%D8%A9_%D8%B1%D9%8A%D9%86%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D8%B6%D9%8A%D8%A9
- https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A8%D8%B1%D8%AF%D9%8A%D8%A9_%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%83%D9%88_%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D8%B6%D9%8A%D8%A9
- https://www.britannica.com/science/mathematics/Assessment-of-Egyptian-mathematics