هل هيَ ديانةٌ أم مجردُ فكرة؟
“زينو xenu” ديكتاتورٌ فضائي، غضِبَ على الأشرارِ من شعبِهِ منذُ خمسةٍ وسبعينَ (75) مليونِ سنةٍ حيثُ كانوا يعيشونَ حياةً مماثلةً للحياةِ التي نعيشُها اليوم فَجَمَعَهُم في فوهاتِ البراكين وقضى على أجسادِهِم جميعاً بواسطةِ قنبُلةٍ هيدروجينيةٍ في حينِ ظلّتْ أرواحُهم أو مايُعرَفُ بـ”الثيتان thetan” حيّةً على مرِّ الأزمان حتى استقرَّتْ في أجسادِ البشرِ في عصرِنا الحالي.
ذُكِرَتْ هذِهِ القصّةُ كتسريبٍ عن معتقداتِ معتنقي “السيَنتولوجيا” و التي بلغوا مراتبَ عاليةً فيها. و”السيَنتولوجيا” مصطلحٌ مشتقٌّ من Science أي : العلم، يَصِفُهُ البعضُ بالحركةِ الدينيةِ والبعضُ الآخرُ بالفلسفةِ، إلا أنهُ في الحقيقةِ مجموعةٌ منَ الأفكارِ والممارساتِ التي أسّسَها “لافاييت رونالد هوبارد” كاتبُ الخيالِ العلميِّ الأمريكيِّ على أَثرِ نقاشٍ خاضَهُ مع صديقٍ لهُ على حافّةِ حمام السباحةِ في خمسينياتِ القرنِ الماضي حول أقصرِ الطرقِ للحصولِ على مليون دولار، وتحوّلَ هذا النقاشُ إلى رهانٍ على إمكانيّةِ “هوبارد” بناءَ ثروةٍ تُقَدَّرُ بمليونِ دولارٍ عن طريقِ إنشاءِ دينٍ جديد خاصٍّ به وقد صرَحَ بذلك بنفسه لمجلةِ ريدرز دياجست Reader’s digest في ثمانيناتِ القرنِ الماضي . حيثُ أنّهُ – بعدَ تسريحِهِ من البحريةِ الأمريكيةِ لعدمِ أهليَّتِهِ – كانَ قد بدأ بتأليفِ كتابِ” Dianetics” ويعني باليونانيةِ : من خلالِ العقل، ووصفهُ بأنهُ “العلمُ الحديثُ للصحةِ العقليةِ” تناولَ فيهِ تجاربَ الإنسانِ السلبيةَ وأثرَها في حياتِهِ، فلاقى نجاحاً هائلاً دُعِيَ على أَثَرِهِ “هوبارد” لعقدِ محاضراتٍ في مختَلَفِ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ وطوّرَ خلالَ ذلكَ طرائقَ علاجيةً وسعى للحصولِ على اعترافِ مؤسساتِ الطب النفسيِّ بها لكنَّها رفضته جميعاً واعتبرَتْ مايقومُ بهِ علماً زائفاً.
إلّا أنّهُ استمرَ بمايقومُ بهِ حتى نفّذَ رهانَهُ وأسّسَ “السيَنتولوجيا” التي تُعَرِّفُ الإنسانَ على أنهُ جسمٌ وعقلٌ وطاقةٌ روحيةٌ مستمرَّةٌ متحرّكةٌ والتي هي “الثيتان thetan” وبوجودِها داخلَ جسدِ الإنسان، تجعلُ منهُ كائناً حياً خالداً يتمتّعُ بقدُراتٍ هائلةً ولو لم يكتشفْها في حينِها، وليكونَ في فاعليّتِهِ العُظمى، لابدَّ له من التّخلّصِ من مواطنِ ضَعفِهِ ويتمُّ ذلك بتمارينَ ووسائلَ أهمُّها وسيلةُ “الاستماع” Audittingالتي تُجري عمليةَ “تنقيةٍ Clearing” عندما يُفضي المستمعُ بأفكارِهِ وما يدورُ في نفسِه عند وصلِهِ إلى جهازٍ بمؤشّرٍ وقطبَينِ يمسكُ بهِما، فتتدفّقُ طاقةٌ كهربائيّةٌ ضعيفةٌ أثناءَ توجيهِ مجموعةٍ من الأسئلةِ إليه. يُشَبِّهُ البعضُ هذا الجهازَ بجهازِ كشفِ الكذب.
ثم يُعَدُّ تقريرٌ إثرَ هذهِ العمليةِ ليُعرَضَ على هيئاتٍ أعلى ضمنَ مجتمعِ “السيَنتولوجيا” فإن كانَ مقبولاً، ارتفعَ المستمعُ مرتبةً، ويُقَدِّمُ لقاءَ ذلكَ مبلغاً كبيراً من المال، وكُلَّما ارتفعتْ مرتبةُ الشخصِ، تعزّزَتْ إمكانياتُهُ في التّحَكُّمِ بروحِهِ “الثيتان” واستطاعَ اكتشافَ قُدُراتِهِ فقد يتمكّنُ في مراحلَ عاليةٍ من فصلِ روحِهِ عن جسدِهِ، تحريكِ الأشياءِ أو التّحكّمِ بما حولَهُ.
إلّا أنّهُ لايوجدُ دليلٌ علميٌّ أوعمليٌّ يُثبِتُ صحةَ أيٍّ من هذهِ الادّعاءات.
تمَّ الاعترافُ بـ”السيَنتولوجيا” كديانةٍ رسميةٍ في الولاياتِ المتحدةِ الأميركيةِ عامَ ألفٍ وتسعِمئةٍ وثلاثةٍ وتسعين (1993) وأُسِّسَتْ إثرَ ذلكَ كنيسةُ السيَنتولوجيا كمؤسَّسةٍ رسميةٍ معفيةٍ من الضرائب! واعتنقَها العديدُ من المشاهيرِ أبرزُهم الممثلان الأمريكيان جون ترافولتا وتوم كروز الذي وصلَ إلى مراتبَ عاليةٍ فيها.
يتطلّبُ الانضمامُ للساينتولوجيا دفعَ مبلغٍ أوليٍّ كبيرٍ من المالِ، والاستمرارَ بتقديمِ التبرّعاتِ، والتعهّدَ بالولاءِ التامِّ لمليارِعامٍ، واعتزالَ من لا يؤمنون بها والتخلي عنهم ولو كانوا آباءَهم أو أبناءَهم خشيةَ أن يتسبّبوا بزعزعةِ إيمانِ المنتسب فينتقدَها أو يشكّكَ بها أو يتركَها لأنَّ مصيرَهُ حينَها سيكونُ إما المقاضاةَ باستخدامِ تسجيلاتٍ يُحتَفَظُ بها خلال عملياتِ الاستماع، أو الإساءةَ أو رُبّما القتل! حيثُ أُدينَتْ الكنيسةُ السيَنتولوجيةُ بالعديدِ من القضايا الجنائيةِ عقبَ وفاةٍ أعضاءٍ لها بظروفٍ مُريبة، وقد عُرِفَتْ على مرِّ السنواتِ بالاستبداد.
أثارتِ السيَنتولوجيا منذُ نشأتِها جدلاً كبيراً يفوقُ أيَّ جَدَلٍ فبالرغمِ من اعترافِ أمريكا وأستراليا وإيطاليا بها كديانةٍ رسميةٍ إلا أنَّ العديدَ من الدولِ كألمانيا وبريطانيا ترفضُ الاعترافَ بها تماماً، وبالرّغمِ من التشدُّدِ بالسريّةِ كمبدأٍ فيها، إلا أنَّ التسريباتِ كشفتْ عن أجزاءَ كبيرةٍ منها، وها نحنُ اليومَ في القرنِ الواحدِ والعشرينَ نشهَدُ السيَنتولوجيا منظمةً قائمةً بعشْرةِ ملايينَ معتنقٍ كانتْ قد بَدَأتْ برِهانِ رجُلٍ واحد!