لا شك بأنّ اسم ألبرت آينشتاين مرتبط بمفهوم العبقرية في عقولنا جميعًا، فقد كان لإسهاماته في مجال الفيزياء تأثير استثنائي على فهمنا للكون، ولا يزال إنجازه المتعلق بنظرية النسبية أحد أهم الإنجازات البشرية في محاولاتها لفهم الكون، إن لم يكن أهمها على الإطلاق. لكنّ الفيزياء لم تكن همّ آينشتاين الوحيد، فقد كان مدافعًا قويًا عن اللاعنف وساعيًا لتحقيق السلام. في هذا المقال، سوف نستكشف آراء أينشتاين حول السلام والحرب، ونلاحق تأثيرها على حياته وعمله.

من هو آينشتاين؟ 

ولد أينشتاين في مدينة أولم بألمانيا عام 1879، ونشأ في أسرة تقدر العلم والتعليم والتفكير النقدي. أظهر ألبرت في طفولته إعجابًأ بالعالم الطبيعي وتميز بمهارته الفذّة في حل المشكلات المعقدة. كان والدا أينشتاين من اليهود العلمانيين من الطبقة الوسطى. وكان والده، هيرمان أينشتاين، في الأصل بائع أسِرة، ثم أدار لاحقا مصنعًا. أما والدته، بولين كوخ، فقد كانت ربة منزل. وكان لديه أخت واحدة هي ماجا التي وُلدت بعد عامين من ولادة ألبرت.

يذكر المؤرخون تأثر آينشتاين في سنواته الأولى بأمرين، الأول كان حصوله على بوصلة في سن الخامسة فقد أصابته الحيرة من تلك القوى غير المرئية التي تؤدي لانحراف الإبرة. وحدث الأمر الثاني في سن الثانية عشرة عندما قرأ كتابا للهندسة وصفه بأنه «كتاب الهندسة الصغير المقدس». مع تقدمه في السن، بدأ أينشتاين في تطوير نظرياته الخاصة حول طبيعة الكون، ودفعته هذه الاهتمامات في نهاية المطاف للالتحاق بالمعهد الفدرالي السويسري للفنون التطبيقية في زيورخ لدراسة الفيزياء.

خلال الفترة التي قضاها في المعهد، تزايد اهتمام أينشتاين بمفهوم النسبية، وبدأ في تطوير نظرياته الخاصة حول العلاقة بين الزمان والمكان والمادة. ستؤدي هذه الأفكار في النهاية إلى تطوير نظريته الشهيرة للنسبية، التي أحدثت ثورة في طريقة فهمنا للكون وأكسبته اعترافًا واشادة على نطاق واسع لتحديها العديد من الافتراضات القديمة حول طبيعة الزمان والمكان والمادة، وفتحها لإمكانيات جديدة لفهم الطبيعة الأساسية للكون. حصل آينشتاين على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1921، وعزز سمعته كواحد من أعظم العلماء في كل العصور.

آينشتاين والسلام

إلى جانب اهتماماته في مجال الفيزياء ومحاولاته لفهم الكون، كان آينشتاين أيضًا قلقًا بشأن حالة السلام في العالم. بينما كان يشاهد صعود القومية والعسكرة في أوروبا، تزايد قلق آينشتاين من احتمالية اندلاع الحرب وانتشار العنف. آمن العالم الفذ أن التعاون الدولي والدبلوماسية هما مفتاح تحقيق السلام، وعمل بلا كلل لتعزيز هذه المثل العليا طوال حياته. ومن أشهر اقتباسات أينشتاين حول موضوع السلام: «أنا لست من دعاة السلام فحسب، بل أنا مناضل سلمي متشدد على استعداد للقتال من أجل السلام. لن ينهي أي شيء الحرب ما لم يرفض الناس خوض الحرب». يتحدث آينشتاين في هذه الاقتباس عن إيمانه بقدرة الناس العاديين على إحداث التغيير في العالم، وعن مسؤوليتهم عن العمل لتحقيق عالم آكثر سلامًا.

كان أينشتاين أيضًا مدافعًا قويًا عن نزع السلاح وإلغاء أسلحة الدمار الشامل. في أعقاب الحرب العالمية الثانية، راودت آينشتاين مخاوف كبرى حيال انتشارها، وعمل مع علماء ونشطاء آخرين لتعزيز نزع السلاح والحد من انتشاره. كتب آينشتاين العديد من المقالات وأدلى بتصريحات عامة دعا فيها إلى القضاء على هذه الأسلحة. 

ولعل من أشهر مقولات أينشتاين عن القنابل الذرية هي:

«لدينا القدرة على الإختيار إما أن نحرّم القنابل الذرية أو نواجه الإبادة الشاملة. القومية هي من أمراض الطفولة وهي حصبة الجنس البشري، ولا أفهم لماذا تقوم الكتب المدرسية بتمجيد الحروب ولا تذكر فظائعها وتغرس العنف والكراهية في شرايين الأطفال. أنا أفضل تدريس السلام على تدريس الحرب وتدريس الحب على تدريس الكراهية».

بالإضافة إلى عمله في نزع السلاح، دعم أينشتاين أيضًا عددًا من مبادرات السلام الأخرى. فقد كان عضوًا في لجنة السياسة النووية السليمة (SANE)، التي عملت على تعزيز نزع السلاح والحد من انتشاره، وشغل منصب رئيس لجنة طوارئ علماء الذرة التي سعت إلى توعية الجمهور بمخاطر الأسلحة النووية. أيد أينشتاين أيضًا تشكيل الأمم المتحدة  وكان يعتقد أن المنظمات الدولية ضرورية لتعزيز السلام والتعاون بين الدول.

لم تكن آراء أينشتاين حول السلام والحرب نظرية فحسب – بل كانت أيضًا شخصية بعمق. خلال الحرب العالمية الثانية، هرب أينشتاين وزوجته من أوروبا التي احتلها النازيون واستقروا في الولايات المتحدة. أصبح أينشتاين مواطنًا أمريكيًا في عام 1940، واستخدم شهرته ونفوذه للتحدث ضد الحرب وتعزيز السلام. كما دعم عددًا من القضايا الخيرية، بما في ذلك الصليب الأحمر الدولي والاتحاد الأمريكي للحريات المدنية، وعمل على تعزيز الحقوق المدنية والعدالة الاجتماعية.

على الرغم من أرائه الرافضة لاستخدام السلاح، وبعد نهضة وصعود نجم الزعيم النازي أدولف هتلر نادى أينشتاين بحمل السلاح للدفاع عن الإنسانية محذراً العالم من خطورة الحزب النازي على أوروبا بشكل مبدئي وعلى بقية دول العالم فيما بعد، كما صور طموح هتلر بالحصول على القنبلة النووية بالقنبلة الموقوتة، ووقع رسالة إلى الرئيس الأمريكي حينها، فرانكلين دي روزفلت، يحثه فيها على تطوير سلاح نووي قبل الألمان لردعهم عن استخدامه، قال فيها: «من الواضح أن الألمان لا يدخرون جهدا على صنع القنبلة ولا أتوقع منهم غير النجاح. لم أكن أملك أي بديل سوى فعل ما فعلته، ولكني على الرغم من ذلك لا أريد غير السلام».

 شرح سبب تغير أراءة في ورقة نشرها عام 1941، قال فيها: 

«في عشرينات القرن الماضي، عندما لم تكن هناك ديكتاتوريات، رفضت الحروب وأكدت على قدرتنا على الاستغناء عنها. لكن مع ظهور الظروف القسرية في بعض الدول كان لا بد من الحروب لضمان عدم جوار إحدى البلاد على الآخرى».

ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية، عاد أينشتاين مرة أخرى ليتبنى آراءه الرافضة لحمل السلاح، وأصبح صوتاً يدعو لتحقيق السلام العالمي، ووفقا للفيزيائي الكمي وأول من حصل على جائزة نوبل في الكيمياء، لينوس باولنغ، فقد عبر أينشتاين عن أسفه وندمه على كتابة الخطاب لروزفلت حول صنع القنبلة النووية، ولكنه برر موقفه فيما بعد بأنه كان يخاف من نجاح الحزب النازي في الحصول على السلاح النووي قبلهم وما كان سيشكله هذا من خطر على أوروبا والعالم. في عام 1947، صرح أينشتاين لمجلة نيوزويك قائلًا:

«هل كنت أعرف بأن علماء ألمانيا لن ينجحوا في صناعة القنبلة الذرية؟ لو كنت أعرف ذلك لما كنت وقعت الخطاب». في نفس العام، كتب أينشتاين مقالا لجريدة ذا أتلانتيك  ينتقد فيها استخدام الولايات المتحدة الأمريكية للقنبلة وطالب هيئة الأمم المتحدة بسحب القنابل أو مراقبة إستخدامها حتى لا يتسبب ذلك في حدوث خلل في النظام العالمي.

كان أينشتاين أيضًا مدافعًا قويًا عن الحقوق المدنية والعدالة الاجتماعية. كان عضوًا في اتحاد الحريات المدنية الأمريكية والرابطة الوطنية لتقدم الملونين (NAACP)، ودعم الجهود المبذولة لإنهاء الفصل والتمييز.

في الختام، كانت آراء أينشتاين حول السلام راسخة بعمق انطلاقًا من إيمانه بالخير المتأصل للإنسانية. لقد رأى في الحرب مسعىً مدمرًا لا يمكن التغلب عليه إلا من خلال قوة التعليم والحوار وتحقيق تقارب بين الشعوب. تضمنت جهود أينشتاين لتعزيز السلام الدعوة إلى نزع السلاح، والمشاركة في حركات السلام، واستخدام نفوذه كعالم مشهور للتحدث ضد الظلم والعنف. لم يعش أينشتاين ليرى تحقيق رؤيته لعالم أكثر سلامًا، إلا أن أفكاره ومثله تستمر في إلهام وتوجيه أولئك الذين يسعون جاهدين من أجل غد أفضل.

المصادر: 

  • Einstein, Albert. “Why War?” In Ideas and Opinions. New York: Crown Publishers, 1954.
  • Einstein, Albert. “The Road to Peace.” In Ideas and Opinions. New York: Crown Publishers, 1954.
  • Einstein, Albert. “The World as I See It.” In Ideas and Opinions. New York: Crown Publishers, 1954.
  • Einstein, Albert. “Answering a Question with a Question.” In Ideas and Opinions. New York: Crown Publishers, 1954.
  •  Scientist Tells of Einstein’s A-bomb Regrets. The Philadelphia Bulletin, 13 May 1955. 
  • Albert Einstein: How I See the World American Masters (TV series), PBS (August 16, 2006)

نريد أن نعيد لمنطقتنا مجدها السابق.أتريد ذلك أيضاً؟

خلال العصر الذهبي، ساهمت منطقتنا ببعض أكبر الاختراعات والعجائب العلمية في العالم الحديث. نحن نعيد إيقاد روح المعرفة والمجد والأمل التي ألهمت المنطقة خلال هذه الفترة، ونحن بحاجة إليك.

انضم إلينا