عند الحديث عن العبودية بمعناها التقليدي، تتبادر إلى أذهاننا أفكار عن زمن غابر كانت أرواح البشر حينه سلعة تباع وتشترى في سوق النخاسة بأثمان بخسة، ليجبر العديد منهم على ممارسة الأعمال الشاقة وتحمل أشكال يندى لها الجبين من التعذيب، لا لسبب إلا لأنهم مختلفون في لون البشرة أو العرق أو الدين.
لكن الواقع يقول إن العبودية لا تزال أمرًا واقعًا في العديد من المناطق على امتداد البلاد العربية، وفي حين أصبحت العبودية أمرًا من الماضي في قوانين جميع دول العالم، تحول العديد من الأشخاص إلى أحرار على الورق فقط، في ظل تجاهل الحكومات لحقوقهم وغياب الاعتراف بهم أحيانًا كثيرة.
كيف بدأت العبودية في المنطقة العربية؟ وما الذي سمح لها بالاستمرار حتى اليوم؟
يرتبط مفهوم العبودية لدى الكثيرين بتجارة الأفارقة إلى العالم الجديد للعمل في حقول القطن ومنازل الأسياد، لكن طريق تجارة العبيد الشرقي لم يقل عنه أهمية وخطورة في انتهاك حقوق الإنسان، حتى أن مجموع البشر الذين بيعوا واشتُروا في أسواق المنطقة العربية يفوق عدد جميع ضحايا تجارة الرق الأمريكية.
لا يم كن تحديد فترة بدء العبودية بدقة لكنها سبقت تجارة العبيد الأمريكية بألفي سنة على أقل تقدير، وذكر المؤرخون أربع طرق أساسية للوقوع في العبودية هي الولادة لوالدين من الرق أو الوقوع أسيرًا خلال إحدى الغزوات أو تقديم العبد كفدية أو الشراء في سوق النخاسة.
كما أن العبودية لم تقتصر على ذوي البشرة السمراء، فقد شملت الهنود وأهل النوبة والأتراك والسلافيين، وتمكن العبيد من شغل العديد من المناصب المرموقة في الدولة والجيش ليصل نفوذهم إلى ذروته بتأسيس دولتي المماليك في مصر والهند.
بنظرة خاطفة إلى العالم العربي في يومنا هذا، نرى أننا قطعنا شوطًا لا بأس به في الحقوق المدنية خلال العقود الأخيرة، متمثلًا بقرارات مثل تحريم المملكة العربية السعودية تجارة العبيد عام 1962 بعد أن كان النخاسون يستغلون موسم الحج لعرض البشر وبيعهم. كما اتخذت سلطنة عمان خطوة كبرى ضد العبودية بإلغائها رسميًا عام 1970 بعد أن كانت إمبراطورية عظمى لتجارة العبيد بسطت نفوذها على زنجبار وأجزاء من الساحل الأفريقي الشرقي، وامتهنت اختطاف العبيد وبيعهم إلى موانئ المحيط الهندي.
لكن النظرة السريعة تخفي مع الأسف الكثير من التفاصيل، إذ يذكر مؤشر الرق العالمي الصادر عام 2018 وجود أكثر من 40 مليون عبد بالمعنى الحرفي للكلمة حول العالم تتركز نسبة كبيرة منهم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ففي موريتانيا التي كانت آخر دولة تلغي العبودية حول العالم عام 2007، تعيش مجموعة من البشر تدعى بالحراطين الذين حررتهم القوانين شكليًا دون أن يتغير في واقعهم شيء.
تقدر الإحصائيات عدد الحراطين بنحو 40% من سكان موريتانيا، ويعيشون واقعًا اقتصاديًا وخدميًا مزريًا يجبر الغالبية العظمى منهم على البقاء في مزارع الأسياد وخدمتهم متحملين أشكالًا من التعذيب لا يتخيل عقل أنها تحدث في القرن الحادي والعشرين، دون محاولات جدية من السلطات الرسمية لفرض حقوق الإنسان وتطبيق العقاب الرادع بحق منتهكيها.
بعيدًا عن النخاسة التقليدية، تتخذ العبودية اسمًا آخر هو نظام الكفالة الذي يمكّن رب العمل من الحصول على يد عاملة رخيصة عبر وكالات تستقطب الباحثين عن حياة أفضل من أفريقيا وجنوب شرق آسيا بشكل خاص، ليفقد العامل جواز سفره وحقه في الحصول على الأجر العادل أو الاعتراض على ظروف العمل غير الإنسانية بمجرد وصوله. نجد هذه الظاهرة لدى عاملات المنازل في دول الخليج ولبنان على وجه الخصوص، حيث تعتبر الخادمة قطعة أثاث في المنازل المترفة، ومن ينسى مشروع استضافة كأس العالم في قطر لعام 2022، والذي راح ضحيته أكثر من 6,500 عامل مهاجر لم تثبت تهمة قتلهم على أحد، ولم تتخذ إجراءات رادعة تمنع تكرار هذه الحادثة وغيرها في المستقبل.
تؤكد المعلومات الحالية أن العبودية المعاصرة مشكلة عالمية تكاد لا تخلو منها دولة، كما أثبتت الاضطرابات السياسية والاقتصادية والأمنية في السنوات الأخيرة أن أحدًا ليس بمأمن من الوقوع في العبودية الحديثة بأشكالها المختلفة مثل الزواج القسري وعمالة الأطفال والتجنيد غير الشرعي خصوصًا للمجتمعات التي حصلت على حريتها حديثًا، فهل نستطيع أن نعمل معًا لنتحرر من ظلام العبودية؟